طباعة هذه الصفحة

بـين زيارة الأقارب ومواصلـة تزيّن المائدة بألذّ الأطباق

هذا هو برنامـج العائـلات الأوراسيـة خـلال الشّهـر الفضيــل

حمزة لموشي

 تستمر العائلات بولاية باتنة على غرار كل عائلات الوطن، في الحفاظ على بعض العادات والتقاليد الخاصة بالشهر الفضيل، رغم التطور الكبير الذي يميز نمط حياة السكان بفعل التكنولوجيا ووسائط التواصل الاجتماعي، خاصة ما تعلق بتغيير عاداتهم الغذائية والاجتماعية في رمضان، والتي من بينها قيم التكافل الاجتماعي ومائدة رمضان وغيرها، خاصة بالمناطق النائية والقرى البعيدة التي لا تزال تحتفظ بالكثير من بريق هذه العادات.

لرمضان بمنطقة الأوراس نكهة خاصة تسبقه تحضيرات كبيرة جدا، حيث تجتمع العائلة للسحور وتعد مائدة خفيفة مقارنة بمائدة الإفطار، كون ذلك أول سحور يستعمل فيه الحليب والمسفوف، وهو طبق من الكسكسي الرقيق يستعمل فيه فاكهة الزبيب، ليكثر الصائمون من شرب الماء كون رمضان هذه السنوات يتزامن وفصل الصيف الحار، تجنبا للعطش خاصة الذين ينتظرهم يوم شاق سواء في الفلاحة آو العمل أو غير ذلك.
وبخصوص الأيام الأولى لرمضان تكون مميزة لدى سكان الأوراس كون العديد من التغيرات تطرأ على حياتهم اليومية مثل تغير مواعيد العمل وحركة السوق، حيت يكثر الازدحام على محلات الخضروات والحلويات واللحوم والمشروبات التي تشهد هذه السنة استقرار كبيرا في الأسعار ووفرة في المنتجات.
أما في المنزل فتكون ربة البيت منهمكة بالتحضير لـ “الفطور” يوميا، حيث تعد أشهى الأطباق وألذّها، وما لوحظ في السنوات الأخيرة تهافت العائلات الأوراسية على إقتناء توابل مدينة بسكرة لما توفره من نوعية وتضفي للأطعمة ذوقا خاصا، في تلك الأثناء يتجه الآباء إلى المسجد لأداء صلاة المغرب رفقة الأطفال بعد أن تزوّدهم الأم ببعض التمرات والحليب لكسر الصيام قبل العودة للمنزل لتناول “الفطور” وسط العائلة، هي لحظات ثمينة لا تفرط فيها أبدا عائلات الأوراس كونها تجمع كل أفراد الأسرة وسط حميمية لا تتكرّر سوى في الشهر الفضيل.
وبعد الانتهاء من وجبة الإفطار يذهب الرجال للمسجد لأداء صلاة التراويح وهناك من يبقى في بيته لتلاوة القران والعمل على ختمه اكتر من مرة ويتنافسون في ذلك، وهناك من يخرج للسهر مع أصدقائه، وكانت اغلب السهرات في الماضي يتم فيها احتساء الشاي وبعض الحلويات، مع تلاوة القصص التاريخية والمواعظ والإرشادات الدينية والعبادات، والقليل النادر التي يتم فيها لعب الدومينو.
كما تحتفي كل سنة العائلات الأوراسية بمناسبة هامة وهي صيام أحد أبنائها لأول مرة، حيث تجد في ذلك فرصة ثمينة لجعل الصائم الصغير ملكا متوجا، تعمل الأسر على تهيئة الأطفال على صيام رمضان والتعود عليه، إذ يتم خلال أول يوم من صيام الأطفال، شرح معنى الصيام للأطفال وقدسيته لتختار له منتصف رمضان أو ليلة 27 منه لصيام رمضان كاملا بعد أن يكون قد تعود على صيام نصف يوم خلال الأيام الأولى من شهر رمضان.
ولا تختلف طرق الاحتفال بصيام الطفل لأول مرة في منطقة أخرى فحسب، بل من عائلة إلى أخرى، إذ هناك بعض العائلات تشجع صغارها على الصوم، ولو لنصف يوم دون إرغامهم على صيام اليوم كله، كخطوة أولى لاكتشاف ماهية الصيام والتعود عليه، وهناك من العائلات من تحرص على تصويم صغيرها يوما واحدا، ثم تفطره اليوم الثاني ليتمكّن من صيام اليوم الموالي.
في المقابل، تجتمع العائلات على دعوة الأهل والأقارب لتقاسم مائدة الإفطار مع الصغير الصائم لأول مرة، وتحافظ هذه العائلات على تقاليد قديمة، تحرص على توريثها للأجيال، ولعل ما ظل راسخا ولم تنل منه التطورات هو الإقبال على بيوت الله والتي تعج بالمصلين الذين يؤدون صلاة التراويح عبر كل البلديات والدوائر، حيث يخرج الأوراسيون رفقة عائلاتهم إلى المساجد أفواجا لأداء صلاة التراويح، وبعدها تخصيص بعض الوقت لزيارة الأقارب أو التنزه مع الأطفال بالعديد من الحدائق العمومية التي تشكل وجهة العائلات للسهر، خاصة في العشر الاواخر بمناسبة اقتناء كسوة العيد.