عن تجربته الأدبية فيما يخص قصيدة “الهايكو”، قال عاشور فني بأنه اكتشاف يعود إلى نهاية التسعينيات، مشيرا إلى أن من محاسن تراجع سياسة الدولة عن النشاط الثقافي آنذاك أنهم أصبحوا يتكفلون بالنشاط الثقافي بأنفسهم، وهو ما سمح لهم بالالتقاء في بيوتهم أو في الجامعة أو الحي مع نخبة من الشعراء، حيث كان تساؤلهم يتمحور دائما حول “من نحن، وما الذي يميزنا وما الذي يربطنا مع الآخرين ؟« كما كان الحديث أيضا ـ حسب عاشور ـ على أن فكرة “الجيل” هي فكرة زائفة.
وقال فني من “منتدى الشعب”، “كنا نعيش بطريقتنا ونتحايل على الوضع، ولم نبع ضمائرنا، وتساءلنا أيضا ما هي الإضافات الجمالية للقصيدة الجزائرية، فقد كان هناك من يكتب القصيدة العمودية والنثرية.. وهناك من يكتب بدون مقياس من هذه المقاييس”، مشيرا إلى أنه يمكن أن تكون الصورة ويمكن أن تكون الحكاية أو السرد مصدر للشعرية، ويمكن أن تكون متعددة ومتنوعة وليست ذات نمط واحد، ومن بين المسارات التي اتخذها في البحث ـ يقول ـ هي مسار الصورة.
وأبرز فني أن البحث في مجال التصوير قاده إلى التعرف على المدرسة التصويرية في الشعر الأمريكي خلال الحرب العالمية الأولى، وهي المدرسة التي قادته إلى ما يعرف بـ«الهايكو” المبني ـ حسب المتحدث ـ على فكرة أن تكتب قصيدة لا تتجاوز النفس الواحد، وتُقرأ أيضا في نفس واحدة، وتتكون من 17 مقطع، وأن تكون اللغة في حدودها الدنيا، وأن تعبر على أقصى ما يمكن التعبير عنه دون استخدام أي شكل من أشكال المحسنات البديعية أو الصور البلاغية.
وأضاف بأن اللحظة الشعرية تبدو عارية في قصيدة “الهايكو”، وهي التقاليد الشعرية النابعة من الحياة في الثقافة اليابانية، وهنا انفتحت أمامي فكرة أخرى ـ يقول المتحدث ـ أن ما يعرف عن كتاباتي أنني لا أعتمد على اللغة بل على الصورة، والاقتصاد اللغوي، لذلك لقائي بقصيدة “الهايكو” هو لقائي بذاتي، موضحا بأن هذا البحث أضاء جانبا معينا من تجربته الشعرية، وعاد إلى قراءة ما تم كتابته، لذلك يقول حينما نشر مجموعة “الهايكو” سنة 2007، جمع فيها أيضا قصائده الأولى لسنوات الثمانينيات والتسعينيات، قبل اطلاعه على هذا النوع الأدبي، كونه اكتشف شيئا من الهايكو في تجربته الشخصية، القائمة على اقتصاد اللغة والحد الأدنى من الصور والمحسنات البديعية.
من جانب آخر قال عاشور فني إن العديد من الشعراء الجزائريين يكتبون اليوم قصيدة الهايكو، أمثال فيصل بلحمر، لخضر بركة وآخرون، وهو شيء جميل ـ حسب المتحدث ـ حيث أن الشعر الجزائري دخل في التجريب، ولم يعد مكتفيا بشعر التفعيلة أو قصيدة النثر..
وأشار إلى أن في كتابه الخاص بـ«الهايكو” كتب مقدمة قال فيها بأن الحداثة العربية حداثة مغشوشة، لأنها بيعت لهم كيد ثانية من الغرب بينما مصدرها “ايزراباون”، والتصويريون حين تحدثوا عن الحداثة كان مصدرهم قصيدة الهايكو في اليابان، أي أن مصدرهم شرقي وهو الذي طور القصيدة الإنجليزية، ثم نقلها شعراء العراق ومصر، وفيما بعد انتقلت إلى بقية الشعراء العرب، ليأتي فيما بعد أدونيس بالموجة الثانية من حداثة القصيدة العربية، معتمدا على المصدر الفرنسي.
وفي نظر الشاعر عاشور فني، فإن المصدر الحقيقي لكل الحداثاث في الفكر الغربي، شرقي وبالذات اليابان والصين، وقال بأن الحداثة الشعرية في أزمة، ولابد لها من التجديد النابع من الذات بالدرجة الأولى، مضيفا أن الحداثة الغربية وحدها لم تعد تفي بأغراض العصر الحالي.