طباعة هذه الصفحة

اتفاق إدارة المياه الجوفية المشتركة يصنع الحدث..

تجسيـد صريح للتوافق وحسن الجوار

محمد فرقاني

ما يزال الاتفاق الثلاثي بين الجزائر وتونس وليبيا لإدارة المياه الجوفية المشتركة بالمناطق الحدودية بينها يصنع الحدث، حيث أجمع الخبراء والمتابعون للشأن الإقليمي أن الاتفاقية تأتي في وقت تشهد المنطقة جفافا بفعل التغيرات المناخية، ويشهد العالم توترات ونزاعات حول مصادر المياه التي تعتبر القاعدة الأساسية للأمن الغذائي والاستقرار في المجتمع.

أوضح الباحث في تقييم السياسات العمومية في مجالات الأمن الغذائي والاقتصاد البحري الأستاذ رشيد عنان، أن الاتفاقية الثلاثية بين الجزائر وليبيا وتونس، بخصوص الموارد المائية وانعكاساتها على الأمنين المائي والغذائي في المنطقة، تدخل في إطار الديناميكية الثلاثية الجديدة التي بادرت بها كل من الجزائر وليبيا وتونس.
وذكر محدثنا بأن إمضاء اتفاقية على المستوى الوزاري للقطاعات المعنية بالفلاحة والصيد البحري والموارد المائية للدول الثلاث يوم 24 أفريل، تضع الإطار التشاوري وآليات التنسيق المشترك بخصوص تسيير واستدامة استغلال المياه الجوفية دون المساس بسيادة أي دولة، أمام اختبار حقيقي وتحدّ ستتجاوزه الدول الثلاث بفضل اتحادها.
وأضاف عنان أنه من المعروف أن الأمنين المائي والغذائي هما ركائز أساسية للأمن القومي، وتعتبر من أبرز التحديات التي تواجه العالم بأسره خلال العشرية القادمة، مشيرا إلى أن هذه الاتفاقية تأتي في سياق التحديات المشتركة للبلدان الثلاث، لاسيما في منطقة الصحراء الشمالية أو ما نسميه بالجنوب الشرقي للجزائر.
من جهة أخرى، أشار عنان إلى وجود مياه جوفية مشتركة بين البلدان المعنية بالاتفاقية على غرار المياه الجوفية البيانية التي تتربع على مساحة مشتركة للدول الثلاث حيث يقع 70% منها بالتراب الجزائري، إضافة إلى إمكانية التنسيق لتطوير أو إعادة إحياء أو التسيير المشترك لبعض الأنهار والأودية التي تتقاسم هذه الدول منابعها ومصباتها على غرار وادي مجردة الذي ينبع في منطقة سوق اهراس ويصب في بحيرة تونس.
ويرى الخبير في مجالات الأمن الغذائي أن التنسيق والتعاون والتشاور للاستغلال العقلاني لهذه الثروات الاستراتيجية (ثروة المياه)، من شأنه ضمان استدامة الأمن المائي للمنطقة مما يحقق أهداف التنمية المستدامة وعلى رأسها الأمن الغذائي.
وفي هذا الصدد، ذكّر محدثنا بالتجربة النوعية التي تشهدها الجزائر في المجال الزراعي والتي تزداد نضجا وإنتاجية كل عام، وقال عنان: “عرفت صحراؤنا الشرقية خلال السنوات الأخيرة طفرة نوعية في تطوير الزراعة والإنتاج الفلاحي، وأصبحت تساهم بنسبة كبيرة في سلة غذاء الجزائريين، وحتى بالنسبة للدول المجاورة الشقيقة، نظرا لطبيعة العلاقات الأخوية والترابط الاجتماعي والاقتصادي التاريخي، وهذا بفضل الاستغلال الأمثل لثروات المنطقة من مياه وتربة صالحة للزراعة”.
وأضاف عنان أن هذه المبادرة تأتي في ضوء الاهتمام العالمي بالمياه الجوفية التي أصبحت تعتبر مستقبل الأمن الغذائي في ظل التغيرات المناخية وتأثيرها على تناقص المردود الزراعي، وذكر بالتقرير الصادر عن البنك الدولي السنة الماضية بعنوان “المياه الجوفية.. الثروة المخفية للأمم”، حيث يشير الى أهمية استغلال هذه الموارد ويحدد عوامل استدامتها.
وفي السياق، يرى عنان أن حسن استغلال المياه الجوفية والأودية وتطويرها من شأنه توفير بيئة ملائمة لترقية المناطق الرعوية والإنتاج الحيواني، وإنشاء وسط حياة ملائم اقتصاديا في هذه المناطق الحدودية، مما يعزز الأمن بالمنطقة، كما أن مراعاة الشروط البيئية والحفاظ على نوعية المخزون الجوفي خلال الاستغلال، يعزز استدامة هذه الموارد.
وعلى صعيد آخر، قال عنان: “في إطار هذا الفضاء التشاوري، ستتمكن الدول الثلاث من إطلاق استثمارات مشتركة تسمح بتحقيق المنفعة المشتركة من جهة، وترشيد النفقات الاستثمارية وتخفيض تكلفة الاستغلال من جهة أخرى، وعلى سبيل المثال، فإن تطوير الطاقات المتجددة والنظيفة بالمنطقة المشتركة كالطاقة الشمسية أو الهيدروجين، من شأنه تخفيض تكاليف الاستغلال”، وأضاف أن سياسة تحقيق الأمن الغذائي لا تقتصر فقط على محور الإنتاج الزراعي، وإنما تشمل كل السياسات العمومية في المجالات والأنشطة التي تدخل في سلاسل قيمة الإنتاج الغذائي، ولعل من أهم هذه المحاور هو تكثيف الإنتاج وزيادة المردودية حيث أن توسيع المساحات المسقية وضمان مصادر ري مستدامة، يعد من ضمن أهم عناصر تحقيق الامن الغذائي.
وختم محدثنا بالقول إن هذه المبادرة خطوة جد إيجابية وفريدة من نوعها، تعبر عن انخراط هذه الدول في التوافق وحسن الجوار، في الوقت الذي يعرف العالم عدة بؤر توتر ونزاع بسبب المياه، وقد تكون نموذجا يقتدى به في المناطق التي تعرف شحا لمصادر المياه ونزاعات بسبب ذلك.