طباعة هذه الصفحة

وداعا خالتي عائشة

نورالدين لعراجي
19 سبتمبر 2015

«وراء كل رجل عظيم امرأة».. هي المقولة الأكثر تداولا وشيوعا في أحاديثنا وحكاياتنا.. الحكمة التي تصف المرأة التي تكون سببا في نجاح رفيقها أو ابنها أو زوجها.. النجاح الذي نتحدث عنه في هذه الوقفة هو الشهادة الأبدية.. أو الموت في سبيل أن يحيا الوطن.. هي امرأة فضلت حياة البساطة واختارت التقشف منذ نعومة أظافرها.. امرأة رافقت الوطن في معركتي التحرير والبناء.. مفضلة العيش بعيدا عن الأضواء والمساحيق.. مدركة أن الوطن أكبر من أن نعيش في قصر.. أو نمتلك بناية شامخة.. أو حتى أن نسبح في ملكوت الفخفخة والمال.
هي المجاهدة عائشة طريفة، أرملة الشهيد زيغود يوسف، قائد الولاية التاريخية الثانية وقائد هجومات الشمال القسنطيني.. المجاهدة التي رحلت عنا هذا الخميس، عن عمر ناهز التسعة عقود ونيف.. مفضلة العيش بين أهلها وجيرانها بعد الاستقلال.. المرأة التي حاول الاستعمار الفرنسي تعذيبها ومارس عليها كل أنواع التهديد والوعيد.. إلا أن كل ذلك زادها إصرارا وعزيمة على المضي قدما صونا للعهد الذي حملته في قلبها للشهيد زيغود.. بعيدا عن صلة القرابة التي تجمعهما.. لأن العهد ليس ذلك الميثاق الورقي المدون في شهادة زواجهما.. إنما هو ميثاق متين لم تنل منه المعتقلات والسجون والمحتشدات ولو قيد أنملة.
خالتي عائشة لم يثنها الاستعمار في أن يظل بيتها مركز عبور للمجاهدين وعنوانا لكل الأبطال الذين دون التاريخ أسماءهم من ذهب في السمندو والقل والحروش وفي غيرها من الفيافي والجبال التي مازالت تحمل أثر قدميها.. كيف لا وهي رفيقة الشهيد زيغود يوسف، وهي تسأله ذات مرة عن الاستقلال قبل أيام من استشهاده، فقال لها إنه آتٍ لا محالة لكن الثورة ستنتهي.
خالتي عائشة، كما وصفها رئيس الجمهورية في برقية تعزية، «لقد كانت رفيقة درب صعب تكتنفه الأهوال والأخطار ولكنها تخطته بشموخ حرائر الجزائر».
فقد ظلت تعيش على الكفاف والبساطة، إلى أن فاضت روحها إلى بارئها غير مبدلة، وفارقت دنياها راضية مرضية من خالقها ومن الشعب الجزائري الذي أغنته أخلاقها عن كل الأسئلة.
يذكر أن الرئيس الراحل أحمد بن بلة منحها فيلا بالعاصمة، لكنها رفضت العرض وفضلت العيش بين جيرانها وأهلها، وهكذا كانت حياتها وهكذا ظلت إلى آخر نفس من حياتها الكريمة.
وداعا خالتي عائشة.. وداعا أيتها الحرة.