طباعة هذه الصفحة

عبد المجيد عطار يشخّص واقع ومستقبل أسواق المحروقات

للجزائر إمكانيات طبيعية وخبرات فنية قادرة على ضمان التحوّل الطاقوي

سعيد بن عياد

استضافت ورشات الشعب بمناسبة ذكرى تأميم المحروقات الموافق لـ24 فبراير، الخبير في الشؤون الطاقوية عبد المجيد عطار، الذي نشّط هذه الورشة من خلال تناول مختلف الجوانب المتعلقة بواقع وآفاق أسواق المحروقات وتحديات منعرج التحول الطاقوي الذي يتطلب بالأساس انجاز التحول الاقتصادي كما أكد عليه، مبرزا ضرورة التوجه إلى مصادر الطاقات المتجددة كمرحلة أولى لتدارك أي خلل محتمل جراء استمرار انهيار أسعار البترول والغاز الطبيعي . وتوقّف الخبير عند الدور التشاوري الذي أصبحت تقوم به منظمة البلدان المتصدرة للبترول بعد أن فقدت ورقة نظام الحصص ليفتح الباب أمام سباق محموم لمن ينتج أكثر(طبعا أصحاب الاحتياطي الأكبر)، مما ألحق الضرر الكبير بالأسعار نتيجة إغراق الأسواق البترولية بالعرض أمام انكماش الطلب لأسباب اقتصادية ومالية، ولكن خاصة لأسباب جيواستراتيجية سطّرتها البلدان القوية مثل الولايات المتحدة الأمريكية. ولعلّ ذكرى التأميمات هذه السنة تتزامن مع أولى خطوات التوجه إلى التعامل مع بدائل للطاقة التقليدية من خلال الغاز الصخري الذي يتطلّب تعميق الحوار بين الخبراء وتوسيع مجالاته للمجتمع من أجل تبديد كل غموض وإزالة اللبس ليتّضح الخيار الاستراتيجي.

منظمة الأوبيب إطار للتشاور رغم تراجع تأثيرها في الأسواق
جهود دبلوماسية تقودها الجزائر لضمان استقرار السوق وتوازن الأسعار

سجّل عبد المجيد عطار خبير في شؤون الطاقة، أهمية ودلالات الجهود الدبلوماسية التي بادرت بها الجزائر على أكثر من اتجاه من أجل تحقيق توافق بين البلدان المصدّرة والمستهلكة على أساس ضمان استقرار السوق البترولية وتوازن أسعارها. وثمّن مثل هذا المسار الذي يضع أطراف منظمة البلدان المصدّرة للبترول والبلدان المنتجة من خارجها أمام مسؤولياتهم في مواجهة تحديات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وذلك بالتحسيس بأهمية الحفاظ على أسعار تستجيب لمتطلبات كل طرف ومنع حدوث انهيار للأسواق من شأنه أن يدخل الاقتصاد العالمي في أزمة قاتلة للاستثمار والتنمية.

واستبعد عطار من منبر ورشات “الشعب”، أن يكون لمنظمة البلدان المصدرة للبترول “أوبيب” أي تأثير على أسواق المحروقات في الظروف الراهنة قائلا: إنها غير قادرة على فعل شيء اليوم وذلك منذ أن هيمنت عليها البلدان الخليجية تتقدّمها السعودية بداية من سنة 2006، حين تمّ توقيف العمل بنظام الحصص الإنتاجية واعتماد سقف الإنتاج (30 مليون برميل / يوم)، مما فتح المجال أمام كبار المنتجين والبلدان التي تتمتّع باحتياطي كبير.
في تلك السنة (2006) لم يتوصّل أعضاء أوبيب إلى اتفاق على نظام جديد للحصص يراعي ظروف وإمكانيات كل بلد، فزال الانضباط داخل المنظمة في ظلّ تمتّع بلدان منطقة الخليج بقوة إنتاجية كبيرة آثرت على توازن أسواق المحروقات التي اختل فيها ميزان العرض والطلب. وللإشارة تقدر طاقة إنتاج أوبيب بـ40 مليون ب / ي، ما يعادل ثلث الاحتياجات العالمية المقدرة بـ89 مليون ب / ي. في ظلّ وضعيه كهذه اعتبر محدثّنا أن منظمة أوبيب أصبحت مجرد إطار للتشاور غير قادرة على ضبط السوق.
غير أنه أكّد - بالرغم من ذلك - على أهمية التمسّك بالعضوية فيها معتبرا أن النشاط داخل هذه المنظمة التي فقدت توازنها منذ أن سقط جدار برلين في 1989، أمر مهم حتى وإن لا يحمل ذلك تأثيرا على الأحداث، علما أن الجزائر هي أصغر بلد منتج بالمنظمة، ولكن للعمل الدبلوماسي ضمنها يمكنه أن يحقّق بعض النتائج.

الطاقة في قلب الصراعات الدولية والرقم الصعب في التحوّلات

ومن منبر “ضيف الشعب”، أكّد عطار بما لا يقبل التأويل أن الطاقة كانت ولا تزال في قلب الصراعات الدولية وهي بمثابة الرقم الصعب في معادلة التحوّلات العالمية منذ 1990، لكون هذه الطاقة توجد في صميم التنمية، مشيرا إلى أن المحروقات تبقى إلى اليوم أهم مصدر للطاقة، إلى جانب الفحم الذي يستعيد مكانته في السوق كما هو الحال بالنسبة لأمريكا التي تصدّره إلى المنايا بالأخص.
ولأهميتها برزت مسألة الأمن الطاقوي (بمعنى حيازة ومراقبة مصادر الطاقة) في بلدان مستهلكة مثل الولايات المتحدة الأمريكية التي تحرص على مراقبة الأسواق من خلال خاصة استخدام عملتها النقدية الدولار، الأمر الذي أدى بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى العمل على إقامة اقتصاد يعتمد عملات أخرى غير الدولار الأمريكي ويسعى لبناء تحالفات مع الصين والهند، مما يثير انزعاج أوروبا في أفق سنة 2025، الموعد المتوقّع لبروز منعرج التحول الطاقوي.
واستطرد موضحا ثقل الطاقة في العلاقات الدولية والتنافس الذي يتطوّر أحيانا في جهات مختلفة من العالم إلى أشكال مختلفة من العنف ببروز ومنذ سنوات مراقبة خطوط أنابيب نقل المحروقات خاصة الغاز، كما هو الحال في العراق، سوريا وأوكرانيا، علما أن الحروب التي تحدّث في هذه البلدان والمناطق التي تكتنز الطاقة إلى جانب ليبيا والضغط على إيران سببها البترول والغاز وبالتالي للطاقة تأثير في صياغة التحولات الجيواستراتيجية يضيف الخبير.
وأشار في ذات السياق، إلى ما تقوم به المنظمة الإرهابية “داعش” باستهداف البلدان الإسلامية والعربية بالأخص لتدمير مواردها وتبديد خيرات شعوبها متمثلة في المحروقات، مما يعزّز أهمية الإجراءات الاحترازية التي بادرت إليها الجزائر لتأمين مصادرها الطاقوية من أجل توظيفها كما يجب في الدورة التنموية بما في ذلك تحويلها إلى  عنصر فاعل لبناء اقتصاد متنوّع ومتحرّر من الطاقة ولو بنسبة معتبرة في مرحلة أولى، مصرّحا بشكل يحمل دلالات أن التحول الاقتصادي أهم من التحول الطاقوي (الأول يؤسس للثاني). ومن ضمن الإجراءات التي يمكن أن تساهم في تقليص استهلاك الموارد الطاقوية تحدّث عن أهمية توسيع استعمال غاز البروبان المميع (ج. ب. ل) في السيارات والذي تراجع استهلاكه من 4 إلى 2 بـ4 بالمائة رغم التحفيزات والوفرة التي تتميّز بها الجزائر (إنتاج 10 ملايين طن / سنويا من ج. ب. ل).

الطاقات المتجدّدة حقيقة والتقليدية غير أبدية

تعتبر الطاقات المتجدّدة حقيقة وليست وهما، بل هي أحد أكبر التحديات التي يجب التوصل إلى رفعها يقول الخبير عبد المجيد عطار، مضيفا أنه خلال العشريات السابقة ساد الاعتقاد أن الطاقة التقليدية أبدية قبل التأكد أنها آيلة يوما إلى الزوال، مما أدى إلى التعامل مع الطاقات المتجددة بما في ذلك في الجزائر، خاصة جراء ارتفاع الاستهلاك الطاقوي إلى درجة قصوى (مما أدى إلى استهلاك حوالي 50 بالمائة من الاحتياطي) وتراجع حجم الإنتاج.
ويمكن للطاقات المتجدّدة بأنواعها تدارك العجز الطاقوي وهي من البدائل التي لجأت إليها البلدان المستهلكة للطاقة في ظلّ حتمية التحول الطاقوي الذي شرعت فيه عديد البلدان لمواجهة تقلبات أسواق المحروقات وأزمة الأسعار فيها.
وتوجد عدة أنواع للطاقات المتجددة منها الشمسية بفضل تطوّر التكنولوجيات، الرياح، الهيدروجين الذي يمكن تحويله إلى طاقة في عالم السيارات خاصة، الهليوم المستخلص من الغاز الطبيعي، علما أن الجزائر ثاني أكبر بلد عالميا في إنتاجه، خاصة بحقل حاسي مسعود ويستعمل الهليوم حاليا في مجال الطب.

مسار مهني طويل

يحمل عبد المجيد عطار دبلوم مهندس من المعهد الجزائري للبترول (دفعة 1970)، بعد نيله ليسانس من جامعة الجزائر. وفي مارس 1971 (أقل من شهر عن قرار تأميم المحروقات الذي أعلنه الرئيس الراحل هواري بومدين) التحق للعمل موظفا بالشركة الوطنية سوناطراك، فتوجّه مباشرة إلى الميدان على مستوى أحد حقول صحرائنا منطلقا بالعمل ضمن فريق يضم تقنيين من الخدمة الوطنية.
كان أول تحدّ للرجل طيلة 6 أشهر متواصلة (قبل أن يصل خبراء متعاونون) تحمّل فيها المسؤولية مبكرا بالسهر على ضمان تشغيل 8 آلات للحفر. بعد قضاء 10 سنوات في العمل بالحقول النفطية تولى في 1980 مهام رئيس قسم ثم في 1986 مديرا للاستكشاف وفي 1996 أشرف على المشاريع الدولية بالخارج فأطلق مشروع الاستثمار بالعراق. وفي 1997، تمّ تعيينه رئيسا مديرا عاما لسوناطراك إلى غاية ديسمبر 1999، ثم مديرا عاما لهولدينغ كيمياء صيدلة وخدمات في سنة 2000.  وعقبها تولى حقيبة وزير للموارد المائية من 2002 إلى 2003 ليتحول للعمل لحسابه الخاص بمكتب للاستشارة في المحروقات وهو دائم الحضور في النقاشات ذات الصلة باختصاصه.                                                                 
ب / سعيد