طباعة هذه الصفحة

الصيد البحري وتربية المائيات

أولويات تنموية جديدة..في انتظار آلية ضبط أسعار المنتجات البحرية

تفاعل قطاع الصيد البحري والموارد الصيدية سنة 2014، مع التحولات الداخلية والإقليمية المرتبطة بالمجال البحري، حيث عمل المسؤول الأول على القطاع منذ بداية العام على إعادة تكييف القوانين المسيرة للقطاع بما يتماشى والرهانات والتحديات المطروحة، فتم صياغة نص قانون جديد للصيد البحري وتربية المائيات، يتواجد حاليا بالغرفة السفلى للبرلمان من أجل المصادقة عليه، حدّدت فيه الوزارة أولويات جديدة في البرامج التنموية، كما أدخلت مفاهيم جديدة لتسهيل ممارسة بعض النشاطات على غرار الصيد التقليدي، واستغلال المرجان بعد رفع الحظر عن هذا النشاط بقرار من الوزير الأول، واستحدث فروع تكوين جديدة على غرار الغطس المهني، فاتحة بذلك المجال للشباب الهاوي لاكتساب شهادة خبرة تؤهله لممارسة صيد “الذهب الأحمر” بطريقة قانونية.


قانون صيد جديد ومخطط تنموي يمتد إلى آفاق 2020
فتح، وزير الصيد والموارد الصيدية، سيد أحمد فروخي، سنة 2014، بابا للمشاورات مع المختصين وأهل المهنة، والخبراء الوطنيين والأجانب، توّجت بإعداد إستراتيجية وطنية لتنمية شعب الصيد البحري وتربية المائيات “برنامج النمو الأزرق أكواباش 2020”، يشرع في تنفيذها في المخطط الخماسي للفترة الممتدة من 2015 إلى 2019، وهي الإستراتيجية التي شارك في صياغتها خبراء ومختصون بالإضافة إلى المهنيين، حيث تم تنظيم منذ شهر ماي إلى غاية نوفمبر من نفس السنة أزيد من 150 لقاء على المستوى المحلي و ثلاث ورشات جهوية، عرفت تدخل أكثر من 4600 مشارك من مختلف الجهات الفاعلة في تنمية القطاع.
و حددت الوزارة الوصية في هذه الاستراتيجية جملة من الأهداف والأولويات تسعى إلى تحقيقها آفاق 2020، من بينها مرافقة إنجاز 5 آلاف مشروع استثماري خاص، يشمل تأهيل وعصرنة 2500 سفينة صيد، و1000 مشروع لدعم الإنتاج ووسائله، من خلال التكفل بفوائد القروض سواء في إطار أجهزة الدعم والتمويل المختلفة، أو في إطار الصندوق الوطني لتنمية الصيد البحري وتربية المائيات، وكذا إنجاز 350 مشروع في مجال تربية المائيات، مع الأخذ بعين الاعتبار المحافظة على مناصب الشغل التي يوفّرها القطاع والمقدرة بـ 70 ألف منصب، واستحداث 30 ألف منصب جديد، و مضاعفة الإنتاج إلى 200 ألف طن سنويا.
بالموازاة مع ذلك، استكملت وزارة الصيد خلال نفس السنة، إعداد مشروع قانون جديد للصيد البحري -يعدل ويتمم القانون 01-11 المؤرخ في 3 جويلية 2001- يتواجد حاليا على مكتب الغرفة السفلى للبرلمان للمصادقة عليه، ضمّنته جملة من التعديلات تتعلق بإعطاء مفاهيم و تعاريف جديدة فيما يخص الصيد البحري المسؤول وشواطئ الرسو والمرجان المصنع  وتحديد ركائز استغلال الموارد الصيدية عن طريق إشراك مهنيي القطاع في عملية صياغة السياسات المرتبطة بالصيد البحري وتربية المائيات.
وتضمن القانون أيضا وضع آليات قانونية جديدة لتكريس العمليات المنفذة في الميدان، عن طريق تهيئة مناطق نشاطات تربية المائيات وتسييرها ومراقبة سفن الصيد عن بعد وتثمين المصائد الخاصة، بالإضافة إلى أحكام جديدة لتعزيز وتشديد العقوبات على المخالفين هدفها الحفاظ على الثروة.
ميثاق الانضمام الطوعي لتجسيد الأهداف التنموية
توّج اللقاء الوطني لعرض مخطط التنمية الصيد البحري وتربية المائيات، المنعقد يوم 4 ديسمبر 2014 بالعاصمة، بالتوقيع على ميثاق الانضمام  الطوعي من أجل تنمية مسؤولة ومستدامة للصيد البحري وتربية المائيات، وقّعه عن جانب الصيادين رئيس الغرفة الوطنية للصيد البحري وتربية المائيات، وعن جانب الوصاية الأمين العام لوزارة الصيد، وتترجم هذه الوثيقة وعي والتزامات الصيادين ومربي الأسماك والغواصين وغيرهم من المستعملين في المشاركة والتعاون من أجل تنمية تحافظ على الموارد والأنظمة البيئية الصيدية.
ويعد الميثاق بمثابة لبنة جديدة لبناء صيد مسؤول بالتعاون المهنيين، يهدف إلى المساهمة في بلوغ الأهداف في مجالات الإنتاج، وإنشاء مناصب شغل و المحافظة عليها، الالتزام بتنمية فروع تربية المائيات البحرية وفي المياه العذبة، العمل على تحسين الشفافية من خلال المعطيات المتعلقة بالكميات المصطادة، و الإنزال، ووسائل ...الصيد البحري، تحسين الظروف الصحية و ظروف العمل، وتحسين تدخل الجمعيات المهنية.
تأجيل رفع الحظر عن صيد المرجان بسبب التشريع
بالرغم من الإعلان في وقت سابق بأن رفع الحظر عن صيد المرجان سيكون سنة 2014، إلا أن القرار لم ينفذ ليس لأن الوصاية تراجعت عن هذا القرار “الجريء” الذي أثلج صدور المهنيين، خاصة وأنه جاء في ظرف يحتم على الجزائر تشجيع الاستثمار في مجالات أخرى غير قطاع المحروقات لضمان مداخيل جديدة من العملة الصعبة للخزينة العمومية، وبالتالي إنعاش الاقتصاد الوطني، بل لأن إجراءات الدراسة و المصادقة على نص مشروع قانون الصيد الجديد أخذت وقتا طويلا وهذه طبيعة العمل التشريعي، غير أن ذلك لم يمنع الوزارة الوصية من إعداد المناشير والمراسيم التنفيذية الخاصة بتسيير شعبة صيد المرجان، وفق نظام قانوني يمنع استغلالها بطريقة غير شرعية، حيث شدّدت في قانون الصيد الجديد العقوبات على الصيد غير المشروع للمرجان، تصل إلى مصادرة سفن وآلات الصيد المستعملة وسحب دفتر الملاحة البحرية والشطب من سجل رجال البحر.
استحداث تكوين في الغطس المهني
وبغرض تحسين عملية تأطير الصيد وتنظيم ومتابعة نشاطات صيد المرجان، استحدثت وزارة الصيد سنة 2014، تكوينا جديدا أطلقت عليه اسم الغوص المهني، يسمح للغطاسين بما فيهم الهواة أو الرياضيين باكتساب شهادة مهنية لغرض استغلال الموارد البيولوجية البحرية.
وحدّد القرار الوزاري المشترك المؤرخ في 30 سبتمبر  2014، شروط الالتحاق بالتكوين في الغوص لممارسة الغوص المحترف لغرض استغلال الموارد البيولوجية البحرية، وشروط التكوين وبرامج الدراسات وكذا كيفيات سير الامتحانات ومنح الشهادة.
و يفتح التكوين لكل من بلغ سن 18 سنة فأكثر، على أن يكون لديه مستوى تعليمي سنة ثالثة من التعليم المتوسط على الأقل.
في حين يلزم المترشح لمستوى من التكوين في الغوص المحترف للمستويين الثاني والثالث، أن يكون قد تحصل على شهادة التكوين الخاص بالمستوى السابق، ويمكن للحاصل على شهادة وطنية في الغوص الرياضي من الدرجة الثالثة، أن يترشح مباشرة للتكوين في الغوص المحترف من المستوى الثاني، كما يمكن للحاصل على شهادة وطنية كمدرب في الغوص الرياضي من الدرجة الأولى أن يترشح مباشرة للتكوين في الغوص المحترف من المستوى الثالث.
ويتضمن برنامج التكوين دروسا نظرية وتطبيقية في الغوص المحترف وتربص في التأهيل لمدة تتراوح بين شهرين ونصف و3 أشهر حسب المستوى. وتمنح في نهاية التكوين النظري والتطبيقي شهادة التأهيل المحترف، تسمح للمتكون باستغلال الموارد البيولوجية البحرية.
وقد أعطى، وزير القطاع، سيد أحمد فروخي، إشارة إنطلاق أول دفعة للتكوين في هذا المجال بمدرسة الصيد وتربية المائيات بالقل بولاية الطارف، كما تقرّر فتح ورشات تكوين أخرى بمدرستي الشلف ووهران، في انتظار تعميمها على باقي الولايات الساحلية الأخرى.
إطلاق جميع المشاريع و إلغاء فوائد القروض ينعش الاستثمار
حقّق قطاع الصيد وتربية المائيات عدة مكاسب سنة 2014، فقد استطاع القائمون عليه إطلاق جميع المشاريع الاستثمارية للبرنامج الخماسي 2010-2014 المتأخرة، والمقدرة ب 84 مشروعا استثماريا عموميا مركزيا وغير مركزي، وهذا رغم الصعوبات والإجراءات المتعلقة بمنح الصفقات.
و سمح نظام مرافقة الاستثمار المنتج سنة 2014، بتحديد جميع احتياجات الاستثمار في الجزائر، وقد تم توزيعها على مختلف الأجهزة الموجودة مثل المشاريع المصغرة على مستوى الوكالة الوطنية لتسيير القرض المصغر، المشاريع الصغيرة والمتوسطة على مستوى وكالة “أنساج” و “لكناك”، والمشاريع الكبرى أدخلت في إطار الوكالة الوطنية لدعم الاستثمار، كما تم تحديد مدونة النشاطات القابلة للدعم غير المباشر في إطار الصندوق الوطني لتنمية الصيد البحري وتربية المائيات، وشملت الأنشطة المقترحة كل ما يتعلق بشعبة الصيد البحري، حيث تم تحديد أكثر من 1000 مشروع يتعلق بصناعة وسائل الصيد وتجهيزاته، صناعة السفن، التحويل والتكييف للمنتجات الصيدية، الشباك، كما تشمل عصرنة وتأهيل الأسطول البحري، مع الطموح لعصرنة وتأهيل أكثر من 2500 سفينة صيد.
وبالنسبة لتربية المائيات، تم تحضير كل الشروط الضرورية لانطلاق برنامج مرافقة أكثر من 350 مشروع، من خلال نظام متكامل يشمل إجراء تحديد المناطق الخاصة بنشاطات تربية المائيات، والتكوين الملائم لهذه الشعبة، ومرافقة والدعم التقني من خلال المركز الوطني للبحث والتنمية في الصيد البحري وتربية المائيات، وتأمين المشاريع من خلال الاتفاق مع الشركة الجزائرية للتأمين، ومنح قروض تتراوح بين 20 و 200 مليون دينار لإنجاز المشاريع، أو اقتناء صغار السمك، أو المدخلات، كما تم تسهيل الإجراءات من خلال مناشير أرسلت إلى الولاة ومدراء الصيد البحري من أجل تسهيل الحصول على الامتياز والمرافقة التقنية لصاحب المشروع.
ومن نتائج الاتفاقيات المبرمة مع وكالة تسيير القرض المصغر “أنجام”، تم توزيع 550 دراجة نارية مجهزة بمقطورة مكيفة على مستوى أكثر من 25 ولاية، لبيع السمك، كما يوجد 500 مشروع آخر في طور الإنجاز على مستوى آليات الدعم الأخرى “أنساج” و«لكناك”. وتدخل هذه الإجراءات في إطار القضاء على التجارة الفوضوية لبيع المنتجات البحرية وضمان وصولها للمستهلك في ظروف صحية جيدة.
استرجاع حصة التونة الحمراء..نجاح آخر للجزائر
تمكّنت الجزائر من مضاعفة حصتها في صيد سمك التونة الحمراء، خلال اجتماع الدورة الاستثنائية الـ19 للجنة الدولية للحفاظ على سمك التونة الأحمر المنعقد في إيطاليا يوم 17 نوفمبر 2014، حيث وافقت هذه الأخيرة على مضاعفة حصة الجزائر تدريجيا لتصل إلى 370 طن في 2015، و460 طن في 2016 و543 طن في 2017، بعدما كانت لا تتجاوز 243 طن خلال 2014.
وتكون بذلك اللجنة الدولية للحفاظ على سمك التونة الأحمر، قد اعترفت بخطئها في حق الجزائر المرتكب قبل سنة 2010، حيث خفضت حصتها من صيد التونة الحمراء من 680 طن سنويا إلى ما يقل عن 250 طنا.
و تمكّنت الجزائر من اصطياد كامل حصتها خلال 2014 بفضل البواخر الثمانية المختصة في صيد سمك التونة التي امتلكتها مؤخرا، و هو ما مكّنها من مضاعفة حصتها بعدما كانت خاضعة لمبدأ اللجنة الدولية المنظمة لصيد سمك التونة القاضي بتخفيض حصة أي بلد لا يملك الإمكانيات لصيد حصته الكاملة.
وتعمل مصالح الوزارة حاليا على وضع برنامج تكويني لفائدة مجهزي السفن المتخصصة في اصطياد سمك التونة الحمراء، لإنجاح الحملة المقبلة.
ويمثل بيع سمك التونة الحمراء موردا للعملة الصعبة، حيث قدّر دخل الجزائر السنوي من بيع هذه الثروة بـ 2 مليون أورو، ناهيك عن الإتاوات التي يدفعها المتعاملون.
أسعار السردين ...اللغز المحير
بقيت مؤشرات أسعار السردين أو “غذاء الفقراء” كما يصطلح على تسميته مرتفعة طول أيام السنة، تاركة ألف علامة استفهام حول الأسباب التي تقف وراء ذلك، في ظل حديث الوصاية عن توفير كل الظروف الملائمة لتسهيل ممارسة نشاط الصيد، وارتفاع حظيرة السفن إلى أكثر من 4 آلاف سفينة، ووصل سعر الكليوغرام الواحد من السردين الأزرق إلى 500 دينار جزائري وتجاوزه في بعض المناطق، في حين بيع في موسمه بـ 200 دينار و 150 دينار كأدنى سعر، و إذا كان الصياد يبرأ نفسه من تهمة رفع السعر بحجة أن الوكيل أو تاجر التجزئة على مستوى المسمكات من يقوم بوضع السعر النهائي للمنتوج، فإن المسؤولين بوزارة الصيد يرجعون الأمر في كل مرة إلى قانون العرض والطلب، ولو أن الصياد يقف وراء التهاب سعر هذا المنتوج البحري الذي كان في وقت مضى يخلف اللحم بنوعيه على طاولة العائلات الفقيرة والميسورة الحال، كونه لا زال لحد كتابة هذه الأسطر يحدد سعر السمك من “الفم إلى الأذن” وهي طريقة توارثها أبا عن جد، حيث يخبر الصياد بعد أن يعرض منتوجه بالميناء الوكيل أو تاجر الجملة عن السعر في أذن هذا الأخير دون أن يعلم به أحد، فإذا رضي بالسعر تمت عملية البيع، ليقوم هذا الأخير بتسويقه على مستوى أسواق التجزئة بأسعار أخرى بعد أن يحدد هو الآخر هامشا للربح يصل أحيانا إلى ضعف المبلغ الذي اشترى به، وهو ما يطرح ألف سؤال عن صمت الوصاية وحتى المصالح المسؤولة عن تنظيم الأسواق والتجارة إزاء مثل هذه الممارسات، ولما لا تفكر في وضع آليات لضبط أسعار المنتجات البحرية، و تنظيم عملية التسويق التي اتسعت لتشمل أطرافا أخرى على غرار أصحاب غرف التبريد الذين تناموا كالفطريات وأصبح لهم دورا في رفع أسعار المنتجات البحرية، حيث يعمدون إلى نقلها من مسمكة إلى أخرى وأحيانا تعود إلى الميناء الذي خرجت منه بأسعار مضاعفة.