طباعة هذه الصفحة

الدكتـــــور موســــــى معـــــــيرش في حــــــوار مــــــع «الشعـــــــب»:

المثقف من يعبر عــــن قضايا أمتـه وهموم مواطنيها وانشغلاتـهم

حاورته: أمال مرابطي

بــــــــن نبــــــــي، أركــــــــون فلاسفــــــــة زمانهــــــــم
تجاهل ثلاثي الأدب، التاريخ والفلسفة سر تأخرنا

أين هي مكانة الفلسفة في الجزائر والعالم العربي. هل لا زالت تحتفظ بقوتها وموقعها في المشهد الثقافي الفكري الإبداعي؟ هل هي وجهة الباحثين وطلاب العلمي في الجامعات؟ هل تطرح الفلسفة التي كانت تسمى بأم العلوم إشكالية في الزمن المعرفي التكنولوجي والعلوم الدقيقة ؟ أسئلة يجيب عنها الدكتور موسى معيرش في هذا الحوار الذي أجرته معه «الشعب».

»الشعب»: كيف تجدون إشكالية الفلسفة بالوطن العربي والجزائر خصوصا؟
موسى معيرش:الفلسفة ليست جديدة على العالم العربي، عرفها العرب منذ الدولة الأموية، مع الكندي، انتشرت بقوة في عهد العباسيين، وبرز في ذلك الزمان فلاسفة كثر، تبنوا مختلف الاتجاهات الفلسفية، بل وأننا وجدنا منهم من يقدم مذهبا فلسفيا خاصا به، لدرجة أنه أطلق على الفارابي اسم المعلم الثاني، وهو لقب لم يمنح من قبله إلا لأرسطو.
في العصر الحالي، عادت الفلسفة للوطن العربي بطرق مختلفة، مجسدة مختلف المذاهب والأفكار، وظهر من الفلاسفة والمفكرين، العديد من أصحاب المشاريع الفكرية في المشرق والمغرب، كما هو شأن حسن حنفي في مصر، محمد عابد الجابري في المغرب وغيرهما.
أين الجزائر من هذا المسار والحركية؟
تاريخ الفلسفة في الجزائر، يعود إلى زمن أسبق، فقد عرفت البلاد في الحقبة  الرومانية، مختلف أشكال المدارس الفلسفية، كانت هناك المانوية، الدوناتية، وبرز فلاسفة كبار، ما يزال تأثيرهم كبيرا إلى اليوم، نذكر منهم القديس أوغسطين، صاحب عشرات المؤلفات والتصانيف.
أما في عصرنا الحالي، فقد ظهر جيل من الفلاسفة، يمكن أن نطلق عليه مصطلح الجيل المؤسس، وهو الجيل الذي أسس للفلسفة في الجزائر، عقب استقلال الجزائر، نذكر منهم عبد المجيد مزيان، عبد الله شريط، عبد الرزاق قسوم، الربيع ميمون، كريبع النبهاني، عمار طالبي، وبطبيعة الحال الفيلسوف الأكبر مالك بن نبي، ويضاف إليه محمد أركون.
ثم تلاه الجيل الحالي، الذي يعد أكثر غزارة في الإنتاج، وأكثر واعدية وقدرة، والذي أحسب نفسي  أنتمي إليه.
تشاركون بكتاب «تصنيف القيم بين الدين والفلسفة» في المعرض الدولي للكتاب المقام شهر أكتوبر، ما الذي تتوقعونه من هذا المعرض؟
فيما يتعلق بالمعرض الدولي للكتاب في الجزائر، أسعى للحضور بثلاثة أعمال جديدة، أولها الطبعة الثالثة من كتاب جدل الديني والسياسي، وكتابين جديدين، هما: فلسفة القيم، ماهيتها وطبيعتها، وكتاب تصنيف القيم بين الدين والفلسفة، حيث أتمنى أن تكون هذه الأعمال جاهزة للعرض، علاوة على بقية أعمالي التي ظهرت في السنوات الماضية، منها نظام الحكم في اليهودية، الذي صدر للمرة الأولى في العام الماضي، في حين حضرت بقية أعمالي تباعا في المعارض السابقة، كما هو شأن المعرفة والبحث العلمي، الفكر الإسلامي في المغرب العربي، اللذين حضرا للمرة الأولى في معرض 2008، بينما حضر كتاب قضايا الفلسفة العامة في 2011.
فيما يتعلق بأعمالي المختلفة وطيلة المعارض السابقة، نجد أنها وجدت صدى واسعا لدى القراء كما أخبرتني مختلف دور النشر، التي صدرت عنها، ذلك أن الجزائري بطبعه، تربطه علاقة مميزة بالكتاب، وهو يعرف التميز بين الكتب المهمة ذات النفع، والكتب المزخرفة التي تستخدم لتزيين المكتبات.
المثالية والواقعية
ما هي التساؤلات التي تشتغلون عليها في الحقل الفلسفي؟ هل الفلسفة المثالية أم الواقعية؟
سؤال في غاية الأهمية، خاصة وأنه جاء في الوقت الذي كثفت فيه عملي في السنوات الأخيرة، حيث أستطيع القول أني طيلة ست

سنوات، وأنا معتكف في مكتبة جامعة الأمير عبد القادر أربعة أيام على الأقل في الأسبوع، وأحيانا ستة، لتقديم مشروع فلسفي كبير، في فلسفة القيم، خاصة أن هذا المبحث من الفلسفة، في غاية الأهمية، إلا أنه مهمل، وإذا وجدنا بعض الدراسات فهي تتسم بالتقليدية، وبعيدة عن التجديد، ولا تضيف جديدا، غير أن ما أعمل عليه يختلف تماما عن الدارسات التقليدية للقيم، وأتمنى أن يكتمل هذا المشروع الكبير، قبل سنة 2020، إن أمدني الله بالصحة والعافية.
علاوة على سؤال القيم، تشغلني إشكالية الديني والسياسي، وهذا ما تجسد في بعض أعمالي، وفي المشاريع الفكرية ورسائل الماجستير والدكتوراه التي أشرف عليها. ويبدو أنك لاحظت أنني أهتم بالتنظير، أكثر من اهتمامي بالتطبيق، وذلك يعود إلى إيماني أن هناك مسؤولية المفكر تختلف عن مسؤولية السياسي، وعلى كل منهما، أن يقوم بدوره، صحيح أن السياسي بدون مفكر، يبقى يدور في دوامة مقفلة، كما أن المفكر مضطر إلى أن يقدم رؤيته، بغض النظر إن وجد من يحولها إلى واقع أم لا، فقناعته بأن اليوم التي تفهم فيها أفكاره لا محالة قادم، وإذا نظرنا إلى أوروبا المعاصرة والحديثة، وجدنا أن الأفكار سبقت السياسيين الذين جسدوها فيما بعد، وقاد ذلك إلى ما نراه من تطور، فعملية صنع الإنسان تسبق عملية إنتاج الأشياء.
ارتباطكم بالحقل الفلسفي والسياسي، جعلكم تغوصون في جدلية الأخلاق والقيم، وتسلطون الضوء على هاته الثنائية التي غابت مع انتشار البحوث العلمية والتطور العلمي، برأيكم هل عجزت الفلسفة عن مجارات الأمر في ظل ما يشاهده العالم من خلل في التوازنات بين الشرق والغرب؟
تمثل الأخلاق مظهرا من مظاهر القيم، علاوة على الحق والجمال في التصور التقليدي للفلسفة، غير أن انفصال العلوم عن الفلسفة، والنتائج الطيبة التي حققها هذا الانفصال، جعل الجميع يسعى على سلك طريق المنهج العلمي التجريبي وأهمل القيم، فأهمل الحديث عن الفعل الأخلاقي وتخلى عن قواعد العقل وفقد الذوق الجمالي.
وعجز الفلسفة عن مجارات الأمر، لا يعود إلى عجز فيها، وإنما إلى غلبة التفكير العلمي، المرتبط بالحاجة المادية للإنسان، مما جعل بعض من الناس يعتقد أن الحضارة تقوم على علوم المادة، وليس على علوم الإنسان، فكان السعي إلى استيراد الآلات، والكماليات، ودعوة الشركات المتعددة الجنسيات لبناء ناطحات السحاب، وتجريب مختلف أنواع السيارات.
فكان الفشل ذريعا فأوجدنا إنسانا يستهلك ما لا ينتج، ويلبس مما لا يخيط، ويتطبب بأدوية فيها هلاكه، تغطي المرض ولا تقضي عليه. 

ويقيننا راسخ، وهذا اليقين، كشف عنه الماضي والحاضر، ومستقى من تجارب الشعوب والأمم، وهو أن المستقبل للقيم.
الأدب، التاريخ والفلسفة.. ثلاثية وجدت وزنها في الفكر العربي قديما، إلا أنها بالعصر الحالي وجدت التهميش والا ستبعاد من دائرة التأثير في الساحة الثقافية، لما هذه القطيعة؟
فعلا، التجاهل لم تعان منه الفلسفة فحسب، وإنما عانى منه صويحباتها أيضا، ونقصد بذلك التاريخ والأدب، ولا يمكنني أن أتصور، مجتمع يتطور، وهو يتجاهل هذه الثلاثية، وهذا سر تأخرنا، وتقدم غيرنا.
«الربيع العربي» تعبير عن أجندات خارجية
ثورات ما يعرف بالربيع العربي قابلها غياب الفكر الفلسفي الذي يهتم بالقيم.. هل هذا سر فشلها؟
ثورات «الربيع العربي» عبارة عن زبد وغثاء سيل، جاءت دون إعداد ذاتي، وإنما فرضت فرضا، كانت لا تخدم الشعوب التي ظهرت فيها، وإنما كانت تعبر عن أجندات خارجية، ليست في صالح الشعوب العربية، مع أنها اتخذت الحرية شعارا لها، كما اتخذ معاوية ومن معه قميص عثمان بن عفان شعارا لهم.
الثورات الحقيقية تأتي من داخل الشعوب، وينظّر لها أبناء هذه الشعوب، وتسعي إلى خدمة هذه الشعوب، وهذا ما لا نراه متوفر في ثورات ما عرف بالربيع العربي، فهي تكرار لثورات الشريف حسين التي انتهت بغرس إسرائيل في فلسطين، وهذه الثورات تهدف إلى القضاء على جبهة الرفض المتبقية للهيمنة الغربية.
لكل كاتب عمل مفضل من أعماله، ما هي أفضل أعمالك؟
كل عمل جديد أصدره، أشعر بأنه عملي المفضل، غير أنني أدرك أن عملي الأفضل سيظهر عندما تكتمل بقيت أعمالي.
ولمن تقرؤون؟
أقرأ كل ما يتعلق باهتمامي، لا أختار ما أقرأ وإنما أنتفع بما أقرأ.
حسب وجهة نظركم من هو المثقف الحقيقي؟
هو من يعبر عن قضايا أمته.
مشاريعكم الفكرية القادمة؟
أعمل على إكمال مشروعي الكبير الذي فتحته في فلسفة القيم، أدعوا الله أن يوفقني فيه.
كلمة أخيرة؟
أشكر جريدة «الشعب» على هذه الفرصة التي أتيحت لي، حتى أخاطب من خلالها المثقفين، جريدة «الشعب» التي حملت دوما هموم الشعب الجزائري، الثقافي منه والسياسي.