طباعة هذه الصفحة

لجنة ولائية لمراقبة أشغال الترقيات العقارية

وهران.. حرب ضدّ فوضى الـعـمران والـتوسّعات الـعـشـوائيـة

وهران: براهمية مسعودة

مخالفة القواعد المتعلــّقة بالتهيئة والتعمير من الجرائم التي يعاقب عليها القانون

جدّد العديد من السكان والنشطاء الجمعويين بولاية وهران، مطالبهم بتكثيف الجهود الجماعية من أجل كبح ظاهرة فوضى العمران والتوسّعات العشوائية، وعلى رأسها البناء في مجال الترقية العقارية، دون أدنى اعتبار للقوانين والأنظمة والتعليمات المعمول بها في الجزائر.
 
أبدى مواطنون في تصريح لـ«الشعب”، استياءهم الشديد ممّا وصفوه بالتشوّه العمراني وحصار العمارات العالية والمباني المرتفعة، والتي تكاثرت في الآونة الأخيرة، نتيجة للطلب المتزايد على السكن، خارج نطاق القوانين التي تحمي المستثمر وحقوق المواطن العامة والخاصة.
واعتبروا أنّ هذا التسارع الكبير في البناء والتقدّم العمراني، زاد من حدّة الاعتداءات والتجاوزات المتعلّقة بالهندسة من حيث الزيادة في الطول على حساب الشوارع والطرقات والمساحات الخضراء وغيرها من الهياكل القاعدية، ومن حيث تلاصق البنايات وعدم ترك الفراغات وإغلاق منافذ حركة الهواء والشمس.
كما أشاروا إلى أنّ هذه الظاهرة التي ما فتئت تتنامى بالأحياء الراقية والمناطق الحضارية، وبالأخص في المجمع الوهراني الكبير، ستدخل السكان في دوامة من الإزدحام المروري والتشتت على الطرق، وكذا ازدياد الضغط على المؤسّسات التربوية، ومختلف الخدمات العمومية، وحتى خدمات الخواص.
وأعرب محدّثونا عن تعجبهم من تشييد بناية أو مجموعة بنايات، ذات الإستعمال السكني أو التجاري، أو الحرفي، دون إرفاقها بحظائر سيارات، تراعي المعطيات الجديدة، سيما وأنّ أغلب الترقيات العقارية، حسبهم دائما، يجري تشييدها بمساحات صغيرة، لا تكفي لإنجاز هياكل أخرى، ذات أهمية بالغة.
وأكثر ما يشدّ انتباهك، وأنت تتجوّل بأزقة وشوارع وهران الكبرى، أنّ المساحات العقارية، المخصّصة للمرقين العقارين، خاصة في مجال إنجاز مشاريع الترقية العقارية الموجّهة للبيع أو الكراء، تتواجد مقراتها بمناطق ذات طابع جمالي، تتوفر فيها كلّ الخدمات والتسهيلات السياحية من حدائق ومنتجعات ومراكز تجارية ومطاعم وغيرها، من منطلق أنّ أيّ مستثمر يبحث عن المشاريع الاستثمارية المربحة بأقلّ جهد وبأقلّ التكاليف.
ومن الملاحظ أيضا، تنامي التوسّعات غير القانونية من قبل مواطنين، استفادوا من قطع للبناء، على مساحات مجاورة، لغرض البناء عليها أو استغلالها كمساحات خضراء وفضاءات للراحة واللّعب وأغراض أخرى خاصة، مثلهم مثل سكان الطوابق السفلى من مختلف البرامج السكنية، ذات الطابع الاجتماعي.
وقد وقف والي وهران، السعيد سعيود، على العديد من التجاوزات على أملاك الدولة، في إطار سلسلة الخرجات الميدانية الاستطلاعية التفقّدية لمختلف البلديات، وهو ما جعل المسؤول التنفيذي الأول يتخذ إجراءات عاجلة لحماية العقار ومكافحة الأبنية غير القانونية، سعيا إلى تعزيز ومراعاة المصلحة العامة، باعتبارها الهدف النهائي الذي يوجّه جميع الإجراءات والتدابير.
وأصدر الوالي بتاريخ 9 أكتوبر 2023، تعليمة صارمة في هذا المجال، وجّهها إلى جميع البلديات لتطبيقها، أعقبتها تعليمة أخرى توضيحية في 6 نوفمبر من نفس السنة، شملت بعض التعديلات وشرح وتوضيح لمجموعة من القواعد والأنظمة التي تحمي المستثمر وحقوق المواطن العامة والخاصة، كما تعود بالفائدة على الجماعات المحلية.
وبالموازاة مع ذلك، أمر الوالي سعيود بتعزيز سلطة “اللجنة الولائية لمراقبة ومتابعة أشغال الترقيات العقارية”، والتي تم استحداثها بصفة الضبطية القضائية في إطار المراقبة الدورية للمرقين العقاريين ومعاينة المخالفات عبر كلّ بلديات الولاية، وذلك بالتنسيق والتعاون مع جميع الهيئات المعنية.
وعلى هذا الأساس، فقد سجّلت شرطة العمران وحماية البيئة، التابعة لأمن ولاية وهران في سنة 2021 ما يعادل 157 إجراء قضائيا في مجال البناء بدون رخصة و19 تدخّلا في مواقع بناء غير مطابقة للرخصة المسلّمة، إلى جانب 8 تدخّلات متعلّقة بأشغال الهدم دون رخصة، ناهيك عن 101 عملية هدم وتنفيذ 3 تسخيرات.
وضمن الحصيلة المسجّلة عام 2022، تم القيام بـ 155 تدخّلا بخصوص إنجاز بنايات بدون رخصة بالموازاة مع الـ16 تدخّلا حول عدم مطابقة أشغال البناء للرخصة المسلّمة، إلى جانب تسجيل 7 تدخّلات خاصا بأشغال الهدم دون رخصة، وكذا 133 عملية هدم توسّعات و4 تسخيرات.
وأحصت نفس المصالح خلال السنة المنصرمة، أكثر من 230 عملية إنجاز بدون رخصة و23 مخالفة مرتبطة بعدم مطابقة البناء لرخصة البناء المسلمة، مع تسجيل 9 قضايا، تتعلّق بالقيام بأشغال هدم دون رخصة، إلى جانب 133 عملية هدم بموجب 22 تسخيرة، وذلك بالتعاون والتنسيق اليومي مع البلديات و14 مندوبية وملحقاتها.

سلسلة نصوص تمنع وتقمع وتعاقب

ويعتبر العمران، المرآة العاكسة للدولة، والتي تبيّن مدى تطوّرها على المستوى الاجتماعي، الثقافي والاقتصادي، ولذلك مرت الجزائر، منذ الاستقلال، بعدّة مراحل، حاولت من خلالها التحكم في قواعد البناء والتوسّع العمراني، إلا أنّها ظلت غير كافية لأسباب موضوعية، أهمها، النمو السكاني السريع، النزوح الريفي والعشرية السوداء، بكونها من أحد أبرز الأسباب التي نتج عنها عدم احترام المجتمع للقوانين، سواء من المرقين العقارين أو الخواص.
ومن الآليات التي وضعتها الدولة الجزائرية للسهر على احترام قوانين البناء والتعمير، القانون رقم02-82، المتعلّق برخصة البناء ورخصة تجزئة الأراضي للبناء، وهو أول قانون جزائري في هذا المجال، جاء بعده القانون رقم 90-25 المؤرخ في 18 نوفمبر 1990، الخاص بالتوجيه العقاري، وثالثهم القانون رقم 90-29 المؤرخ في أول ديسمبر 1990، المتعلّق بالتهيئة والتعمير، ثم عدّل هذا القانون في 2004.
هذه النصوص القانونية، جعلت المواطن ينضبط ويحترم رخصة البناء، لكنّ الدولة بعد وقت، لاحظت بعض أعراض التمرّد على هذه الوثيقة القانونية، مع انتشار البنايات الفوضوية والبنايات غير المكتملة، فسنّ المشرّع الجزائري القانون رقم 08-15 في 20 جويلية 2008، المتعلّق بقواعد مطابقة البنايات وإتمام إنجازها، والذي أعطى فرصة لتسوية وضعية البنايات لتستجيب لهذه القوانين في ظرف خمس سنوات، وبعد انتهاء المهلة المحدّدة، تم تمديد الآجال للمرة الرابعة على التوالي إلى تاريخ 31 ديسمبر 2024.
وفي السنوات الأخيرة، طفت على السطح، مشكلة أخرى، تتعلّق بعدم احترام المرقي العقاري لرخصة البناء وخرقه لأخلاقيات مهنة الترقية العقارية، وخاصة التوسّعات العشوائية دون مراعاة القوانين والتنظيمات المعمول بها، ممّا دفع إلى إصدار المرسوم التنفيذي رقم 22-55، والذي يتضمّن التدابير والإجراءات الضرورية التي يمكن من خلالها التكفّل بتسوية وضعية البنايات المنجزة أو في طور الإنجاز غير المطابقة لتعليمات ومواصفات رخصة البناء المسلّمة.
كما تجدر الإشارة إلى أنّ أحكام المرسوم التنفيذي رقم 22-55، تمكّن الدولة من ضبط هذه البنايات من جهة، مع تسليط عقوبات مالية أو غرامات جزافية، تصبّ في ميزانية البلدية، من جهة أخرى، وذلك بهدف إحداث ديناميكية في تسيير الجماعات المحلية.
ووفقا للقوانين والقواعد المطبّقة على قطاع البناء والتعمير، فإنّ احترام مجموعة المبادئ والمعايير التي توجّه عملية البناء، هو واجب مفروض وحقّ مضمون في التشريع الجزائري، وخاصة عدد الطوابق وإجبارية وجود مسافة فاصلة بين منازل الجيران، واحترام حركة الشمس وعدم عرقلة منافذ التهوية والطريق وغيرها من الضوابط التقنية، المفروضة على المهندس أو التقني، ويترتّب عليها عواقبَ وخيمة في حال خرقها أو الخروج عنها.

ترسانة تشريعية عمرانية قويّة

أكّد الدكتور خالدي أحمد، أستاذ محاضر في تخصّص القانون العقاري بكلية الحقوق لجامعة غليزان، أنّ (الجزائر تتوفر على ترسانة قانونية وتشريعية “صلبة” في مجال التهيئة والتعمير، لكنّ المشكلة تكمن في فرض احترام هذه القوانين، خاصة على المستوى المحلي مع ضرورة نشر الوعي وتعزيز الاهتمام بتنظيم المجال العمراني، وردع كلّ الانتهاكات والاعتداءات والحيلولة دون وقوعها”.
وذكر الدكتور خالدي في تصريح لـ “الشعب” أنّ (القانون، يعتبر مخالفة القواعد المتعلّقة بالتهيئة والتعمير جرائم، رتّب عليها الشارع عقوبات محدّدة)، منوّها في الوقت ذاته بأهمية اضطلاع الإدارة بدورها ومسؤوليتها في معاينة المخالفات وإزالتها، كون أنّ القانون يمنحها هذه الصلاحية، سواء في ارتكاب فعل التشييد بدون رخصة أو البناء المخالف للشروط والمعايير المقررة في الرخصة ومخطّطات التهيئة والتعمير).
وفي ضوء ذلك، نبّه المختص في القانون العقاري إلى الدور الأساسي للبلدية، ممثلة في رئيس المجلس الشعبي البلدي، في عملية إعداد المخطّطات والرخص، ومن حيث مراقبة عمليات البناء والتأكّد من مطابقتها للمعايير والتدخّل لوقف أيّ مخالفات وردعها، بمساعدة المصالح المعنية كمديرية التعمير والبناء وشرطة العمران، وغيرها من الإدارات المعنية، وفق تعبيره.
وأوضح أنّ (ضبط العمران، يتم حسب قانون 90-29، المتعلّق بالتهيئة والتعمير والمراسيم التنفيذية الخاصة بهذا الشأن، عن طريق عدّة آليات، تتصدّرها مخطّطات التهيئة والتعمير، بما فيها المخطّط التوجيهي للتهيئة والتعمير PDAU  أو مخطّط شغل الأراضي POS، وهي أدوات تنظيمية، تحدّد التوجّهات الأساسية للتهيئة العمرانية في إقليم البلديات وتسيير وإدارة المجال العمراني، حيث تضبط القطاعات القابلة للتعمير وغير القابلة للتعمير، وكذا المناطق المخصّصة للنشاطات، سواء الصناعية أو السياحية إلخ، بالإضافة إلى ارتفاقات التعمير والبناء، كارتفاق كثافة البناء وعلوّه، وحتى شكل البنايات الخارجي).
وفي سياق متصل، بخصوص الآليات القانونية للضبط العمراني، كشف الدكتور خالدي أنّ “رخص وشهادات التعمير، كرخصة البناء والهدم والتجزئة وشهادة المطابقة، تمكّن الهيئات المعنية بمجال التهيئة والتعمير من التحكّم ومراقبة عملية التعمير والبناء وتوجيهها، وفق متطلّبات المصلحة العامة، بكونها وسائل إدارية للرقابة على مستوى الإقليم، سواء رقابة قبلية أو بعدية”.
وعاد الأستاذ الدكتور خالدي أحمد، ليؤكّد أنّ “رخصة البناء، من أهم الوسائل القانونية التي تبنّاها المشرّع الجزائري لتنظيم حقّ البناء والتأكّد من ممارسة هذا الحقّ في إطار المعايير والشروط المحدّدة بموجب مخطّطات التهيئة والتعمير، السالفة الذكر”، مبيّنا أنّ “مخطّط شغل الأراضي POS، يحدّد بدقّة مجموعة الإرتفاقات أو القيود الواجب إحترامها، من بينها ارتفاق الكثافة، أيّ ما يمكن بناؤه من مجمل الأرض، بحيث يخصّص مساحة للأرصفة والموافق وغيرها من التجهيزات، أيضا ارتفاق العلو والرؤية، ويقصد به الارتفاع المسموح للبناء مثلا
  2 R+ أو 3”.
واسترسل مبرزا بأنّ “رخصة البناء أو التجزئة، تمنح للمعني، سواء كان مرقي أو شخص عادي، بعد دراسة مشروعه والتأكّد من مطابقة المشروع للقواعد والشروط المقرّرة في مخطّطات التهيئة والتعمير، خاصة مخطّط شغل الأراضي، الذي يحدّد القطاعات القابلة للتعمير وشكل وعلوّ البناء، وحتى شكله الخارجي والأماكن المخصّصة للمرافق العامة والمساحات الخضراء وغيرها من التجهيزات الضرورية)، لافتا إلى أنّ (المرقي العقاري، وفق القانون 11- 04، المتعلّق بالترقية العقارية، ملزوم باحترام قواعد التهيئة والتعمير، كواجب وطني ومسؤولية أخلاقية، تقع على عاتق الجميع”.