طباعة هذه الصفحة

الملتقى الدولي حول الأمير عبد القادر

العودة إلى آراء الفقهاء والتجديد داخل المنظومة الفقهية

براهمية مسعودة

دعا المختصون المشاركون في الملتقى الدولي حول «الأمير عبد القادر..المثقف الأديب والمتصوّف» إلى ضرورة تشجيع البحث العلمي في هذا المجال، ويرصد الملتقى جانبا مغيبا من الأمير عبد القادر، غفل عنه الدارسون وخاصة البعد الثقافي والأدبي.
 وأكّد الدكتور محمد بشير بويجرة، أستاذ بجامعة وهران 1 رئيس اللجنة العلمية لهذا الملتقى، أنّ الجانب الفكري المعرفي الذي كان سائدا في تلك الفترة يكسب التراث المعرفي، قدرة على سد بعض الحلقات التاريخية المفقودة في شخصية الأمير المثقف الأديب والمتصوّف.
ومن هذا المنطلق، أكّد الأستاذ بومدين بوزيد، من جامعة وهران2 ومدير قسم بوزارة الشؤون الدينية بالجزائر مداخلته الموسومة بـ»السلطة السياسية والمشيخة الروحية: قراءة في رمزية المقاومة والقيم الضابطة» على ضرورة تعريف الشباب بمفهوم «الجهاد الرباطي» المرتبط بالأرض في إسقاط ورقة التوت عن التنظيمات الجهادية .
وقال الأستاذ بومدين: مهم جدا، أن نعيد التفكير في هذا المفهوم، كقيمة تاريخية وكقيمة ثقافية، مع العودة إلى أراء الفقهاء والتجديد داخل المنظومة الفقهية، فيما يتعلق بالجهاد وتابع موضحا: الحركات الجهادية اليوم «معولمة» خارج نمطية الدولة ونمطية السلطة والأرض، مشيرا إلى أنّ هذا النوع من التنظيمات الجهادية، تعتمد الجهاد خارج الأرض، لأن لا وطن لها.
وأضاف: الخلافات مع الآخر، لم ترتبط والدين فقط، وإنّما بقضية الاحتلال، وعلى ضوء ذلك أكد على أهمية، أن تقرأ خلافات الأمير مع بعض المتصوفة والنصوص المخالفة له، داخل القيم الموروثة والتاريخ البعيد عن الانتماءات والصراع الذي كان قبل بين الدولة العثمانية وهذه الطرق، موضحا، أنّه خلاف أساسي على المستوى الروحي، وليس من كان «مع» ومن كان «ضد».
 وأوضح أنّ مفهوم الجهاد عند الأمير عبد القادر، أصبح مرتبطا بتحرير الأرض، لأنّ مفهوم الجهاد، حلّ محله الرباط، ولذلك يخفق ـ حسبه ـ بعض الباحثين عندما يبدأون من 1832 للمقاومة، في حين ينبغي أن يعودوا لتحرير وهران من الإسبان سنة 1792 وعملية الرباطات التي قامت في المغرب وفي غينيا وشمال إفريقيا وسوريا، وشكلت هذه الرباطات التي قادت النخب العلمية، مخزون أساسي للأمير عبد القادر.
واعتبر أن الأمير، هو استمرار لهذه الرباطات التي قادتها النخب بعد سقوط غرانية في القرن ال15، بعدها تطور مفهوم الجهاد داخل النخب، ليصبح مرتبطا بالأرض، وهذا الجهاد هو الذي تبنته الثورة، وبعد الدولة الاستقلالية، تقوم به وزارة الدفاع من خلال نخب جديدة في شكل تشكيلات عصرية نظامية، أسّس لها آنذاك الأمير من خلال نظام الجند، حسب نفس المتحدث.
ويرى الأستاذ بوزيد، أنّ عملية الجهاد على الظلم هي العملية التي تشكل القيمة الأساسية للتصوف، حين قال: حركات التصوّف، حركات رافضة ثورية في الأساس، وأعتقد أنّ الرؤية الدرقاوية والسانوسية وغيرها من الطرق التي لعبت دورا في المنطقة، ذات علاقة بين تطهير الفرد وسلوك الفرد وتزكيته، مستدلا بـ»الدرقاوية» التي شن فيها «شريف الدرقاوي من نواحي أحرار تيارت حربا ضد ظلم الأتراك واستمرت لأكثر من 15 سنة.
وتابع القول: من خلال هذه القيمة الرمزية والانتماء، نفهم خلاف الأمير مع الآخرين، لا نفهمه في إطار من كان «مع» الجزائر و»ضد»، مؤكّدا، أنّها «معطلة لعملية التفكير والإجتهاد في وقت تبقى فيه بعض المناطق مظلمة في تاريخه وأخرى، تطرح فيها الأسئلة دون أجوبة.
وأشار إلى أنّ حركات التصوّف، حركات رافضة ثورية في الأساس، وعاد الى الدرقاوية التي شن فيها شريف الدرقاوي من نحواحي احرار تيارت قاد حربا ضد ضéلم الاترامك واستمرت لاكثر من 15 سنة، اعتقد أنّ هذه الرؤية للدرقاوية والسانوسية وغيرها من الطرق التي لعبت دورا في المنطقة، علاقة بين تطهير الفرد وسلوك الفرد وتزكينه وعملية الجهاد على الظلم هي العملية التي تشكل القيمة الأساسية للتصوف.
وأكّد أن التلبس بالراهن، عائق منهجي ومعرفي حقيقي، كون أنّ التلبس الآني، يسيطر بظلاله على رؤيتنا للتاريخ والتراث القريب بالخصوص، وهو ما يشكّل ـ حسبه ـ وعيا زائفا ونتائج معرفية غير صائبة، وشدّد المحاضر نفس على أهمية الترتيب وإعادة العلاقة مع الذاكرة من خلال قدرات مهجية معرفية جديدة، وكذا نقد الحصيلة المعرفية التي كتبت حول الأمير أو شخصيات أخرى، خاصة خلال العقد الزمني الأخير، كما تحتاج أيضا ـ يضيف ـ إلى التحرر ولو نسبيا من انكسارات الراهن، محذّرا في سياق متّصل من الانصهار الكلي في التاريخ أو الخروج من الزمن الحاضر والزمن المستقبل.
العنف في المجتمعات الغربية
قال إنّها واحدة من أسباب حالة العنف في المجتمعات العربية وغيرها، وربط جزءا منها بالدخول في التاريخ وصراعات القرن الأول الهجري ونسيان الحاضر الواقع والمستقبل، ويعتقد المتحدّث أنّ هذه العملية مهمة لشباب اليوم عبر الإعلام الجديد وعبر منصات الميديا في إعادة ترتيب هذه العلاقة من جديد من خلال النخب العلمية، وقدم الباحث خلال هذه الورقة بعض القيم الضابطة، مؤكدا أنه يستدعي في فهم علاقة الأفكار بالقيم والحدث التاريخي، لفهم قضية أو قيمة رمزية داخل الذاكرة ونمط ثقافي معين وفي نفس الوقت تتبع هذه الفكرة حسب التوضيحات المقدّمة من خلال العلاقة بالقيمة لـ50 سنة أو ما يعرف بين بعض المؤرخين بالتاريخ الطويل.
وتحدّث عن القيمة الموروثة الضابطة، المتنوعة عبر أشكال السلوك الثقافي للفرد، الذي هو تعبير عن المجموعة متحدثا بعبارة بعض الأنثروبولجيين في تعريفهم للإنسان على أنّه حيوان رمزي، ينتج الشكل الثقافي ويبحث له عن المعني وهذا الشكل الثقافي، يضعنا ـ حسبه ـ أمام تمازج بين أحداث اجتماعية كبرى سريعة جدا تقوم في القرن 19 ، تؤدي حسبه إلى حالة تصادم وحالة صراع مع محتل، وقال: حدث تأسيس إمارة إسلامية بالتسميات القديمة، تعيد حلم الدولة الأولى، مؤكّدا أن هذا الزحم التاريخي يرتبط بمجموعة من القيم والرموز ـ حسبه ـ هي المسيرة والضابطة لهذا المجتمع.
وواصل: بالرغم من التحديث الذي أدخله الأمير على مستوى بنية الدولة أو الإدارة لكن بقيت القيم الضابطة أو الموروثة أو القيم الرمزية هي المشكل للحدث الاجتماعي والمعيد لمجموعة قيم ثقافية رمزية تنتمي إلى هذه المجموعة التي كانت تتبنى مفهوم بالمعنى الجديد من أجل الاستقرار والعودة إلى الصورة الأولى، وقال: هذه القيم، يشترك فيها الأمير وتشترك فيها المجموعة التي تكون فيها، والقيمة الأولى، هي المعرفة الموروثة وأنّ هذه المعرفة الأصيلة، جعلت الأمير عبد القادر، يهتم بها دون معرفة أخرى، حيث في مرحلة «دمشق» كان للتصوف الحضور القوي كانت مرحلة الفتوحات المكية هي الإلهام الحقيقي في «دمشق» ويهتم في جلساته في المادسية بأم البراهين للسنوسي ويملي على بعض تلامذته بعض النصوص في التعليقات حول قضايا كلامية، تتعلق بالحرية والعدالة والفعل الإرادي للإنسان ويمليها على برويلة المشهور، الذي عاش العصرين.
وتأسّف المتحدث بأنّ هذا النص، لا يزال مخطوطا موجودا في مكتب الشيخ عبد الرحمان الجيلالي، كونه نص مهم جدا، ومن منطلق أن هذا الرجل في هذا السن يعطي أراء وتفسيرات لأم البراهين وقضية تتعلق بالتوحيد، وأشار إلى أنّ أغلب كتابات الأمير عبد القادر، هي إملاءات و مقولات ينقلها طلابه شفويا إلى كتبهم ولكن قال: لا نذهب للمذهب الذي ذهبت إليه حفيدته في أنّها أسقطت الجزء الكبير من كتاب المواقف وعملت عمل تعسفي في تصوير الأمير وكأنّه كان سنيا على طريقة بعض المذاهب، وقال: أعتقد أنّ عملية حذف نص الاتحاد أو الحلول لنصوص معينة هي عملية تعسفية ضد نص موروث، لأن الأمير أحببنا أو كرهنا، كان مستلهما لأفكار محي الدين بن عربي.
ويعتقد أن الأنظمة المعرفية الموجودة التقليدية أو الأصيلة في ذلك الوقت هي جزء من عملية تنظيمية وجزء من عملية فكرية للأمير عبد القادر، فيحتاج هذه المعرفة في فترة معينة ثم يحتاج إلى معرفة ثانية في مرحلة أخرى وفي أرض أخرى وفي زمن آخر، حين قال الأستاذ «بوزيد» هذا التنقل في الأزمنة والاستقرار في المنطقة لعب دور في شخصية الأمير، وقال: اعتقد أنّ فكرة» التوحيد» كفكرة أساسية مهمة جدا بالنسبة للأمير، حينما كان هو استمرار لجده الذي شرح أم البراهين «الشيخ بن خدة»، لأنّ علم التوحيد والعقائد، انتقل من تلمسان بعد سقوط الدولة الزبانية التي كانت مشهورة إلى غرسي وأصبحت هي الأرض التي تعلم التوحيد، في حين كانت مازونة هي التي تعلم الفقه، مؤكّدا أن هذا التوزيع العلمي بين مراكز وبين حواضر الجزائر أيضا مسألة مهمة بالنسبة للدارس.