طباعة هذه الصفحة

“الشعب” ترصد التجارة الفوضوية بعنابة

أســواق متحـركـة وتجار يغــزون الشـوارع دون رقيـب

العيفة سمير

يستثمر الباعة المتجولون على مستوى أحياء مدينة عنابة في الأعياد والمناسبات الدينية، من أجل استغلال الأرصفة والحارات الضيقة لعرض سلعهم، حيث يقابل هذا التصرف بنوع من التساهل خاصة في المناسبات الدينية العابرة، على أمل أن تعود الأمور إلى مجاريها بعد مرور هذه المناسبات الظرفية، لكن الواقع أثبت نقيض ذلك.

من جهة أخرى، يرى الباعة المتجولون هذا التساهل ضوء أخضر، منح لهم لمباشرة عرض سلعهم أمام المحلات وعلى الأرصفة ووسط الطرقات، الأمر الذي أعاق حركة السير للراجلين وللعربات والسيارات، ورفع العديد من التجار نداء الاستغاثة لمصالح التجارة وكذا المصالح الأمنية بوسط المدينة جراء هذه المظاهر غير الحضارية، فالسلع تباع دون رقابة ودون احترام أدنى شروط النظافة خاصة إذا تعلق الأمر بالمواد الأكثر استهلاكا.
سياسة غض الطرف التي تعامل بها هذه الفئة من تجار المناسبات لم تعد تجدي نفعا، خاصة مع تعطل الصالح العام، أمام مرأى ومسمع المواطن الذي غالبا ما يشتكي من هؤلاء الباعة الذين لا يهمهم سوى تحصيل أكبر عائد مالي من مبيعاتهم حتى ولو اقتضى الأمر تعطيل حركة السير.
كانت لنا وقفة في شارع مسجد الرحمن الذي يتوقف عنده عدد لا متناهي من العربات المثقلة بأنواع الخضر والفواكه، سوق متحرك أو كما قال أحد المواطنين الذي التقينا به أمام هذه العربات، حيث أكد لنا أن أهم أماكن عرض هذه العربات أبواب المساجد، حتى يستثمر هؤلاء الباعة في جموع المصلين أثناء خروجهم من الصلاة، سألناه عن البعد التجاري لهذه الفئة فقال لنا بصريح العبارة هي فئة انتهازية لا يردعها أي قانون، تبحث عن الربح على حساب المواطن والدولة، يتعاملون دون أخلاق تجارية، ترى السلع المعروضة تعجبك لكن بمجرد أن تبتاع من عندهم يزن لك أنواع رديئة، ناهيك عن تطفيف الميزان، فغالبا لا تصل السلع إلى الوزن المطلوب.
سألنا امرأة عجوز وجدناها تبتاع البطاطا من إحدى الطاولات، أجابتنا أن القرب أهم شيء بات ينشده المواطن، لم تعد تعنينا الأسعار فهي ملتهبة في كل مكان، فأنا امرأة عجوز أفضل أن اشتري من اقرب مكان لإقامتي لأنني لم اعد أقوى على حمل السلع لمسافات طويلة.
سألنا أحد أصحاب هذه الطاولات عن ظروف امتهان تجارتهم، فأجاب أنه يعاني الأمرين، “هي نوع من المغامرة غير المحمودة العواقب غالبا ما نتعرض للحجز”، يضيف “إنني امتهن هذه التجارة بدافع الحاجة الملحة لأنني بطال ولي ثلاثة أطفال أعيلهم، هذه مصدر رزقي مستحيل أن أتخلى عن هذا النشاط مهما كلفني ذلك”.
سألناه إن كانت هذه الفئة في نفس المستوى، فأكد لنا أن فيها من الانتهازيين والمتقاعدين الذين يبحثون على الثراء، وهؤلاء من ترك السمعة غير اللائقة بالباعة المتجولين، فهو يبحث على مضاعفة مداخيله المادية ولو بالمعاملات غير الشرعية والتحايل، “لكن فينا من الطبقة الفقيرة الذي يمتهن هذه التجارة لضمان العيش الكريم لأبنائه”.
الفضاءات التجارية لم تقض على تجارة الطاولات
لم تقض الفضاءات التجارية المنجزة حديثا في العديد من نقاط البيع على ظاهرة البيع الفوضوي، ففي هذه الأيام عاد نشاط السوق الفوضوي مجددا بحي 11 ديسمبر 1960 رغم أن السلطات المحلية وفرت قبل حوالي السنة سوقا جواريا بجوار السوق الفوضوي، وذلك بهدف القضاء على المظاهر السلبية التي تسبب فيها هذا الأخير على غرار انتشار الأوساخ وخرق الطريق المحاذي لسكنات «عدل»، حيث عادت طاولات الباعة الفوضويين لتنتشر من جديد و تتكاثر كالفطريات وهو ما أثار استياء المواطنين.
الغريب في الأمر هو هجر الباعة المستفيدين خانات في السوق الجواري وفضلوا العودة لاحتلال الأرصفة والطرقات في حركة غير مفهومة، خصوصا وأن السوق الجواري يتوفر على جميع الأشياء التي تضمن النظافة وترضي البائع والزبون، ولكن ربما يعود سبب هجر الخانات إلى استمرار الباعة غير المستفيدين من خانات في مزاولة نشاطهم.
ويفرض هذا الوضع على السلطات المحلية ضرورة التدخل العاجل من أجل إعادة فرض القانون في الحي، لأن الشارع الذي يحتله الباعة الفوضويون يعتبر حيويا حيث يربط بين شارع بوزراد حسين وحي وادي الذهب، كما أن قرب تسليم السوق الفوضوي الجديد بـسوق الليل سيساعد السلطات المحلية على القضاء على مشكل الأسواق الفوضوية بحيي جبانة ليهود وسوق 11 ديسمبر 1960 الذي بات يتخبط وسط فوضى عارمة ضاعفتها المناسبات التي يمتهن فيها التجار ترويج السلع، مثلما هو الحال في المولد النبوي الشريف حيث راجت تجارة الشموع ومختلف أنواع المفرقعات، الأمر الذي لاقى نوعا من التساهل من طرف جهات مراقبة التجارة الفوضوية بحكم أن هذه المناسبات ظرفية وبالتالي ما تنفك أن تزول معها هذه المظاهر التجارية الفوضوية، لكن الواقع أثبت عكس ذلك فقد شكل تجار الطاولات المنافس الحقيقي للباعة أصحاب المحلات، الأمر الذي دفع بهؤلاء الباعة إلى تطليق خاناتهم التجارية والعودة إلى تجارة الطاولات المتنقلة، الظاهرة التي باتت تشكل خطرا كبيرا على استقرار الفضاءات التجارية لمدينة عنابة أكثر من أي وقت مضى، وتهدد كل الجهود التي تم بذلها لتنظيم الأسواق والفضاءات التجارية على مستوى العديد من الأحياء الشعبية خاصة، حيث يكثر هذا النوع من النشاط التجاري غير المرخص.