طباعة هذه الصفحة

“الشعـب” تستطلع واقع شعبة الزيتـون بقالمة

”البترول الأخضر” بحاجة إلى المزيد من الاهتمام لتطويره

استطلاع: أمال مرابطي

المعاصـر التقليديـة تنافــس العصرية والفــلاح يطالـب بتكثيـــف وجـــودها

تمتلك ولاية قالمة مؤهلات كبيرة لتنمية زراعة الزيتون، حيث تتوافر على آلاف الهكتارات. ورغم الشعبية التي يحظى بها زيت الزيتون بالولاية، وارتفاع مردوه هذه السنة مقارنة بالسنة الماضية، إلا أن أسعاره جاءت مخالفة للتوقعات وتبقى مرشحة للارتفاع، حيث أن المتمعن في شؤون الزراعة المحلية يرى التحول الجديد كمؤشر سيؤدي بحقول الزيتون للتوسع خلال السنوات القادمة بعد الإقبال على برامج الدعم الخاصة بغرس أشجار الزيتون التي أصبحت تدر عائدات مالية كبيرة. وبحسبهم، فإن ارتفاع سعر زيت الزيتون إلى 700 دج للتر، راجع لعدة أسبابها، منها ارتفاع الأسعار بمختلف الشعب الأخرى وما تعرفه الزيادات في مختلف الميادين منها النقل، الكهرباء والوقود.
ارتأت “الشعب” أن تسلط الضوء في هذا الاستطلاع، على شعبة الزيتون التي حققت هذا العام نتائج إيجابية برزت من خلال كمية الإنتاج. غير أن هناك عديد العراقيل ما تزال تقف حجر عثرة أمام تطويرها، كبقاء الاعتماد على المعاصر التقليدية التي يطالب الفلاح بتكثيفها والاهتمام بها من عدة نواحي.
في هذا الصدد، اعتبر غجاتي السبتي، مسؤول تنظيم الإنتاج والدعم التقني بمديرية الفلاحة بقالمة، أن مؤشرات بداية حملة جني الزيتون للموسم 2015 – 2016، التي شرع فيها نهاية شهر نوفمبر، بالجيدة، حيث تم جمع ما يقارب 100950 قنطار، مقارنة بالسنة الماضية التي عرفت انتكاسة في الإنتاج الإجمالي الذي لم يتعد 31 ألف قنطار، وهي بداية تبشر بإمكانية تحقيق التوقعات بالوصول إلى إنتاج إجمالي يصل 122180 قنطار.
وأرجع ذلك لعدة عوامل، أهمها العوامل المناخية المساعدة، منها تساقط الأمطار وغياب الأمراض وفي مقدمتها ذبابة الزيتون التي كانت السبب الرئيس في تسجيل الشعبة خلال الموسم الماضي حصيلة ضئيلة جدا لم تشهدها الولاية منذ مدة طويلة.
وأوضح ذات المتحدث، أن الإنتاج المحقق إلى غاية 31 ديسمبر، تم جنيه من مساحة قدرت بـ3930 هكتار من مساحة إجمالية 9443 هكتار، منها 4900 هكتار منتجة مستهدفة بعملية الجني تتوافر في مجموعها على 473322 شجرة زيتون، مبرزا بأن مردود الهكتار الواحد المحقق في هذه الفترة 25 قنطارا في الهكتار.
وبحسبه، المؤشرات الإيجابية تدل على تحسن متوقع في إنتاج زيت الزيتون على مستوى المعاصر المتواجدة عبر عدة بلديات، موضحا أن توقعات إنتاج زيت الزيتون للموسم الجاري 2015-2016 تشير إلى تحقيق 13415 هيكتولتر من زيت الزيتون، أي بمعدل 19 لترا في القنطار وذلك مقابل كمية من الزيت قدرت بـ5121 هيكتولتر فقط تم إنتاجها الموسم الماضي.
وأشار في السياق ذاته، إلى توجيه 96815 قنطار من الكمية المجمعة نحو وحدات التحويل، مقابل 4135 قنطار للاستهلاك المباشر، موضحا أن الاستطلاعات الميدانية التي قامت بها مديرية الفلاحة أظهرت بأن 13 وحدة تحويل ناشطة بالميدان، موزعة عبر كل من عين حساينية ببلدية هواري بومدين، مدينة قالمة، 3 بمجاز الصفا، 3 بالركنية، ببوعاتي، وكذا بوادي الفراغة وأخرى ببوعاتي، من مجموع 15 وحدة موجودة عبر الولاية، قد انطلقت فعليا في عملها وتنشط في الميدان بمردود 24.5 قنطارا في الهكتار وبقدرة تحويل الزيتون تصل إلى 134 قنطار في الساعة.
عن السؤال المتعلق بزيادة أسعار زيت الزيتون، قال نفس المتحدث إن سعر لتر زيت الزيتون هذا العام الذي بلغ 700 دج مقارنة بالسنة الماضية 600دج، لا يرتبط بكمية الإنتاج المحققة، إنما راجع للتأثر بزيادة أسعار مختلف المواد الاستهلاكية والخدماتية من النقل والكهرباء وغيرها، بالإضافة إلى المجهودات المبذولة في المعاصر التي تتطلب عناية فائقة ووقتا كبيرا وصبرا أكبر.
معصرة “لوزة منال” أنموذج للمعاصر الناجحة بالشرق الجزائري
الحديث عن إنتاج الزيتون، لا يمكن أن يكتمل دون تسليط الضوء على طبيعة عمل المعاصر، فبقالمة مايزال البعض يفضل المعاصر التقليدية التي تستعمل المحجرة “لعصر الزيتون واستخراج زيته”، في حين يفضل البعض الآخر المعاصر العصرية لعدة أسباب، منها اختصار الوقت، وتقديم منتوج نظيف. وقد قمنا بجولة بإحدى وحدات تحويل الزيتون، وبالضبط معصرة لوزة منال المتواجدة بمدينة قالمة “طريق قسنطينة”، استفسرنا التجار والفلاحين ومختلف الزبائن المتواجدين هناك، وهم في انتظار أدوارهم، حول نشاط المعاصر؟ وما إذا كانت تلبي احتياجاتهم؟.
يجيب التاجر وهاب بن موسى من الركنية قائلا: “ تواجدي منذ ساعات مبكرة بمعصرة “لوزة منال” كوني أحد المتعاملين معها، لأنها مازلت تحافظ على الوسائل التقليدية في عصر الزيتون، وهو ما يوفر نوعية جيدة من الزيوت.
ويشرح ذلك بأن المعاصر التقليدية لها إيجابياتها، إذ لا يقع على زيت الزيتون أي تغيير أثناء الاستخراج، حيث يتم استخراجه بالمياه الباردة، بدل الطرق العصرية التي تحرقه.
ويضيف: رغم سرعة عملية العصر والاستخراج بالماكينات الآلية، إلا أنها لا تعطي الجودة مثل ما يقدمه العصر التقليدي، وهو ما جعل تعامله يستمر مع المعصرة منذ 10 سنوات.
بدوره، أكد الفلاح زموري السبتي من الهوارة، أنه يتعامل مع معصرة لوزة منال منذ أكثر من 10 سنوات، واعتبرها أحسن معصرة بولاية قالمة كونها تستعمل العصر التقليدي المتمثل في المحجرة التي اعتبرها هو الآخر أحسن من الآلات في عملية العصر والعجن وقال: لاحظنا أن الآلات الميكانيكية تنتج زيت زيتون يختلف مذاقه عن زيت الزيتون الذي تم عصره بالمحجرة، لذلك اعتمد دائما على العصر التقليدي.
ليس بعيدا عن رأي المتعاملين السابقين مع معصرة لوزة منال، صرح الفلاح بن لوني سال مقداد، القادم من الحدود التونسية، بالتحديد من بوحجار، بالطارف، بأنه يملك 4000 شجرة ويقوم باستغلال ثمارها للحصول على زيت الزيتون، كما أكد أنه لا يقوم بعصر منتوجه من الزيتون بأية ولاية أخرى ما عدا معصرة لوزة منال بقالمة، واعتبرها أحسن معصرة بالشرق الجزائري، لما تتميز به من نوعية رفيعة في الإنتاج.
واسترسل قائلا: مررت بعدة معاصر لأصل إلى ولاية قالمة، وقد بقيت أنتظر دوري منذ الساعة الواحدة صباحا إلى غاية الفترة المسائية، وهذا راجع للإقبال الكبير على المحجرة وما كسبته من ثقة المتعامل والزبون في إنتاج زيت الزيتون، بالإضافة إلى أن نظافة المكان شجع الجميع على الإقبال على هذه المحجرة دون أخرى.
كما أشار أيضا إلى أن الامتياز المقدم بذات المعصرة، يتمثل في استعمال المياه الباردة بدل الساخنة في المصانع، بالإضافة إلى أن الآلات تحرق الزيتون وتبخر بذلك المادة. وقال أيضا إن سعر التحويل للقنطار يقدر بـ800 دج بالمحجرة، في حين سعر التحويل بالمعاصر والمصانع التي تعتمد على الآلات وصل 900 دج.
في ذات الاتجاه، قال صاحب المعصرة عزوز محمد الهاشمي: “طعم زيت الزيتون لذيذٌ عند البعض ومفيد للجسم طبيا، وقبل وصول زيت الزيتون إلى الموائد يمرُ عبر مراحل وأشواط طويلة وشاقة تتطلب الخبرة والصبر، مضيفا أن مَعاصر زيت الزيتون التقليدية كانت هي الوسيلة الوحيدة لاستخراجه، فيما تعد هذه العملية مَصدر رزق لعديد الأشخاص، رغم أنها موسمية. كما يرى بعضٌ أن الطريقة التقليدية لاستخراج زيت الزيتون أفضل من الطريقة العصرية لاحتفاظها بخاصيتها وجودتها”.
وأشاد بدور المعاصر التقليدية التي تعتمد على المحاجر، مبرزا ذلك في مقولة شعبية: “من الشجر إلى الحجر”. وبحسبه، ظهرت بعد تجارب وملاحظات المزارعين لجودة ما تعطيه المحجرة مقارنة بالماكينات الآلية.
ويضيف: “معصرة لوزا منال أنشئت منذ 12 سنة، مهنة ورثناها جدا عن أب عن ولد، مهنة عشق وحب، فمن لا يحب هذه المهنة فلن ينجح فيها ولن تدوم الصنعة ونحن لن نفرط فيها ومتمسكون بها منذ 40 سنة. حيث يشتغل بها 33 عاملا وتستقبل يوميا ما بين 25 و30 زبون حسب الكميات والأكياس التي يجلبها الفلاح والتاجر للمعصرة.
في السياق، أوضح ذات المتحدث أن هناك مصاعب كثيرة تواجههم، تتمثل في نقص اليد العاملة، رغم تفشي البطالة، وهنا يتساءل، أي بطالة؟!، لا توجد بطالة وإنما الشباب أصبح يبحث عن المهن السهلة وابتعد عن الأعمال الفلاحية، ومن يريد العمل فسيجد العمل، على حد قوله.
كما تطرق لمشكل نقص قطع الغيار بالأسواق التي تحتاجها الآلات والأدوات المستعملة بالمعصرة، بالإضافة إلى تكاليفها الباهظة، حيث يلجأ في أكثر من الأحيان إلى التنقل لتونس لجلبها.
ثقافة العناية بثمرة الزيتون غائبة
من ناحية أخرى، أبرز أهمية الاعتناء بالزيتون قائلا: “ثقافة العناية بثمرة الزيتون غائبة في الوسط الجزائري، فالقليل فقط يعي أهمية ذلك، حيث نجد أكثرية من يجلبون ثمار الزيتون للمعصرة يجلبونها في أكياس البلاستيك، في حين ننصح دائما الفلاح أو التاجر أن يستعمل الصناديق البلاستيكية جيدة التهوية، وغير مملوءة بالكامل، لتجنب انضغاط الثمار عند وضع الصناديق فوق بعضها.
وعبّر ذات المتحدث عن أهمية الإسراع في عملية عصر الزيتون واستخراج الزيت منه، وعدم تخزين الثمار بعد القطف مدة طويلة، معتبرا أنها من المشاكل التي يواجهها الفلاح، فإن تخزين الثمار في أكوام كبيرة وعالية كما يحصل عند البعض، أو في أكياس مكدسة فوق بعضها يؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة الثمار ويشجع نمو الفطريات وبالتالي تعفّنها وإنتاج زيت سيء النوعية. وكلما كانت مدة التخزين أقصر كان ذلك أفضل، وفي صالح إنتاج زيت أجود. ونصح بحفظ الزيتون في أماكن جيدة التهوية دون تعريض الثمار لأشعة الشمس والحرارة العالية.
وقال أيضا: “أحاول قدر المستطاع تلبية رغبات الجميع، خاصة من يجلبون كميات كبيرة تتعدى 200 قنطار، يتم عصرها جميعها وهكذا زبائننا والمتعاملون مع المعصرة يجدون راحتهم وهناك ثقة دائمة ومستمرة بما نقدمه من مجهود يرضي الجميع. حيث أن المزارع لا يتعامل مع معاصر لا توفر شروط النظافة أو لا يقوم بعصر كل الكميات التي يجلبونها، كما أنهم يقبلون الانتظار ليوم كامل لمتابعة العمل أمام أعينهم، حيث نقوم بمسؤولية كبيرة من تنظيم وتحديد الدور، بالإضافة إلى العناية بنظافة المعصرة وغسيل الزيتون وتنقيته، كما يمكن للمزارع ملاحظة ذلك ومراقبة كيفية عجن الدريس، بالإضافة إلى مراقبة نظافة الأوعية المستخدمة داخل المعصرة.
في سياق آخر، وحول أهمية شجرة الزيتون وما تنتجه من الزيوت وتأثيره على اقتصاد البلاد، قال إنه لابد من أن يأخذ إنتاج زيت الزيتون بعين الاعتبار، ويجد العناية الكافية باعتباره “البترول الأخضر”، أمام انخفاض أسعار النفط، فالسبيل للخروج من الأزمة تنويع الاقتصاد، والبترول الأخضر لابد من وضعه في خانة الاهتمامات لتطويره.
وعن مشاريعهم يقول: “ هناك مشاريع كثيرة، لكن العراقيل كثيرة أيضا، حيث توقفنا عن التوسعة والاستثمار لما وجدناه من عراقيل مع البنك الفلاحي عند طلب القرض لتوسعة مشروع المعصرة، حيث تتطلب وقتا كبيرا وهذا ما أحبطنا، ونحن نتمنى تقليص الوثائق مثلما نتعامل مع البنوك الخارجية.
اقتراح إنشاء ديوان لجمع الزيتون
لم يتوقف عزوز محمد الهاشمي عند شرح أهمية العصر بالأساليب التقليدية وما تحمله من مميزات، فقد اقترح إنشاء ديوان جمع الزيتون وخاصة ما شهدته هذه السنة من إنتاج وفير، وقال لمَ لا يتكفل الديوان بهذه الزيوت لتوضع للتصدير، فقط أصبح البترول الأخضر أهم من النفط مع انخفاض أسعار الأخير.
ليختم، مشيرا لطموحاتهم في ميدان إنتاج الزيوت، بالقول: “طموحاتنا كبيرة على مستوى ولاية قالمة وعلى المستوى الوطني في مجال إنتاج الزيتون وزيته، فإن توفرت كل المجهودات التي تبذلها الدولة معنا سنتطور ونسعى لما هو أفضل، وإذا ظل الجميع مكتوف الأيدي فلن نرتقي إلى الأحسن طبعا، فبتضافر جهود الجميع نحقق الأفضل”.