طباعة هذه الصفحة

مراد برور الخبير الدولي في شؤون الطاقة لـ الشعب :

أزمة الأسعار عابرة و تنتعش في 2017

أجرت الحوار: فضيلة بودريش

للجزائر قدرات لإقلاع اقتصادي وتنموي قوي

يشخص مراد برور الخبير الدولي الجزائري في مجال الطاقة، واقع وآفاق السوق النفطية والتحديات التي تواجه منظمة الدول المصدرة للنفط “أوبيك” في ظرف يتسم بتسجيل المزيد من الانهيار للأسعار في الأسواق الدولية، متوقعا أن سنة 2016 ستظل على صعوبة التوقع لمؤشرات قطاع المحروقات لكنه يعتقد أن الأزمة عابرة وستعرف تراجعا بداية من2016 و2017 حيث سوف تشهد الأسعار الارتفاع مجددا، وتسترجع منحاها التصاعدي خاصة على المدى الطويل، ويتحدث في هذا الحوار عن قدرة الجزائر في تجاوز الأزمة الراهنة التي تعصف بالدول المصدرة للذهب الأسود.
- الشعب الاقتصادي: سعر برميل النفط تراجع إلى النصف منذ صيف ٢٠١٤...ومنظمة الدول المصدرة للنفط تشهد أزمة، هل تعتقد أن الوضع سوف يتدهور أكثر؟
* مراد برور: نعيش هذه المرحلة منذ صيف2014 حيث الأسعار تراجعت إلى النصف والعوامل متعددة نذكر منها فائض العرض بفعل إنتاج النفط الصخري الأمريكي والارتفاع المحسوس في قيمة عملة الدولار يضاف إليها إفراط بعض الدول العضوة في “الأوبيك” في الإنتاج، إلى جانب ترك المنظمة لقوى السوق لتتحكم في استقرار الأسعار وغياب قوى تؤثر لتصحيح الوضع وإعادة التوازن، كل ذلك يسجل في وضع تراجع فيه الاقتصاد العالمي وتباطؤ نموه حيث سجل3٪ في2014.
-  تخوض كل من الجزائر وفنزويلا معركة بهدف تصحيح الأسعار وتدارك التراجع الكبير الذي سجلته أسعار النفط، هل بإمكان نظام الحصص أن يساعد على ذلك؟
* في الواقع الجزائر وفنزويلا وكذلك إيران خلال عودتها في آخر اجتماع للمنظمة رافعت مؤيدة سياسة الدفاع عن الأسعار متخلية عن سياسة الدفاع عن الحصص، حيث عدم احترام الحصص الذي سجل منذ نوفمبر2014 تسبب في الوضع الحالي. واتجهت الاوبيك نحو الدفاع عن الأسعار، والموقف الذي اتخذته الجزائر صحيح لكن نفوذ الدول الأكثر إنتاجا داخل المنظمة أثر على التوصل إلى اتفاق للدفاع عن سياسة حصص السوق، ولم تعد تطبق سياسة الحصص، لكنها حددت سقف الإنتاج الإجمالي للدول الأعضاء بـ30مليون برميل يوميا، غير أن هذا السقف لم يحترم على اعتبار أن مستوى الإنتاج بلغ32 مليون برميل يوميا، حيث ساهمت في إغراق السوق بشكل غير منقطع، لذا “الأوبيك” عادت باتجاه الدفاع عن الأسعار، لكن بالموازاة مع ذلك هل تراجع وانخفاض الوضع المالي للدول الأكثر إنتاجا بالمنظمة سيسمح لها بالمثابرة والتمسك مجددا بهذا الموقف الانتحاري؟ لكنني لا أشك..

المزيد من الضغط على الأسعار  
        
-كيف تتوقعون عودة إيران والعراق إلى الإنتاج وسوق العرض، وما تأثير ذلك على الأسعار؟
- بالنسبة لعام2016 منظمة “الأوبيك”في مواجهة عودة عرض معتبر من حيث الكمية من طرف أهم الاعضاء، لأن إيران سوف تطرح ما لا يقل عن1 مليون برميل يوميا، تضاف إليها قدرات ليبيا الانتاجية غير المستغلة والتي لا تقل عن مستوى1 مليون برميل يوميا، بينما العراق تتراوح طاقته الإنتاجية ما بين500 ألف و 1مليون برميل يوميا، غير أن الالتزام والانضباط داخل “الأوبيك” يرتكز على تقاسم الصعوبات والتحديات، وللعلم إيران ترغب في حصة تناهز4.3 مليون برميل يوميا، لكن مازال لا يعرف الوضعية الاستعدادية لها. في حين يمكن القول أن القدرات غير المستغلة للمنظمة في2016 سوف تبلغ2 مليون برميل يوميا، واتفاقها مع إيران يدخل حيز السريان في منتصف ديسمبر الجاري، ولا يخفى أن عودة الانتاج الإيراني قريبا  بدأ يؤثر على السوق النفطية، وينتظر ان لا يقل عن حدود 1مليون برميل/ يوم، لذا لا يستبعد مواجهة خطر فائض في العرض يبقي على تفاقم الوضع خلال العام المقبل، حيث يسجل المزيد من الضغط على الأسعار لتتكبد تراجعا جديدا، ويصعب في ظل هذه المعطيات التيقن بالمؤشرات التي تميز عام2016.
يذكر أن عودة الدول الهامة في المنظمة للإنتاج عقدت الأمور، خاصة إذا علمنا أن أندونيسيا التي أعيد إدماجها كعضو يبلغ إنتاجها 850 ألف برميل/ يوم، ومن الضروري أن يأخذ كل ذلك بعين الاعتبار. وأعتقد أن تماسك “الأوبيك” سيزداد صعوبة في وقت الإنتاج خارج المنظمة والعنصر الرئيسي فيه والأكثر أهمية من حيث الحجم أمريكا وكذا روسيا مما سوف يستمر في الضغط والتأثير على المنظمة.
- ألا تعتقد أن هذه الأزمة تؤشر نحو تسجيل تطور جديد في السوق البترولية؟
* نعم “أوبيك” لا يمكنها أن تعمل كـ«كارتل”، لأن تجميع السوق يتطلب ضخ العرض عندما يكون السعر مرتفعا، وعندما يكون السعر منخفضا لا يشجع المستثمر ويضع المنتجين في خطر، ويجب إدراك أنه اليوم يوجد عارضين آخرين يتواجدون بالسوق ليسوا أعضاء في المنظمة ولهم القدرة على تعويض نقص إنتاج “الأوبيك”، وعلى سبيل المثال الولايات المتحدة الأمريكية فرضت نفسها خلال هذه الأزمة “كمنتج بديل”“swingproducer”، إلى جانب زيوت الصخري التي تعد الأكثر إنتاجا ومرونة وتفاعلية مع الأسعار، تضبط وتتحكم في السوق مستقبلا.
وبخصوص الصناعة البترولية والبحث عن توازن جديد، يوجد عرض خارج المنظمة أكثر مرونة وتفاعلية على الأسعار، لذا من المرتقب أن يشهد الطلب جمودا بفعل التعديلات التي مست العرض، والجدير بالإشارة فإن حوالي ثلثي الأسعار التي تضخ من طرف دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية تمتص صدمات آثار الأسعار. وفي الواقع نعيش اليوم تغييرا هيكليا وندخل في نموذج اقتصادي جديد صار العرض يتسم فيه بمرونة أكبر وأكثر حساسية بسبب التقدم التقني المسجل، مع حضور لافت للأسواق المالية، وعلى صعيد التنظيم والضبط تتقاسم الولايات المتحدة الأمريكية مع “الأوبيك” دور “المنتج البديل”، ويمكن التأكيد أن المنظمة يجب أن تجد مكانها في هذا النموذج الجديد وتواكب التغير الجاري، رغم أن هذا التحول المسجل يأتي في سياق اقتصادي لا يتسم بالكثير من الملاءمة، أي أن آثار الأزمة العالمية لـ2008 مازالت لم تختف بعد، بالنظر إلى تراجع قيمة عملة الاورو بالنسبة للدول الأوروبية، بينما الصين انتقلت من نموذج النمو الذي يعتمد على الصادرات إلى نموذج يركز اهتمامه على اشباع الطلب الداخلي، كل ذلك يؤثر بثقله على السوق البترولية في سياق يصعب فيه التوقع.

وضع حيز التجسيد النموذج العملي للاقتصاد الوطني

- التحدي الذي يواجه الجزائر اليوم لا يطرح على صعيد ارتفاع أو تراجع أسعار المحروقات، لكن على مدى قدرتها في إنجاح التحول الهيكلي لاقتصادها؟
* صحيح، إن التحدي الذي تواجهه الجزائر يتمثل في ارتكاز اقتصادها على ثروة المحروقات غير المستقرة، والتي تعرف أسعارها مضاربة قوية في الأسواق الدولية، ويجب أن نغتنم فرصة هذه الأزمة لنضع حيز التجسيد النموذج العملي لاقتصادنا وتنويعه صار اليوم حتمية، لذا يجب للتنمية أن ترتكز على خلق الثروة من طرف المؤسسة الإنتاجية التي ينبغي إنعاشها وإعادة بعث نبض حركيتها والسير باتجاه “الوطنية الاقتصادية” والأولوية لكل ما هو جزائري، هذا من جهة ومن جهة أخرى يجب أن تتكفل الدولة بتهيئة الظروف لرفع تنافسية المؤسسة لدعم توسعها. ومن أهم ما يميز الجزائر وجود نسيج من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة يتطلب ربط المؤسسة بالجامعة ومراكز البحث، بينما الثروات النفطية والطبيعية تبقى مصدر قوة للجزائر تضاف لتحقيق الطموحات التنموية إلى جانب الطاقات المتجددة.
- ما هي آفاق الاقتصاد الجزائري على ضوء انهيار أسعار المحروقات التي مازالت تواصل تدهورها؟
­­­* أعتقد أن سنة 2016 ستبقي على صعوبة التوقع على صعيد قطاع المحروقات، لكن أظن أن هذه الأزمة عابرة وتبدأ بالتراجع بداية من2016 و2017 حيث ستشهد أسعار النفط ارتفاعا، وتسترجع منحاها التصاعدي، من أجل كل ذلك يجب أن تكون ردة فعلنا لأزمة الأسعار بـ«دم بارد” لأن الجزائر تتوفر على الإمكانيات المالية والأجهزة والثروة البشرية لتبني الإستراتجية الضرورية، إذا قناعتي تكمن في أن سعر البترول يتجه نحو الارتفاع على المدى الطويل، وعلى اعتبار أن ثروة المحروقات لا يمكن الاستغناء عنها، بالإضافة إلى أن كوكب الأرض استهلك أكبر حصة من هذه الثروة، هذا ما سيتسبب في ارتفاع الطلب على النفط على المدى الطويل خاصة من طرف الدول الناشئة ومن قطاع النقل الذي يستهلك نحو70٪ من المحروقات في العالم، يذكر أن التوجه يتمثل في تنويع الاقتصاد وتقوية الفاعلين في مجال الطاقة وتعزيز دورهم مثل “مجمع سونطراك” ومنحها الإمكانيات لفرض نفسها كمجمع بترولي قوي من خلال تعزيز من الجانب التسييري والإداري والتكنولوجي وتقوية احتياطاتها وضمان تلبية الطلب الطاقوي الوطني على المدى الطويل والانخراط في التحول الطاقوي وكذا تطوير الطاقات المتجددة، وخلاصة القول أن مؤسساتنا وجامعاتنا أمام تحدي حقيقي في ظل توفر الظروف لتطوير صناعة قوية حتى يتحقق الإقلاع الاقتصادي المنشود من خلال تجميع الطاقات الحية والذكية.