طباعة هذه الصفحة

رؤية متطابقة مع الجزائر في تحديد مفهوم وأبعاد الإرهاب

روسيا بديل أمثل لدعم التسوية السياسية للأزمات في المنطقة

بقلم: د.إسماعيل دبش أستاذ في العلوم السياسية والعلاقات الدولية جامعة الجزائر 3

السياسة هي فن الممكن في إدارة منظومة الحكم والسلطة، وهي حول البدائل والأولويات والقرارات التي لا تكون سجينة طرف وإبعاد طرف آخر. بمعنى تنويع البدائل والإختيارات (Options). بغض النظر عن الطرف المختار كبديل للتوازن الدولي. في غياب فرض المنظور الإقليمي منفردا وإقليميا، الأهم هو دعم محيط إقليمي بتأثير دولي لقوى أخرى، يمكن أن تؤثر في تسوية الأزمات في المنطقة بمنظور إقليمي. روسيا اختيار وثقل لذلك.
حتى الآن وفقت الجزائر في إدارة الملف الإقليمي بهذه المقاربة والمنظور رغم الضغوطات الدولية عليها منذ بداية ما يسمى بـ»الربيع العربي». وقفت الجزائر ضد التدخل الأجنبي وانسجمت مع مقاربة دولية خارج المحيط الغربي في الأزمات الإقليمية (العراق، ليبيا، سوريا، اليمن، ...). وحتى الآن استطاعت الجزائر أن تكسب الرهان الدبلوماسي والسياسي لتسوية هذه الأزمات وإصرارها على أن الحل الأمني أو التدخل الدولي هو لتأزيم الوضع. وجدت هذه المقاربة مساندة ليس فقط من طرف الشعوب التي تعيش هذه الأزمات، بل حتى من طرف السلطات التي نتجت عن ما يسمى بـ»الربيع العربي» مثل المقاربة التونسية الحالية التي تنسجم مع الجزائر خلافا لموقفها السابق الذي دعّم الحلف الأطلسي للتدخل في ليبيا.
أصبحت الجزائر مرجعية لإدارة الحوار والمفاوضات من منطلق أنها لم تكن طرفا في هذه الأزمات ومن منطلق كذلك أنها كانت دائما جادة في الحلول السياسية والوساطة الدبلوماسية. توجه وممارسة تزداد أهمية عندما يتعلق بأمنها الإقليمي. ولأن ذلك كذلك من منظور منطقي وطبيعي يؤدي إلى فهم حقيقي لخلفية الأزمات وفي مقدمتها معضلة الإرهاب.
وهنا تتكامل الجزائر وروسيا في تحديد مفهوم وأبعاد الإرهاب. أكدت ذلك روسيا من خلال محاربتها للإرهاب في سوريا، حيث تبين بأن الغرب يميز بين إرهاب وإرهاب، بينما بالنسبة لروسيا فالأمر غير ذلك. بالنسبة للغرب الإرهاب الذي يحارب النظام السوري هو إرهاب ديمقراطي أو مسلحين معتدلين، والسؤال هو، أين شرعية عناصر تقتل وتدمر؟ وما علاقة ذلك بالديمقراطية وحقوق الإنسان في أبسط مثلها المتمثلة في السلم والحلول السياسية ؟
محاربة روسيا للإرهابيين بسوريا يختلف عن منظور الغرب. بالنسبة لروسيا، الإرهاب بسوريا هو أجندة غربية واضحة المعالم لتنفيذ إستراتيجية الحصار للآخرين وضرب الدولة الوطنية المخالفة لذلك ولا علاقة للدعم الغربي لما يسمى بالمعارضة من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان. كشف تدخّل روسيا المعضلة التي عاشتها سوريا والمتمثلة في تواجد مرتزقة مدفوعي الأجر في أراضيها ومدعمين بالسلاح أوصلوا سوريا إلى ما وصلت إليه: دمار، تشتت، نزوح، هجرة خارج سوريا بالملايين، ضرب البنية التحتية الاقتصادية.... وأصبحت روسيا ثقلا وورقة حاسمة في إيجاد مخارج للأزمة السورية تنسجم وإرادة الشعب السوري. هذا الأخير الذي يحمل المسؤولية للعناصر المرتزقة في أغلبيتها الساحقة أجانب يقدرون بـ140 ألف عنصر بدعم من دول عربية وإسلامية وقوى غربية.
الشعب السوري مسالم في طبيعته من منطلق أنه مهد وأرض حضارات وأديان ومنطقة تواصل إنساني وتجاري. يتميز الشعب السوري باهتماماته وأولوياته القصوى في البحث عن الحياة الأمثل والرخاء البنّاء وليس بالإنسياق وراء أوهام لا تعكس قيمه ومثله وتجذره الوطني والقوي خاصة أولوية رفض الاستعمار والهيمنة عبر مراحله التاريخية ومقاومته باستمرار للاحتلال والكيان الصهيوني.
إستهداف سوريا بضرب وحدتها واستقرارها وتشريد شعبها وتحويلها من دولة بمستوى 9% نمو ومصدر تموين لأوروبا الشرقية والعالم العربي بنسبة 25% إلى دولة محط للدمار والشتات بسبب تدخلات إقليمية (تركيا ودول عربية) ودولية (الغرب)، لأنها تشكل عائق لتنفيذ استراتيجية الشرق أوسطية ومانع لتجسيد الإستراتيجية الصهيونية في المنطقة.
دول العالم العربي ككل معنية بهذا الإستهداف إلى سوريا بداية بالذين رفضوا اتفاقية كامب ديفيد ورفضوا الإعتراف بالكيان الإسرائيلي، وهم جبهة الصمود والتصدي لتنتهي عند دول عربية تعتبر نفسها معفية من الغرب بالتهديد والإختراق ولكنهم غارقون في اليمن والسلسلة مستمرة.
الشعب السوري لا يصدق الدعاية الهدامة بأن النظام السوري يقتله لأنه هو نفسه إحتمى لمدة 5 سنوات بالجيش العربي السوري في مواجهة مرتزقة يمارسون الإرهاب ضدهم.
تدخل روسيا بسوريا خلط الأوراق وكشف تلك الأهداف والإستراتيجيات ولهذا ردود فعل الدول الغربية كانت أقوى وأسرع بما فيها استعمال وسائل الضغط وحتى التهديد وفي النهاية خضع الغرب (قرار وقف اطلاق النار: 25 فيفري 2016) لثقل روسيا في إيجاد تسوية سياسية للملف السوري.
في ليبيا وضع مشابه ومتأزم ولكن يختلف من حيث النتائج لأن النظام الليبي تمت الإطاحة به من طرف منظمة الحلف الأطلسي الذي يتحمل مسؤولية الأزمة الليبية. الترتيبات الأخيرة التي أدارها الغرب، وخاصة منها إتفاق الصخيرات بالمغرب يؤسس لتقسيم ليبيا لأن محتوى الإتفاق يعتمد التمثيل الجهوي بما فيها نواب لرئيس الحكومة يمثلون شرق، جنوب وغرب ليبيا، تقسيم بعيد عن المنطق. فلو كانت مهام هؤلاء النواب على أساس تكليف بملفات اقتصادية أو اجتماعية وغيرها لكان ذلك مخرجا موضوعيا، أما وأن يتم على أساس التمثيل الجهوي فهذا أمر خطير ويستهدف الدولة الوطنية ليس فقد في ليبيا بل بالعالم العربي ككل، وقد بدأ ذلك بالسودان ليصل إلى العراق ومحاولة تجسيد ذلك في سوريا واليمن وليبيا والقائمة مفتوحة.
تتجه سوريا إلى الخروج من المعضلة نتيجة ثبات النظام السوري في مواجهة التحديات والتدخلات الدولية ويبدو أن الغرب بدأ يقتنع بنجاح استراتيجيته في تدمير سوريا وهو الآن يتجه إلى ليبيا. أما اليمن فهناك دول عربية تجسد بالنيابة الإستراتيجية الغربية. بليبيا المسؤول الأول عن المأزق هي الدول الغربية بأدلة قاطعة غير قابلة للنقاش والمتمثلة في ضرب الحلف الأطلسي لها وتصفية العقيد القذافي وتركها في بركة من الدماء ورهينة مليشيات ومرتزقة تقوم بالنيابة بالدمار والدفع بهجرة الملايين خارج ليبيا معظمهم بتونس المقدرين بـ2.7 مليون وتقريبا 2 مليون بمصر، ناهيك عن النزوح والتشتت والدمار الداخلي، كلها لجعل ليبيا جاهزة للتقسيم وتصبح منطلق لتجسيد استراتيجية الغرب في المنطقة من خلال دائما توظيف عناصر مرتزقة وميليشيات بهدف مضاعفة الفوضى وإذكاء الصراع كمبرر للتدخل المباشر مرة أخرى في ليبيا متجاهلين أمن واستقرار الدول المجاورة.
بإمكان تونس والجزائر تحصين حدودهما في حالة التنسيق المحكم بين البلدين. وفي نفس الوقت لا بد من مضاعفة الإسراع بإيجاد حل سياسي في ليبيا ليس فقط من خلال دول عربية وقوى غربية بل يجب إشراك قوى دولية أخرى بثقل دولي كبير وفي مقدمتها روسيا والصين. أثبتت روسيا أنها تقف ضد التدخل الدولي في الأزمات الإقليمية والتأكيد على التسوية السياسية بمنظور محلي وإقليمي. موقف روسيا هذا ناتج ليس فقط من مقاربة منطقية أو موضوعية بل كذلك من مصلحة استراتيجية.
روسيا، منذ تفكك الاتحاد السوفياتي مستهدفة من طرف القوى الغربية من خلال محيطها الجيو سياسي الذي تحولت دوله من عمق أمني استراتيجي لروسيا إلى عمق استراتيجي للغرب من خلال تواجدهم في الاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي. وضع فرض على روسيا تبني استراتيجية رد فعل وذلك ما يبرر استرجاع شبه جزيرة القرم من أوكرانيا (بموقع استراتيجي لروسيا للعبور إلى البحر الأبيض المتوسط).
بعد تجربة الأزمة بأوكرانيا وسوريا وجدت روسيا ضرورة دعم استراتيجية تسوية الملفات الإقليمية سياسيا بموقع دولة كبرى بمصالح استراتيجية وفي مقدمتها كسب رهان الحصار عليها إقليميا وتقييد توجهاتها الجديدة لتعزيز العلاقات الروسية التقليدية مع الدول العربية. والمستعجل بالنسبة لروسيا هو ملف الطاقة الذي يوظف كمتغير أساسي من طرف الغرب لحصار روسيا. ذلك ما عبر عنه الروس قبل أيام في منتدى التعاون الروسي العربي (25 فيفري 2016) والذي شاركت فيه الجزائر ممثلة بوزير الشؤون المغاربية والاتحاد الإفريقي. بالنسبة لروسيا تضاعف تحكم الغرب في إدارة ملف الطاقة العربي هو حصار لروسيا وقد حاول الغرب من خلال الأزمة في سوريا لتحقيق مفرزات سياسية بديلة للنظام السوري لتمرير مشروع أنبوب الغاز من قطر إلى أوروبا عبر سوريا ويحاول الغرب الضغط على الدول العربية لمضاعفة ضخ البترول لخفض أسعاره وبالتالي تشكيل حصار اقتصادي على روسيا كمنتج كبير للنفط والغاز.
تسوية سياسية للملف الليبي ليس فقط انعكاس إيجابي للأمن الإقليمي لدول المنطقة بل لروسيا في حد ذاتها. ليبيا والجزائر دول بترولية هامة وروسيا في حاجة كبرى للتنسيق مع الجزائر في الملف البترولي وترتيب الوضع السياسي في المنطقة. إضافة إلى ذلك، إن ترتيب الوضع في المنطقة سياسيا هو مكسب لروسيا لاسترجاع مكانتها التقليدية مع دول في شمال إفريقيا في فترة ما شكلت ثقل لعلاقاتها العربية مثل ليبيا والجزائر.