طباعة هذه الصفحة

كلمـــة العــدد

عاصفة الرّبيع

فضيلة دفوس
30 مارس 2015

بعد أربع سنوات على الزّلزال السياسي الذي هزّها باسم التّغيير والانتقال الديمقراطي، عجزت بلدان “الرّبيع الدموي” عن الخروج من دوّامة العنف التي سقطت فيها،والتي تحوّلت في بعضها إلى حرب أهلية غير معلنة.
المصير الدّموي هذا، لم تسلم منه ولا دولة ضربها “تسونامي” التّغيير في شتاء وربيع 2011،سواء تلك التي تنحّى رئيسها تحت ضغط الميدان، أو تلك التي قتل زعيمها بتدخّل “الناتو”، أو الثالثة التي أبعد حاكمها عن السلطة بمبادرة تسوية فصّلتها البلدان المجاورة دون أن تلتفت إلى العيوب التي شملتها والفراغات التي أحدثتها.
كما سقطت في نار الاحتراب الداخلي الدولة الوحيدة التي صمد رئيسها وتمسّك بمنصبه رغم الأعاصير والعواصف الهوجاء التي تهزّه.
للأسف الشديد، كل بلدان “الرّبيع المريع” آل بها الوضع إلى نفس المصير، وحتى تلك التي صنعت الاستثناء ، ووُفِّقت في إقرار انتقال سلس للسّلطة، فهي تواجه تحديات أمنية خطيرة وأوضاعا اجتماعية صعبة وتحديات سياسية عقيمة، الأمر الذي يؤكّد فعل المؤامرة التي أحاطت ولا تزال بكل ما يجري في البلدان العربية المضطربة، إذ لا يعقل أن تنجرّ كل من سوريا وليبيا واليمن وقبلها العراق إلى نفس المآل المرعب، وتعترض صخرة الإرهاب مسار قطار التّغيير الذي انطلق في مصر وتونس.
صحيح أنّ لـ “الثورات” إرهاصاتها وتعثّراتها وحتى إخفاقاتها، لكن ليس إلى هذا الحد، لا يعقل أن تشترك في الفشل كل دول “الرّبيع الدّموي” إلاّ إذا كان هناك من تعمّد إيقاظ النّعرات الطّائفية والقبلية والمذهبية، وصبّ الزّيت على النيران المشتعلة ليلهبها حتى باتت تحرق الأمن والوحدة والاقتصاد والإرث الثقافي والحضاري والإنساني...
فعل المؤامرة يتجلّى بوضوح في هذا المشهد العربي المرعب لأّنه لو سلمنا بما يزعمه البعض من أنّ سوريا دخلت في حرب أهلية بسبب تعنّت الأسد ورفضه الاستقالة، وبأن ذرّة الشّام كانت ستسلم من هذا المصير لو أنّه تنحّى، فكيف نفّسر إذن وقوع ليبيا في مصيدة الإحتراب الأهلي وقد تخلّصت من زعيمها السّابق؟ وبماذا نبرّر سقوط اليمن في فخ ّالصّراع المذهبي وقد أزاحت المبادرة الخليجية رئيسه؟
وحتى نستوعب جيدا فعل المؤامرة والذي لا يمكن أن نقصي معه مسؤولية المتورّطين في الداخل، دعنا نتساءل لماذا نجحت “ثورات” التّغيير التي قادتها دول أوروبا الشّرقية لتتحرّر من ارتباطها بالقطب الاشتراكي السوفياتي السابق في نهاية الثمانينات وبداية التسعينات، ولم تسقط في فخّ الاحتراب والعنف، وأعلنت استقلالها في جمهوريات التحقت معظمها بالمعسكر الغربي باستثناء تلك التي بها أغلبية مسلمة كالبوسنة، والتي تعرّضت لحملة تطهير عرقي فريدة من نوعها؟
معرفة الجواب بكل تأكيد سيزيل اللّثام عن الكثير من خبايا ما يجري في البلدان العربية المشتعلة.