طباعة هذه الصفحة

مدير مركز الأبحاث والدراسات “جي إس إم” بموسكو آصف ملحم في حوار لـ “الشعب”:

”إعلان الجزائر” أسـاس متين لبنـاء مستقبــل الغـاز في العـالم

حـوار: سفيــان حشيفة

ثقـة كبــيرة تحظـى بهـا الجزائـر والإعــلان هـو الأول مـن نوعـه فـي هــذا المجـال

اعتبر مدير مركز الأبحاث والدراسات “جي إس إم” بموسكو الدكتور آصف ملحم، نجاح قمّة الجزائر السابعة لرؤساء وحكومات دول منتدى الدول المصدرة للغاز، وتبنّي إعلانها التاريخي بإجماع الأعضاء، دلالة واضحة على الانتصار الكبير للدبلوماسية الطاقوية الجزائرية. وأكد الدكتور آصف في حوار خاص لـ«الشعب”، أن الجزائر تتمتّع بعلاقات مُتوازنة مع كل دول العالم، سيُساعد على المُضي في تجسيد مسار الغاز الجديد الذي أرّخت له قمّة الجزائر.

الشعب: حظي إعلان الجزائر التاريخي المُنبثق عن القمة السابعة لرؤساء دول وحكومات منتدى الدول المصدرة للغاز بالمصادقة وإجماع الأعضاء، ما تقييمكم له إجمالاً؟
الدكتور آصف ملحم: من حيث الشكل، لابد من الإشارة قبل كل شيء إلى أن إطلاق اسم “إعلان الجزائر”، وليس بيان أو توصيات أو مخرجات، على نتائج المباحثات التي جرت في منتدى وقمة الدول المصدرة للغاز، يمنحه صبغة سياسية وقوة قانونية. فهذه الوثيقة ستتحول إلى أساس متين يتم عليها بناء مستقبل العمل بقطاع الغاز في العالم بالعقود المقبلة.
نعلم جميعاً أنه سبقت القمة يومان من العمل والمباحثات والنقاش، كما أن التحضيرات والاستعدادات لها بدأت منذ فترة من الزمن، وهذا يعني أنه تمت دراسة جميع بنود إعلان الجزائر بشكل وافٍ ودقيق، وهذا يعكس إيمان جميع المشاركين بضرورة هذه الخطوة الهامة.
وعلاوة على ذلك، فإن الإجماع على هذا الإعلان يعكس الثقة الكبيرة التي تحظى بها الجزائر بين أعضاء المنتدى.
هذا، في الواقع، نجاح كبير للدبلوماسية الجزائرية؛ نظراً للتمثيل السياسي عالي المستوى في القمة من جهة، كما أن الإعلان هو الأول من نوعه في هذا المجال من جهة أخرى.
ماذا تتوقعون من تأثيرات ايجابية للإعلان على المنتجين والمستهلكين على حدّ سواء؟
 في قطاع الغاز يوجد معادلة رباعية، أطرافها: المنتج والمستهلك ودول العبور والدول المستثمرة، ولكي يعمل هذا القطاع بطريقة مُثلى لا بد من ضبط المعادلة بحيث يكون إيقاع نشاط جميع الأطراف منسجماً.
وقد تضمّن إعلان الجزائر بنداً واضحاً يدور حول دعم الحوار بين (المنتجين والمستهلكين وجميع الأطراف المعنية)، والواقع أن الحوار هو الآلية الوحيدة لضبط المعادلة المذكور آنفا.
تكمن القضية في أن مشاكل المنتجين تختلف عن مشاكل المستهلكين، كما أنها تختلف عن مشاكل دول العبور والدول المستثمرة، وفي بعض الأحيان يحصل تضارب في مصالح الأطراف الأربعة ذاتها.
يعلم الجميع أن الغاز كحامل للطاقة، أو كمادة أولية في الصناعات الكيميائية، هو الأساس، ووجود أي اختلال في إنتاجه أو نقله أو استهلاكه سيؤدي إلى اضطرابات ليس فقط في سوق الطاقة، بل على الاقتصاد كله. لذلك فإن التنسيق والحوار والتشاور بين هذه الأطراف هي حاجات تفرضها ضرورات العمل، وتصبُّ في مصلحة الكلّ.
لذلك، حتى يستشعر المنتجون والمستهلكون التأثيرات الإيجابية للإعلان، فإن الخطوة اللاحقة يجب أن تكون محاولة تشكيل مجموعات عمل مشتركة على مستوى الخبراء لتبادل الآراء حول مجمل النشاط الغازي.
عانت إفريقيا من الفقر الطاقوي رغم وجود مصادر هامة للطاقة الغازية فيها، لماذا؟، وهل يُنْصِفها إعلان الجزائر الجديد؟
 يوجد أسباب عديدة لتأخر القارة الإفريقية، لا يتسع المجال لشرحها جميعها، ولكن تعتبر حقبة الاستعمار الغربي أحد أهم هذه الأسباب، والفقر الطاقوي هو أحد جوانب هذا التأخر.
القارة الأفريقية غنية بالكثير من الموارد، وليس فقط بحوامل الطاقة، ويجب أن تكون أفريقيا المستفيد الأول من هذه الموارد.
وبالتالي، أنصف إعلان الجزائر أفريقيا في موضعين: الأول تحدث عن الحقوق السيادية المطلقة للدول الأعضاء على مواردها من الغاز الطبيعي. فالدول الرئيسية الأربعة المنتجة للغاز في أفريقيا أعضاء في المنتدى، وهي الجزائر ونيجيريا ومصر وليبيا، وهناك دول إفريقية جديدة ستصبح أعضاء فيه، وهي موريتانيا والسنغال وموزمبيق، وهذا ما سيعزز دور القارة السمراء في سوق الطاقة عموماً والغاز خصوصاً.
أما الموضع الثاني، يتمثل في إشارة الإعلان إلى الفقر الطاقوي في إفريقيا في عدّة مواضع، كما أنه أكّد على ضرورة الاستخدام الأوسع للغاز الطبيعي في الأسواق المحلية، الأمر الذي سيُؤدي إلى تعزيز التنمية الاجتماعية والاقتصادية المستدامة في أفريقيا. فضلاً عن ذلك، نوّه إعلان الجزائر إلى ضرورة الاعتماد على الابتكار والبحث العلمي لمعالجة الفقر الطاقوي في القارة الأفريقية.
الدبلوماسية الطاقوية الجزائرية لطالما نافحت من أجل تحقيق التوازن الطاقوي في العالم وإنفاذ السيادة على موارد الدول المنتجة، كيف تقرأون دورها في المحفل الدولي المضطرب الذي تشوبه تدخلات من الدول الغربية على نشاط السوق والمنتجين؟
 نجاح قمّة الجزائر والتمثيل السياسي عالي المستوى وتبنّي إعلانها ورغبة أعضاء جدد بالانضمام إلى منتدى الدول المصدرة للغاز، هي دلائل واضحة على النجاح الكبير للدبلوماسية الطاقوية الجزائرية.
الجزائر في مجلس الأمن الدولي الآن تقوم بنشاط دبلوماسي منقطع النظير، جميعنا نتابع ما يحدث، ولا يستطيع أحد أن ينكر الدور الهام الذي تقوم به الجزائر لإيقاف العدوان الصهيوني على غزة، وهي من دعت في 12 جانفي الماضي إلى عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي لمناقشة موضوع التهجير القسري للفلسطينيين، وأصدر المجلس قراراً برفض (التهجير القسري) للفلسطينيين.
في الحقيقة، عضوية الجزائر في مجلس الأمن هي فرصة لعرض الإعلان الذي تمخّض عن القمة للتداول والدراسة من قبل أعضاء المجلس، ومحاولة استصدار قرار دولي يُوثِّق ذلك الإعلان.
وبالتأكيد هناك بعض الأعضاء سيحاولون المناورة والمناكفة، ولكن، وفق تقديرنا، تعلمت البشرية درساً هاماً من اضطرابات السنتين الأخيرتين، وتحديداً الأزمة الروسية-الأوكرانية والعدوان الصهيوني على غزة واضطرابات البحر الأحمر، وهو أنه لا تستطيع أي دولة أن تعيش بمعزل عن باقي دول العالم. فلو كانت الدولة عبارة عن جزيرة معزولة في عرض المحيط فإن الاضطرابات السياسية ستؤدي إلى اضطرابات سوق الطاقة، مما سينعكس على المنتجات الأساسية التي يستخدمها الإنسان، كالغذاء والكساء والدواء، في تلك الدولة.
ومع ذلك، فإن العلاقات المتوازنة التي تتمتع بها الجزائر مع باقي دول العالم سيُساعد بشكل كبير على المُضي بهذا المسار حتى النهاية المأمولة.
تسعى الجزائر إلى إرساء تحولات طاقوية آمنة في العالم عبر تطوير وترقية صناعة الغاز، هل سيكون ذلك منطلقا جديدا لمستقبل أفضل للحضارة الإنسانية في ضوء تفاقم استخدام الطاقات غير النظيفة على نطاق واسع حاليًا؟
 تتوافر في الجزائر كل الشروط الضرورية لإنجاز عملية التحول الطاقوي بشكل سلس ومرن؛ فالجزائر غنية بالنفط والغاز والشمس والرياح، وتحتل مراتب متقدمة على مستوى العالم من حيث الإمكانات في هذه الأنواع من الطاقات، لذلك يُمكن أن تكون مثالاً للدول الأخرى في هذا الشأن، ولم يكن اختيارها لتكون مقراً لمعهد أبحاث الغاز عبثاً.
وفي طور التّحول الطاقوي، نحن أمام مجموعة من المسارات المتوازية، أهمها تقليل استهلاك النفط والفحم مما يعني تقليل المصانع والآلات التي تعمل على هذين المصدرين، زيادة استهلاك الغاز بما يفيد ابتكار آلات جديدة تعمل على هذا المصدر، مضاعفة مشاريع الطاقات المتجددة التي تساهم في توليد الكهرباء عوضاً عن تلك التي تعمل على الوقود الأحفوري، إعادة تصميم الأبنية من جديد بحيث تؤدي إلى استثمار أمثل للطاقة الشمسية والرياح؛ فتخطيط المدن ومواد البناء الجديدة ستساعد في حل الكثير من مشاكل التدفئة والتهوية والتكييف.
عملية الانتقال الطاقوي يجب أن تقوم بها كل بلدان العالم، لأن مشكلة التلوث البيئي لا تخص دول بعينها، كما أن الملوثات تتحرك عن طريق التيارات الهوائية وتنتقل مع المياه في الدورة الهيدرولوجية. لذلك يكثر الحديث عن ما يمكن أن نسميه التحول الطاقوي العادل، فهذه العملية تحتاج إلى مشاورات مستمرة بين بلدان المعمورة، لكي تستطيع كل دولة القيام بهذه المشاريع مع الأخذ بعين الاعتبار لأولوياتها الوطنية. ولقد أشار إعلان الجزائر إلى هذه النقطة بوضوح.
بالتأكيد ستقود عملية التحول الطاقوي إلى مستقبل أفضل للحضارة الإنسانية، فالكثير من الأمراض البشرية والحيوانية والنباتية ناجم عن تدهور البيئة وانتشار المُلوِّثات.
هل تُحقّق قمّة الجزائر التوازن المنشود لأسواق الغاز وتكبح التدخلات الخارجية خاصة ما تعلق بمحاولات بعض الدول الغربية تسقيف أسعاره بطريقة أحادية الجانب وغير قانونية؟
 أدان إعلان الجزائر بوضوح القيود الاقتصادية أحادية الجانب التي تفرضها بعض الدول دون الرجوع إلى مجلس الأمن الدولي.
وفي ذلك إشارة واضحة إلى الدول الغربية التي فرضت وتفرض عقوبات اقتصادية على روسيا وإيران، حيث يُؤدي هذا النوع من الإجراءات إلى زعزعة استقرار الاقتصاد العالمي كله وليس فقط اقتصاد الدول التي فُرِضت عليها، كما أنه يخلق أعباء وصعوبات إضافية على الدول المنتجة للطاقة.
الموضوع نفسه اتضح أكثر في التعامل مع روسيا، فلقد أدت القيود الاقتصادية المُطبَّقة عليها إلى اضطرابات مسّت كل بلدان العالم، بما فيها الدول التي أصدرت تلك القيود.
لذلك، لا يجوز بأيّ شكل من الأشكال تطبيق مثل هذه الإجراءات دون الرجوع إلى المؤسسات الدولية المعنية، وخاصة منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي.
كيف سيُؤثر تبادل تكنولوجيات ومعارف الغاز التي تحدث عنها إعلان الجزائر على الدول المُنتجة لاسيما حديثة التجربة منها؟
 تحدث إعلان الجزائر عن التكنولوجيا وتبادل المعارف والخبرات في عدة سياقات؛ فهذا الموضوع سيلعب دوراً حاسماً في المستقبل؛ فدول العالم متفاوتة في مواردها الطاقية وخبراتها الاستثمارية، وسيصبح معهد أبحاث الغاز المكان الذي تتبلور فيه خطط التنمية الشاملة في كل الدول المعنية بالصناعة الغازية.
وعليه، فإن مساعدة الدول الأقل خبرة في هذه الصناعة تصبح ضرورية حتى تتمكن من اللحاق بركب التطور؛ فعملية التحول الطاقوي يجب أن تتم في جميع دول العالم معاً.
فضلاً عن ذلك، جميع التكنولوجيات يتم ابتكارها انطلاقاً من ظروف هذا البلد أو ذاك، ووفقاً لمقاربات خاصة بكل دولة، الأمر الذي يؤدي إلى تنوع في هذه التكنولوجيا. فعلى سبيل المثال، المواد التي يتم استخدامها في الفلترة والترشيح وامتصاص الغازات في روسيا تختلف عن تلك التي يتم استخدامها في إفريقيا. لذلك من الطبيعي أن نجد اختلافاً في تكنولوجيا ترشيح الغازات بين هذه الدولة أو تلك، ومن هنا نفهم أهمية نقل التكنولوجيا وتبادل الخبرات بين كافة البلدان.