طباعة هذه الصفحة

20 سنة على استشهاد صاحب «العيطة»

صدفـة أمينة ومفاجآت مجوبــي

نورالدين لعراجي

تفاجأت السيدة والممثلة أمينة مجوبي، رفيقة وأرملة فقيد المسرح الفنان عزالدين مجوبي، الذي غيّبه الموت عنوة بتاريخ 13 فيفري 1995، وهي تتحدث من “منتدى الشعب” عن مرور عشرين سنة على اغتيال زوجها، المتزامن مع اليوم العالمي للمسرح، الذي نظمته جريدة “الشعب” وهي التي كانت تعتقد إنه بعد وفاته انتهى وانتهت معه مسيرة الفنان عزالدين إلى الأبد. وكشفت، أنه بعد اغتيال زوجها المسرحي مجوبي كانت لها صدمة كبيرة ولم تستوعب الأمر، بحكم أنه كان يمثل بالنسبة لها الصديق والزوج والرفيق والأخ والزميل فوق الركح والكثير من الأشياء الحميمة التي يعجز المرء عن وصفها.
ذكرت الممثلة أمينة، أنه بعد اغتياله بأربعة عشر يوما، لحقت به والدتها التي كانت تمثل بالنسبة لها الصدر الدافئ والضفة الأخرى من العطاء والحنان والتجلي.
في هاته اللحظات أدركت السيدة أمينة أنها أمام واقع لا يمكن الهروب منه، فهو القضاء والقدر.
لكن ما حزّ في نفسها وهي تتحدث أمام الحضور في “منتدى الشعب”، ذلك الغياب والتغييب الذي مورس ضدها كفنانة وممثلة وهاوية الخشبة، مضيفة أن أملها وهي تتعدى تلك اللحظات الحرجة، تمنت لو أن أصدقاء المسرح وجموع الفنانين والممثلين أرغموها على الصعود إلى الركح علها تستفيق من غيبوبتها تلك، من خلال تفجير تلك الطاقات الكامنة داخلها، من الإرهاصات والتأملات، فقد كانت بحاجة إلى يد، تحملها إلى عنفوان المسرح لتشعل صوتها من جديد، ليس من باب الفعل المسرحي المادي فحسب ولكن من أجل تكسير الحواجز التي حالت بينها وبين عتبة القول، مما جعلها وهي في هذه الحالة، تغرق في صمت ذاتي رهيب مدة عشرين سنة من الصمت القاتل.
أمينة وهي تستذكر الفقيد عزالدين مجوبي، قبل أن يكون زوجها، عادت بسنوات العمر الفني إلى العلاقة التي ربطتهما في بدايات العمر الفني، الذي يقاس بالتجربة على خشبة المسرح، ولا يقاس بعمر الإنسان، متحدثة عن الأدوار التي تقاسمتها رفقته، انطلاقا من مسرح وهران رفقة عبد القادر علولة إلى العاصمة وعنابة وباتنة وبجاية وغيرها من المسارح التي تركا فيها الجمهور خلفهما متعطشا لتلك الصرخة المدوية على الركح. كان فنانا بارعا متحكما في تقمص كل الأدوار التي يتقن فيها تقمص الشخصيات، لا يحب الكلام كثيرا، سريع البديهة، نكّات في أحاديثه، يجيد الأدوار المستعصية، يكره الوقت الضائع من العروض المسرحية، كان شخصية كارزماتية وهو يعانق الخشبة، وكأنها بيته الغول والخير.
في السياق نفسه، كان أحيانا ما يفضل أن تكون زوجته رفيقته في بعض الدوار التي يمكنه من خلالها تقديم كل ما يملك من عروض متميزة وخفية، لا يمكن تقمصها مع شخصية مخالفة أخرى.
تمر عشرون سنة على إطفاء شمعة مجوبي، تلك الشمعة التي سوف تحرق وجوه أولئك الذين أسكنوا في نبضه رصاصات الغدر، وهو يستعد للخروج من الباب الخلفي للمسرح الوطني الذي تولى إدارته، في أقل من أسبوع، وهو في ريعان شبابه لم يتجاوز عقده الخامس.
مجوبي الفنان والمسرحي والمؤمن، كان يستشرف الأحداث التي سوف تقع، وتلك التي ستكون بعده، صوّرها وتقمص شخصياتها في مسرحية “غابو لفكار”، عندما وجدت زوجته أمينة نفسها وحدها، ومثل في “إنسان طيب” ومن هو أطيب منه يدخل الفرحة على الآخرين ويغيب الفرح على أهله، صور مسرحية “المقبرة “وتحدث عنها وهو يسكنها الآن، تحدث في مسرحية “الصمود” عن كينونة الوجود، والصراع القائم بين الحق والباطل، فكان هو الحق لأننا نذكره بمرور عشرين سنة وستذكره الأجيال القادمة، لكن القتلة لن يذكرهم أحد بخير، وهو ما جسده في مسرحيته “الجريمة والعقاب” وأكملها بـ«الحافلة تسير1 و2”، إلى “المحاولة الكبرى”، ثم “المولد” و«عالم البعوش” إلى عرض “المصير”.