طباعة هذه الصفحة

“ الشعب” تنقل انشغالات الحرفيين في الصالون الوطني بوهران

غـلاء المـادة الأوليـة، الاستــيراد والوسـطاء الفوضويــون عوائــــق في تطــــور الصناعــــة التقليديــــة

وهران: براهمية - م.

التمويل الحلقة الأضعف والتصدير أكبر التحدّيات

يعتبر عام 2015، من أكبر الأعوام ترويجا للمعارض والصالونات  التي تشجّع وبشدّة المنتوج الوطني. وهو منتوج يقوم بشأنه حملة وطنية لاقتنائه تحت شعار”استهلك جزائريا”.  كان من أبرز الانشطة للعام المنقضي “الصالون الوطني الـ19 للصناعات التقليدية”، الذي تتواصل فعالياته بمركز الاتفاقيات “محمد بن أحمد” بوهران من 27 ديسمبر إلى غاية 02 جانفي الجاري،  باعتباره فرصة مهمة، تمكّن الزائر من الحصول على منتوجات محلّية، فريدة بنكهتها التاريخية والإبداعية الرائعة. أجملها، الخزف الفني والمنتوجات النحاسية، وغير ذلك من المنتوجات الفنية التي صنعت بمهارة عالية. إلا أن القطاع، يعاني عدة صعوبات، تحول دون بروزه  كصناعة قويّة، بحسب شهادات أصحاب الحرف بوهران لـ “الشعب”، كل التفاصيل في هذا الاستطلاع.
 يرى بو عبد الله عمر، حرفي مختص في الخزف الفني ببلدية بابا حسن، التابعة لدائرة درارية بالجزائر العاصمة، منذ سنة 1982، أن صناعة الخزف، تعتبر من أبرز الفنون التقليدية في الجزائر  وأكثرها جمالا وعراقة، كما أن جودة المنتوج، تتحكم فيه طبيعة المواد الخام المضافة التي تشهد أسعارها ارتفاعا محسوسا، وفي أغلب الأحيان يكون ثمن المواد الأولية لمنتوج أكبر من ثمن البيع النهائي، يضيف نفس المتحدث في تصريح لـ “الشعب”.
إجراءات جمركية بطيئة
 اشتكى بو عبد الله،  بطء الإجراءات الجمركية، وغياب نظام للدعم،  يتلاءم وحاجيات القطاع في التسويق، داعيا  إلى تخفيض تكاليف المنتوج الوطني لمنافسة الأجنبي . واقترح  بو عبد الله على  مجموعة « الفنادق »  ومختلف الجهات الفاعلة في القطاع السياحي، بإدراج  الحرف والصناعات التقليدية المحلية، ضمن البرامج  والمبادرات المتعلقة بالقطاع، لتشجيع أصحاب المهن التقليدية على الإبداع وضمان استمراريته.
وتابع بوعبد الله قائلا: “نحاول تشجيع الشباب للإنخراط في ورشات الصناعة التقليدية، بغية تنمية الحس الجمالي الإبداعي، خاصة وأنها من أهم الثروات التي تمتاز بها الجزائر. وهي بالإضافة إلى كونها قوة اقتصادية مهمة، تكتسي صبغة ثراثية ثقافية واجتماعية، تجلب زوارا على المستوى الوطني والعالمي. من جهته، ذكر محمود شيبوب، حرفي في ميدان الخزف الفني، أيضا بتجرته قائلا:« تعلمت الحرف من الوالدة، منذ السبعينيات، كنت موهوبا في الرسم، صقلت مهارتي عن طريق التمرّس وعملت على تجسيد مشاريع التكوين بأجر رمزي مساعدة للشباب، خاصة أبناء المنطقة، كحل لمشكلة البطالة والفراغ القاتل.
أبرز محمود لـ«الشعب” بأنّ الخرف الفني، له مستقبل زاهر، وهو ما توصّل إليه من خلال مشاركته بالصالونات الدولية خارج الوطن، مبينا أنّه تلقى طلبات من السعودية وقطر لإعادة تسويق هذه المنتوجات الفاخرة للمؤسسات الفندقية، كما أكد أنه تلقى عروضا من مسؤولي النقل بباريس لتسويق سلعه بمحطات الميترو والترامواي وغيرها من وسائل النقل الأخرى.
وأضاف محمود أنّ الحرفيين يبذلون مجهودا مضاعفا لتسويق المنتجات الفنية وتصديرها إلى الخارج، متفوقين على الإسبان وغيرهم من دول الجوار، منتزعين بكل جدارة أولى الجوائز، مثلما حدث خلال الصالون العالمي للسيراميك والزجاج، بإسبانيا عام 2000.
دعا الحرفي الى خطة إستراتيجية يشرك فيها الصانع  التقليدي للنهوض بالقطاع بعد إصلاح خلله وعلاج نقاط ضعفه دون ترك الادارة تقرر لوحدها وتبعد أهل الاختصاص.
الفخّار يواجه منافسة غير نزيهة
ويطالب الحرفي شيوب بنظام تمويل يتلاءم وحاجيات الصناعات التقليدية وتبقى، بحسبه، عاصمة الغرب الجزائري وجهة مفضلة، لتوفيرها فرص أكبر للتعريف بالمنتوج التقليدي الجزائري في مختلف دول العالم، نظرا لمكانتها المرموقة في خارطة السياحة العالمية.
أكد دحمان فرحات، مختص في صناعة الفخار، مشارك من تيزي وزو، على ضرورة معالجة نقاط الضعف التي تحول دون تحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية للصانع التقليدي ومنها: استحواذ الوسطاء على السوق وضعف التواصل بين الصناع التقليديين والإدارة الوصية. وبحسب فرحات، فإن “صناعات الفخار، تتميّز بأسعارها التنافسية لتوفر المادة الأولية، وأدى هذا إلى تشكيل مجموعات مهنية من ممارسي هذه الحرف. ومع ارتفاع الطلب عليها فتحت ورشته الفرصة لمتربصين وحرفيين متمرسين، يعملون على تطوير هذا النوع من الصناعات التي تعرف اقبالا كبيرا من البلدان الخارجية، إلا أنه اشتكى “صعوبة التصدير والمشاركة في المعارض الدولية”.
صناعة النحاس بسرتا مهدّدة
 ولا تزال صناعة النحاس سيدة المشهد الفني الجزائري، بوصفها حرفة تمتد إلى عصور غابرة. ونظرا لمكانتها المهمة لدى الأسر الجزائرية، تعدى صداها الحدود الجغرافية، غير أنها مهددة بالزوال، بسبب ارتفاع أسعار المواد الأولية وطغيان الأدوات المعدنية المختلفة.
وبالرغم من ذلك، لا يزال عدد كبير من أبناء مدينة الجسور المعلّقة، قسنطينة، يمارس هذه المهنة، نظرا لإقبال السياح على شراء نماذج متعددة من المنتوجات النحاسية الفاخرة التي نقشت عليها رسومات  تسحر الألباب وتغري المتفرج.
ولا يزال عدد غير قليل من أبناء المدن الجزائرية، يمارس هذه المهنة، نظرا لإقبال السياح على نماذج متعددة من منتوجاتهم النحاسية الفاخرة التي نقشت عليها رسومات تسحر الألباب وتغري المتفرج بالشراء.
من الحرفيين الذي شدّ انتباهنا بالباهية، جمال مكي (23 سنة ) الذي يمارس هذه المهنة، منذ عشر سنوات بباردو، وسط قسنطينة قائلا لنا ان المنطقة قبلة لحرفيي النحاس والتي انفردت عن باقي أسواق مدينة الصخر العتيق بكثرة محلات بيع وصناعة النحاس بمختلف أنواعه.
قال جمال لنا في هذا الصدد:« أنّ عاصمة الثقافة العربية مدينة الجسور المعلقة، تتميّز عن باقي المدن الجزائرية، وحتى العربية بالنقوش الزخرفية الفريدة التي تدل على إبداع وحرفية الصانع الجزائري، ولا يقتصر على الأواني المستخدمة من قبل العائلات،  بل يتعداه إلى الحرف التي تستخدم في ديكور البيت أو لإهدائها في المناسبات .. منتجات النحاس بأنواعه الأصفر والأبيض والأحمر تنشر الافراح والمسرات وتزين بيت العروس.”
كما تحدّث جمال مكي، على إكراهات السوق وارتفاع أسعار المواد الأولية في قطاع الصناعة التقليدية وندرة أصناف كثيرة منها، وهي واحدة من المشاكل التي تواجه فن النقش على النحاس، الذي يتم  باليد وبآلات وأدوات تقليدية كالمطرقة والمسامير، بالإضافة إلى أحماض للتلميع، مما يضفي على كل قطعة نفحة التميز والأصالة.
ويرى بأن”بطاقة هوية قسنطينة مهدّدة، إذا لم يتم الاهتمام بهذه الصنعة التي شكلت على مدى قرون طويلة من الزمن، إلى جانب حرف وفنون أخرى، جزءاً من الثقافة الجمالية الجزائرية، وأن من الحلول المناسبة لظاهرة عزوف الشباب عن العمل بالحرف اليدوية، أن نعمل على غرس حب العمل في الشباب منذ الصغر، وأن تقوم الأسر بدورها في حث الشباب على العمل في هذه الحرف، إضافة إلى تكثيف التوعية الإعلامية وإقامة الندوات والمؤتمرات والمحاضرات.
 وأبرز أن الصالون الوطني للصناعات التقليدية بوهران، أكسبهم الكثير من الزبائن، مسجلا ارتفاعا في مبيعات القطع التذكارية والديكورات، كالأباريق والمزهريات والصحون والأطباق بكل أشكالها وأنواعها وغيرها من التحف التي برعت فيها مؤسسة مكي، الناشطة منذ أكثر من 40 سنة في عالم النحاسيات، وتواصل مسيرتها في مجال التعريف بهذه الصناعة وحمايتها من الإندثار، وذلك بإقامة دورات تكوينية لفائدة الشباب الراغب في اكتساب أبجديات ومبادئ المهنة.
ويختم مكي حديثه بنوع من الحزن على ما آلت إليه الحرف والصناعات التقليدية، ويرى أنها فقدت بريقها في الفترة الأخيرة، بسبب “تراجع الإقبال عليها، سواء من طرف الحرفيين الذين تركوها، جراء ارتفاع تكاليف الإنتاج، أو المواطنين بسبب تحولهم إلى استعمال مواد معدنية أخرى مصنعة لسد متطلباتهم اليومية، خاصة المستوردة منها”.
انذارات لحرفيين عرضوا منتوجات فضية مستوردة
 بدورها السيدة بن ذهبية فاطمة، مديرة السياحة والصناعة التقليدية لوهران حرصت على حماية المنتوج الوطني وتثمينه في المعارض منه تظاهرة وهران التي حددت شروطا لمشاركة الحرفيين.
وقالت المديرية مقيمة الصالون، انها وجهت انذارات  لخمسة حرفيين مختصين في صناعة الحلي الفضية، عرضوا منتجات مستوردة، مما أدى إلى سحبها من واجهة العرض.  
وأضافت السيدة بن ذهبية، في تصريح لنا أن عمليات التفتيش والمراقبة عبر أجنحة الصالون، تواصلت طيلة أيام العرض الى توجيه هذه الإنذارات للحرفيين الخمسة ضمن الـ 43 حرفياالذين ينشطون في مجال حلي الفضة.
ويشار إلى أن  الصالون الوطني للصناعات التقليدية بوهران، يشهد في نسخته الأولى مشاركة 180 حرفي، يمثلون 35 غرفة للصناعة التقليدية والحرف، إلى جانب الوكالة الوطنية للصناعة التقليدية، ويتجلى الهدف العام للتظاهرة في: التعريف بقدرات قطاع الصناعة التقليدية والحرف وما توفره من فرص للاستثمار لدى فئة الشباب، كما سيسمح بإنشاء فضاء لتبادل التجارب والخبرات بين الحرفيين، بالإضافة إلى تعزيز إمكانية عقد شراكة بين المشاركين والمتعاملين الاقتصاديين على المستوى المحلي والجهوي.
توافد على الصالون الذي تزامن والعطلة الخريفية، أكثر من 16 ألف زائر من داخل الولاية وخارجها، كما فاقت المبيعات الـ 40 مليون دج، وتصدرت الصناعات الخزفية والفخار والنحاس والحلي الفضية  والأواني الخشبية والحلويات التقليدية ومصبرات التين،  سلم المبيعات، بحسب المنظمين.