طباعة هذه الصفحة

الخبير الاقتصادي كمال خفاش:

رؤية جديدة تكرّس تنويع النّسيج المؤسّساتي

حاورته: فضيلة بودريش

حتمية تكوين المستثمرين ورجال الأعمال للتّحكم في الأسواق

طرح كمال خفاش خبير اقتصادي أهم الخيارات، وحدّد التوجهات التي يمكن إرسائها للإسراع في تفعيل وتيرة التنمية من خلال تعميق الاستثمار وتكثيف نسيج المؤسسات، واكتساب مهنية عالية في التصدير، مراهنا على التكنولوجيا وسلسلة من الإصلاحات، وكذا إقامة شراكات قوية ومنتجة مع الأجانب.

❊ الشعب: كيف تشخّصون بموضوعية مناخ الاستثمار على أرض الواقع في الجزائر؟  
❊❊ كمال خفاش: مازال يسجّل على أرض الواقع عدة عراقيل تعيق المستثمر في خوض نشاطه بكل حرية، في ظل وجود تسهيلات عديدة أقرّتها الحكومة، لكن توجد نقائص تتصدّرها البيروقراطية الإدارية. وفيما يتعلق بالمستثمرين ورجال الأعمال الجزائريين، يرى أنه ينقص وجود رجال الأعمال مكونين بشكل جيد في إنشاء المؤسسات، ومتحكّمين في مجال “المانجمنت”، في وقت يسيطر على المنافسة التي تعرفها الأسواق الدولية، من يتحكم في كل ما هو تكنولوجي ولديه دراية واسعة في التسيير الحديث، خاصة أن الجزائر ولجت اقتصاد السوق غير أنّ العديد من مؤسساتنا الإنتاجية ليس لديها قدرات تنافس بها المؤسسات الأجنبية، لذا يجب أن توفر الحكومة المزيد من التسهيلات للمؤسسات الناشطة، مع السهر على إنشاء مؤسسات أخرى من خلال توسيع وتكثيف النسيج الصناعي والإنتاجي، على اعتبار أنّ عدد المؤسسات الناشطة في الوقت الحالي يبقى قليلا حسب الإحصائيات التي تشير إلى وجود 750 ألف مؤسسة، من بينها 90 بالمائة مؤسسات صغيرة ومتوسطة، وأغلبها مؤسسات استحدثت في إطار وكالة “الأنساج” أو “الكناك”، وليس لديها قدرات كبيرة، لأننا في الحقيقة في حاجة إلى مؤسسات قوية، ونحتاج إلى تبني توجه من طرف الحكومة، يشجّع ويجسّد هذا الخيار من خلال الانفتاح على الاستثمار في الصناعة كون عدد معتبر من المؤسسات ينشط في قطاع الخدمات ويقتحم قطاعات البناء والأشغال العمومية، لذا نحن في حاجة إلى رؤية جديدة لتنويع استحداث النسيج الصناعي والإنتاجي من خلال طرح استراتجية واقعية قصد التوجه نحو قطاعات تتوفر فيها الجزائر على قدرات كبيرة حتى يتجسد طموح استحداث نسيج صناعي منافس. ويمكن القول أن عدد المؤسسات الكبرى لا يتعدى 15 مؤسسة فقط، ولا يخفى أن الاقتصاد المتطور الذي نتطلع إليه يرتكز على التكنولوجيا، ويفرض ذلك علينا ضرورة إقامة شراكات قوية ومنتجة مع الأجانب.
 
مهنة التّصدير تكتسب من المؤسّسات الرّائدة

❊ على ضوء تجارب استثمارية ناجحة أقيمت بالشّراكة مع الأجانب في إطار القاعدة “٥١ - ٤٩”، ماهو رأيكم في كل ما تمّت إثارته من نقاش حول هذه القاعدة؟  
❊❊ صحيح منذ إقرار هذه القاعدة “٥١ - ٤٩” من خلال قانون المالية التكميلي لعام 2009، سجّل استحداث مؤسسات في ظل الشراكة مع الأجانب، لكن عدد هذه المؤسسات المنشأة مازال قليلا لا يتناسب مع الديناميكية المطلوبة لبناء اقتصاد قوي وذا تنافسية عالية، لأنه يمكن فرض هذه القاعدة على النشاطات الإستراتجية والمؤسسات الكبرى، لكن المؤسسات المصغّرة والمتوسطة في حاجة إلى هامش من الاستثمار الحر. وبالموازاة مع ذلك نركّز على الاستثمار في النشاطات التي تحتاجها وتخلق الثروة، وتفتح مناصب الشغل وتنقل التكنولوجيا، وبالمقابل تتخذ إجراءات وقائية عند عمليات تحويل الأرباح نحو الخارج، ومن شأن إعداد استراتيجية للتصدير خارج قطاع المحروقات يحتّم رفع تنافسية المؤسسة الإنتاجية الجزائرية، ولا يتجذّر ذلك إلا بالاستفادة من تجارب المؤسسات الأجنبية التي تمتهن التصدير ولديها احترافية في هذا المجال كون التصدير مهنة لها تقنياتها، ويجب أن يتحكم في أسرار نجاح التصدير لاقتحام الأسواق الخارجية بسهولة، وعلى المدى الطويل يمكن أن تكتسب مؤسساتنا التجربة الكافية للتصدير بعد النجاح في كسب المنافسة الداخلية، والتفوق على المؤسسات الأجنبية في السوق الوطنية كمرحلة أولى. وتكفي 5 سنوات أو على الأكثر 10 سنوات حتى نكسب من خلال الشراكة مع مؤسسا قوية ورائدة خبرة التصدير وطرح منتوج ذا تنافسية عالية في الأسواق الدولية.
 ❊ يوجد مشروع قانون الاستثمار قيد الإثراء..ما هي أهم الإجراءات التي يمكن تعديلها ومراجعتها؟ وهل لديكم مقترحات بهذا الخصوص؟   
❊❊ في البداية يجب الحديث عن القاعدة “٥١ - ٤٩” التي تحتاج إلى مراجعة، لكن لا يجب كما أكدت أن تسري على جميع الاستثمارات ويستثنى منها المؤسسات الكبرى والإستراتجية، ويتطلب الأمر إدراج عدة إجراءات إحترازية ووقائية من خلال الجباية والبنوك وتحويل الأموال بالعملة الصعبة خارج الوطن، وإرساء تأطير حقيقي لهذا النشاط الاستثماري بالشراكة مع الأجانب، حتى لا تكون هناك أي تجاوزات أو غش.
ومن المقترحات التي أرى أنها ضرورية إرساء إعفاءات جبائية لمدة معينة للمؤسسات التي تقام بالشراكة من أجل إغرائها واستقطابها وتوفير العقار الصناعي، حيث توجد خطوط السكك الحديدية والطريق السيار، ويمكن في الأراضي التي يمر عليها إنشاء مناطق صناعية ليستفيد المستثمر من الهياكل القاعدية ويقلص تكلفة نقل وتسويق الإنتاج، إلى جانب تسهيل مدة دراسة ملفات القروض ومراجعة نسبة الفوائد بالنسبة للمؤسسات التي تستثمر في المجال التكنولوجي لتشجيعها على الإقبال، لأن نسبة فوائد القروض الحالية لا تقل عن 5 بالمائة.

 التّعجيل بتهيئة المناطق الصّناعية الجديدة

❊ على ذكركم لتهيئة المناطق الصّناعية، هل فعلا هذا المشروع يعرف تأخّرا؟
❊❊ منذ نحو أربع سنوات يجري الحديث عن تجسيد هذا المشروع، لكنه مازال لم يستقبل المشاريع الاستثمارية، ونحتاج إلى مؤسسات عمومية وخاصة تقوم بالاختصاص في تهيئة المناطق الصناعية، ثم تنشأ مؤسسة لتسيير المناطق الصناعية وتعكف هذه الأخيرة فوق كل ذلك على خلق النشاط الاستثماري.
وما يلفت الانتباه وجود مناطق صناعية لكنها منقوصة من الغاز أو الكهرباء أو طرقاتها غير مهيأة، لأن المستثمر لن يقبل بتلك الظروف الصعبة، وحتى نشرح الواقع بوضوح مازالت المناطق الصناعية الجديدة غير مهيأة بالشكل المطلوب والذي يتطابق مع المعايير.  
❊ كيف تقيّمون علاقة المؤسّسة الإنتاجية بالمنظومة البنكية؟  
❊❊ لا توجد علاقة تجارية “رابح - رابح”، فالبنك يساعد المؤسسة فيما يتعلق بالاستثمار والاستهلاك والاستغلال، وتبقى مرافقة البنك للمؤسسة منقوصة في ظل وجود علاقة إدارية أكثر، حيث لا توجد إستراتيجية للقروض بهدف جذب المؤسسة، لأن هناك خدمات عديدة يمكن أن تقدمها البنوك للمؤسسة تتعدى القروض المالية على غرار خدمات دراسة السوق، حيث يلعب فيها البنك دور المستشار للمؤسسة الاقتصادية، وهذا ما تعكف على ممارسته البنوك في الدول المتطورة.  
❊ اتّخذ مؤخّرا قرار مراقبة سوق العملة الصّعبة ووضع حد للسّوق الموازية، هل هذا مؤشر ليرى مشروع المصارف المعتمدة لدى البنوك النور قريبا؟  
❊❊ قام بنك الجزائر منذ 15 سنة تقريبا بإعداد وتحضير قوانين لاستحداث مهن الصرف، وشبابيك الصرف المعتمدة لدى البنوك للتعامل مع المتعاملين الاقتصاديين، وعندما كان السوق تطغى عليه الفوضى وغير منظم لأنه مواز، فأموال ضخمة كانت تتحرك خارج دائرة الرقابة، وناهيك عن الخسائر المالية التي كانت تتكبّد، لذا يجب وصف هذا الإجراء بالجيد بل الجزائر متأخّرة في تجسيده، وكان من المفروض اللجوء إليه منذ عقد التسعينات.
 
❊ ما هي القطاعات الاقتصادية التي مازالت تعاني من التأخر وفي حاجة إلى تفعيل تنافسيتها؟  
❊❊ يمكن ذكر قطاع تحويل البتروكيمياء، ويجب النظر إليه بخصوصية في ظل وفرة المواد الأولية البترولية، ويجب تنشيط هذا القطاع الذي لا مجال للخسارة فيه، من خلال تفعيل الشراكة مع مؤسسات وطنية أو أجنبية، وكذلك الاستثمار في مجال البلاستيك الذي يدخل في صنع السيارات والأجهزة الكهرومنزلية والإلكترونية، إلى جانب قطاع الصناعات التحويلية على غرار تحويل المواد الفلاحية نحو الصناعة الغذائية أمام وفرة الأراضي الفلاحية والإجراءات التحفيزية على الإنتاج، وتطوير القطاع سيسفر عن الوفرة ويمكن تحويلها لتلبية الطلب المحلي، ومن ثم نحو التصدير لم لا؟