طباعة هذه الصفحة

تهيئة وادي المكرة وتحويله إلى منتجع سياحي وترفيهي

وضع مخطّط لحماية سيدي بلعباس من الفيضانات وتشغيل نظام الإنذار الوحيد

سيدي بلعباس: غنية شعدو

10 ملايير دج الغلاف المالي للمشروع

تتكوّن الخارطة الهيدروغرافية لولاية سيدي بلعباس أساسا من وادي المكرة، الذي يرتبط ارتباطا وثيقا بالمنطقة وسكانها، بدليل أنّ الكثيرين يفضّلون إطلاق تسمية عاصمة المكرة على المدينة، وهو ما يعكس الإمتداد التاريخي للوادي وأهميته الإيكولوجية، فهو يمتد على طول 130 كلم ويعبر إقليم الولاية من جنوبها حتى شمالها مرورا بأزيد من 20 بلدية.

وادي المكرة الذي ينبع من بلدية رأس الماء بجنوب الولاية بمحور الهضاب العليا، ويتربّع على مساحة 300 كلم مربع، ويعتبر مصبا ومكانا لتجمّع مياه كل من وادي سكرانة الكائن بمنطقة القور بتلمسان وكذا واد تاوجموت بمنطقة حمليلي بتلمسان أيضا، حيث تتجمّع مياه الواديان بكميات كبيرة وتلتقي بمياه المجاري الفرعية التي تصب في الوادي لتنتقل إلى مجرى الرئيسي للوادي الذي يمر عبر عديد البلديات مشكلا 25 نقطة مهددة بالفيضان.
يستقبل وادي المكرة يوميا أزيد من 250 لتر في الثانية من مياه الصرف الصحي والمياه القذرة، الأمر الذي يتسبّب في تلويث القناة وتفاقم الإنبعاثات والروائح المزعجة عبر مختلف التجمعات السكنية التي يمر بمحاذاتها. وكمرحلة أولى وللحد من المشكل تمّ اقتراح إنجاز أنظمة تصفية المياه بمناطق عبور وادي مكرة انطلاقا من بلدية رجم دموش جنوبا مرورا ببلديات واد السبع، بوخنافيس، سيدي ابراهيم وسيدي حمادوش، وهي العملية التي تهدف إلى القضاء نهائيا على المياه القذرة التي تصب في الأودية من خلال تصفيتها، معالجتها والإستفادة منها.
وتجري الأشغال حاليا لتطهير مجرى الوادي كمرحلة أولية بغلاف مالي فاق المليار دج، حيث تمّ إحصاء 46 مصب للمياه القذرة منها 42 مصب منزلي على طول الوادي تمثل 27 بالمائة من الحجم الإجمالي للمياه المستعملة، على أن يتم لاحقا إستغلال المياه القذرة في أغراض أخرى فلاحية وصناعية بعد تحويل مسارها وإخضاعها للتصفية والمعالجة.
هذا وتعنى المرحلة الثانية من المشروع بأشغال تهيئة محيط الوادي على طول 5 كلم، وتحويله لمنتجع ترفيهي وموقع سياحي بامتياز من خلال تشييد فضاءات خضراء مخصصة للإستجمام وأماكن للتنزه على طول ضفافه بعد تكليف المهمة للشركة الكورية التي قامت بإنجاز مشروع تهيئة وادي الحراش بالعاصمة، حيث تمّ تخصيص غلاف مالي قدره 100 مليار سنتيم للمشروع الذي تجري حاليا أشغال دراسته، على أن تعرض على المجتمع المدني والمواطنين عموما بعد الفراغ منها.

مخطّط عام لحماية الولاية من أخطار الفيضانات

عاشت ولاية سيدي بلعباس وخلال عقود من الزمن مشاكل بالجملة ناجمة عن أخطار فيضان وادي المكرة، وهو الوضع الذي أرّق مسؤولي الولاية والسكان على حد سواء، ما دفع بالجهات الوصية إلى التفكير في أكثر من حل لإحتواء الوضع بداية بتنقية الوادي، توسعته وإعادة تهيئة مجاريه وروافده، ومن ذلك أشغال التسطيح وتدعيم الحوافي وتسريح المجاري المسدودة بهدف الحماية من الفيضانات وتحسين جريان المياه وتفادي أخطار تسرب المياه خارج الوادي بالبلديات الأكثر تعرضا للسيول على غرار رأس الماء ومولاي سليسن وسيدي خالد وسيدي لحسن وبوخنافيس.
هذا وتمّ لاحقا وضع مخطط عام لحماية هذه المناطق من خطر الفيضان، يشتمل على إنجاز مجرى جانبي بالجهة الجنوبية للمدينة من شأنه التقليل من سرعة تدفق المياه بالمجرى الرئيسي، وتجنيب البعض من الأنسجة الحضرية خطر الفيضان، ليتم لاحقا التفكير في تشييد سد واقي يعمل على امتصاص كميات هائلة من مياه الوادي وتجنيب كل المناطق المهددة من خطر الفيضان.

سد الطّابية الحامي الحقيقي للمدينة

أظهر سد الطابية الوقائي نجاعته في إمتصاص مياه فيضان وادي المكرة، حيث تنفّس السكان الصّعداء بعد دخول هذه المنشأة الخدمة منذ أزيد من خمس سنوات، حيث تمكّن السد من القيام بدوره على أكمل وجه في الإحتفاظ بمياه وادي المكرة، الذي يبلغ تدفقه 1200 متر مكعب في الثانية والسماح فقط بتدفق 100 متر مكعب في الثانية والإنسياب عبر الفتحة التي تسمح بتنظيم مجرى مياه الفيضانات دون أن يلحق أي ضرر بالقاطنين بالمناطق المهددة بالفيضان.
هذا ويعدّ السد مكسبا حقيقيا للولاية بعد أن أصبح الحامي الحقيقي للمدينة ومختلف البلديات كسيدي خالد، بوخنافيس وسيدي لحسن، وكذا عاصمة الولاية من خطر الفيضانات الموسمية، حيث تصل طاقة استيعابه إلى 25 مليون متر مكعب، وكلّف خزينة الدولة 210 مليار سنتيم، كما تمّ أيضا إنجاز قناة على طول 13.5 كلم لاستيعاب كميات المياه التي تتدفق من سد الطابية في حال امتلائه عن آخره، وصرف 100 متر مكعب في الثانية عبر الوادي.

وضع نظام إنذار الأول من نوعه وطنيا  

كانت ولاية سيدي بلعباس سبّاقة ورائدة وطنيا في العمل بنظام الإنذار من أخطار فيضان الوادي، وهو النظام الذي سيدخل الخدمة بسد الطابية مع بداية السنة، حيث يعدّ المشروع مكسبا حقيقيا للولاية ويندرج في إطار استراتيجية وزارة الموارد المائية بالتنسيق مع الديوان الوطني للتطهير لوقاية المناطق المهددة بالفيضانات، وهو الجهاز المتصل عن طريق نظام الإتصال اللاسلكي “جي أس أم” إنطلاقا من محطة لقياس منسوب المياه والأمطار بمركز التحكم، والذي يسمح مستقبلا بتقديم المعلومة في الوقت المحدد وتحديد درجة الخطر، وكذا تجنب أخطار الفيضانات الناجمة عن تدفق مياه وادي المكرة في حينها، كما يقوم نظام الانذار بتسجيل ومراقبة نسبة ارتفاع منسوب المياه بالوادي وإرسال المعلومات إلى مصالح المراقبة المختصة وكذا تسجيل نسبة التساقط، ما يمكن من اتخاذ كافة الإجراءات الوقائية اللازمة قبل حلول كوارث طبيعية.

 جسور جديدة وعصرية عبر مجرى الوادي

باشرت السلطات المحلية عملية واسعة لتعويض كل الجسور التابعة لوادي المكرة بجسور أخرى جديدة مشيدة وفق مقاييس ذات جودة وفعالية من شأنها حماية هذه المناطق من خطر الفيضان وضمان السلامة في حركية التنقل أثناء التساقطات، حيث تعدّ هذه الجسور نقاطا سوداء لطالما أثارت قلق المواطنين، وهو الحال بالنسبة لجسر سيدي لحسن الذي يعود تاريخ إنجازه إلى الحقبة الإستعمارية حيث لم يعد بإمكانه استيعاب الكمية الهائلة من المياه التي تمر عبره، والتي تتراوح بين 80 و100 متر مكعب في الثانية والتي تتدفق من بلدية طابية قادمة من الجنوب، وهو ما أضحى يتطلب تعويضه بجسر جديد حيث تجري الأشغال حاليا لتحويل شبكات الغاز والماء كمرحلة أولية قبل شروع المقاولة في أشغال الإنجاز.
وفي ذات السياق، تمّ اقتراح المحافظة على الجسر القديم وجعله ممر للراجلين خدمة للمنفعة العامة، وتشييد الجسر الجديد بمكان أوسع نظرا لإخضاع الوادي مؤخرا لعملية توسعة على طول سبعة كيلومترات، وهو ما سينعكس إيجابا على الوضع بحيث سيساهم في تسهيل عملية تمرير المياه دون أضرار ودون تسجيل أية مخاطر.
هذا وسيتم لاحقا تشييد جسرين آخرين الأول بالطريق الشمالي الجنوبي لعاصمة الولاية والثاني  يدخل في إطار إنجاز مشروع السكة الحديدية بطريق عين تموشنت.

معاناة ومآسي لا تنسى

إنّ معاناة سكان سيدي بلعباس مع فيضانات وادي مكرة ليست حديثة العهد، بل تعود لسنوات طويلة تحمل في طياتها مآسي وأحداث لا تنسى، حيث اعتاد قاطنة المدينة ومع بداية التساقطات الخريفية على السيول الجارفة التي تكتسح الشوارع
والأحياء، وتشلّ حركية السير وتحدث شللا عاما في الحياة اليومية من عمل ودراسة أين تضطر السلطات المحلية لتشكيل خلية أزمة لتتبع الوضع،
ويتجند العام والخاص لفتح الممرات والطرق. وبالموازاة يعيش السكان القاطنون بمحاذاة الوادي ليالي بيضاء خوفا من التسربات المائية، أما خارج الأنسجة الحضرية فتتسبب السيول الناجمة عن فيضان الوادي في إتلاف المحاصيل الزراعية بالأراضي المتواجدة على ضفافه، الأمر الذي يتسبب في خسائر بالجملة للمواطنين في ممتلكاتهم وأموالهم ويكلف بالمقابل خزينة الولاية الملايير لأجل إصلاح الأعطاب وتعويض المواطنين عن الأضرار التي لحقت بهم. وهي مشاهد الفيضانات التي عاشتها الولاية لسنوات، ولعل أخطرها تلك التي حدثت سنتي 1986 و1994، لكن أكثرها الذي سجّل سنة 2007 أين تسبّب في هلاك رئيس دائرة مولاي سليسن ونائب الفرقة الإقليمية للدرك لذات الدائرة إلى جانب 3 شقيقات، ليعاود الكرة هذه السنة وبالتحديد في 18 أكتوبر بعد أن جرف الوادي شيخ في الستينيات من العمر بمنطقة رأس الماء جنوبا عند نقطة التقاء أودية تلمسان بوادي المكرة.