طباعة هذه الصفحة

مآل القصة القصيرة

 “ماشهو” هي كلمة أمازيغية قديمة تعتبر عتبة ضرورية للولوج إلى عالم الحكايات والأساطير الساحرة التي نسمعها في ليالي الشتاء، و ليالي الفرح أيضا، دائما ننتظر تلك اللحظة التي تتربع الحكاءة على الكنبة أو البطانية لتسرد حكايتها التي تأخذنا إلى عالم سريالي مدهش مليء بالتفاصيل والهوامش والشخصيات الخيرة والشريرة.

 هكذا هم البشر منذ بدء الخليقة تستهويهم القصص والحكايات والسرد. منذ وعيهم الأول بهذا الفن الجميل “الحكايات” ولم يتوقفوا عن سردها يوما، في الحرب وفي السلم،  في كل مكان تكون الحكاية سيدة المكان. لا قيمة للعالم بلا سرد جميل وساحر ومؤثر، لا قيمة للحياة بدون قصص  وأسرار ونهايات وتفاصيل لفهم ما يحيط بنا من جماعات وألغاز و غموض آسر وأسئلة، أحيانا لا إجابات نهائية لكننا نظل نبحث في ثنايا النص - الحكاية عن الخبايا، إذن منذ قصة “خار كليا” اليونانية وقصص الد كاميرون لم تتوقف فتنة السر، إلى قصة المعطف للكاتب جوجل الروسي الشهيرة ثم مئات القصص التي كتبها انطون اتشيخوف (1860 - 1904) و غي دي موباسان (1850 - 1893)، ثم الساحر هرمان هسة الذي أبدع في قصص قصيرة. من لم  يقرأ مجموعته “أحلام الناي” والذي كتب في أواخر عمره رسالة يودع الكتابة كأنه يقول لقارئه ابحث عن كاتبك الآخر لإيمانه العميق بجدوى الكتابة وسحرها.
 ثم الكاتب الكبير الايطالي البيرتو مورافيا الذي كتب العديد من القصص الجميلة:
الحالمة، امرأة مشهورة، جمع المفرد وغيرها من روائعه التي أسعدتنا كثيرا، وفي  إحدى قصصه القصيرة كتبها في خمس صفحات في خمس سنوات، كان ينقحها ويعيد تشكيلها مرة تلو أخرى لأنه يتعامل مع جنس أدبي متعب ولأنه يحترم الكتابة والمتلقي حيثما وجد  إلى آخر القامات الكبيرة  “أليس مونرو” الحائزة على جائزة نوبل 2013، الوفية منذ بداية الخمسينيات لفن القصة القصيرة  بأسلوب مسبوك رصين، على الرغم من علمها المسبق أن الرواية سلبت كل شيء الجوائز والقارئ و الناشر.
  في عالمنا العربي نذكر في هذا المقام أولئك الذين اكتووا بعشق القصة القصيرة: نجيب محفوظ ويوسف إدريس، زكريا تامر، الطاهر وطار، عمار بلحسن، عبد الحميد بن هدوقة، أحمد بوزفور، بالتأكيد القائمة طويلة أيضا.
 تاريخ طويل لفن القصة القصيرة وهي تلامس الجرح الإنساني، أزمته  وقضاياه الكثيرة في ثنائيات كثيرة: الخير والشر، البغض و الحب، الداخل و الخارج، قصص الحب والرومانسية، قصص الفنتازيا.
إرث عظيم من قصص يكاد يحفظها القارئ في كل بقاع العالم، هي الفن الرائج في القرين العشرين الفن الذي يجتمع حوله القراء لأنها مرآته، يرى وجهه بجماله وندوبه. الجنس الأدبي الراقي. الذي احتفت به الصحف الكبرى والمجلات العريقة نشرا ودراسة وترويجا لها. خصص لها يوم عالمي للاحتفاء بها “14 فبراير” وخصص لها في كذا دولة يوم وطني. مئات من القصص التي حوّلت إلى الشاشة الفضية وأخرى ترجمت من هذه اللغة إلى تلك، وأخرى... و أخرى... هي قصة عشق طويلة امتدت فصولها من زمن اليونان إلى يومنا هذا، بنجاحاتها وإخفاقاتها. إلى وقت قريب كانت تتصدر المشهد الأدبي عالميا وبامتياز.
  منذ السنوات الأولى من استقلال الجزائر دأبت الصحافة الوطنية على  نشر القصص القصيرة للرواد والكتاب الشباب، وأفردت صفحات خاصة أسبوعيا، ينتظرها الكاتب والقارئ. لم يقتصر حضور القصة في الصحافة فقط بل يحتفى بها في الملتقيات الأدبية احتفاء متميزا وتنشر في مجاميع قصصية بديعة بغض النظر عن جودتها أو رداءتها.
  واليوم على ما يبدو أفل نجمها، صارت تنعت بالفن الميت، الغائب، المنسحب من المشهد الثقافي. وليس في الجزائر فحسب بل في العالم كله، فسؤالنا الجوهري الذي نطرحه: هل تغييب القصة القصيرة متعمد؟
أم هو الضعف الواضح في القصص التي تكتب حاليا في المشرق و المغرب مع استثناء بعض الأسماء؟
ماهي الأسباب الحقيقية وراء تهميش القصة القصيرة؟
 هل يعود أصلا إلى كاتب القصة الذي آثر الهجرة إلى الرواية؟ أم يعود إلى أن الزمن بالفعل هو زمن الرواية؟.