طباعة هذه الصفحة

الروائية عائشـة بنّور لـ«الشعب»:

ساهمـت في كتابته عـبر موسوعـة الأمثـال الشعبيـة

حاورها: نورالدين بوطغان

لا أستطيـع كتابــة روايـة دون أن تتــوشـــح بالتـراث الوطنـي

اعتبرت الأديبة والروائية الجزائرية، عائشة بنّور، عندما سألناها عن ماهية التراث وأهميته في حياة الشعوب، أن التراث هو كل ما تتوارثه الأجيال وتورّثه للأجيال القادمة، هذا التراكم التاريخي هو الذي يمثل هوية الأمة، وما يميز الشعوب عن بعضها البعض، هو تلك الذاكرة الجمعية للإنسان من خلال مختلف الفنون الأدبية والطبوع المختلفة من العادات والتقاليد، هذا الإرث العظيم هو الذي يسهم في بناء العقل البشري عبر مختلف العصور، وثروة  كبيرة من القيم نستلهمها في بناء الشخوص، من خلال عمل ابداعي ما، والنص الجزائري لا يخلو من شذّرات نستشفها من خلال أعمال روائية أو قصصية، فلا حياة لنا من دون تراث، ولا حضارة من دون تراث، ولا مستقبل من دون تراث، سيكون لنا جيل هجين ليست له مقومات أو ركائز يتكئ عليها.
 عن مساهمتها في هذا المجال في الإصدارات الأدبية، تقول الروائية: بالنسبة لي، فقد ساهمت رفقة الأستاذ الأديب رابح خدوسي، بدار الحضارة في الإشتغال على الذاكرة الشعبية وإحيائها، إذ تمّ انجاز موسوعة الأمثال الشعبية الجزائرية، موسوعة الحكم والأمثال العالمية، وسلسلة متنوعة من الحكايات الشعبية للأطفال، وهذه الأعمال مترجمة إلى الفرنسية ومنشورة كذلك بدور نشر فرنسية. وتضيف الروائية : حاولنا أن نضيف شيئا للطفل الجزائري والعربي، وللحفاظ على الذاكرة الشعبية الشفاهية التي بدأت تزول بزوال الأجداد بالتدوين، من خلال حكاية الجدّات الليلية التي كانت تساهم في تطوير مخيلة الطفل، قصص زاخرة بالقيّم الانسانية، والصور الفنية الرائعة، والتي قام الدكتور، يوسف عبد التواب، (مصر) بدراسة مهمة عنها، كمقارنة أو مقاربة بينها وبين الحكايات الأخرى، والمتداولة بشكل آخر في العالم العربي والعالمي، من حيث الشخوص والملامح والحدث والبعد الإنساني فيها. وفي نفس السياق، تقول عائشة بنور: بالإضافة إلى عملي في تلوين أعمالي الأدبية بألوان من التراث الذي يضفي عليها ذوق خاص، وجمالية، وقيمة معنوية، حتى لا يكون النص الروائي عندي يعيش حالة من الإغتراب، مقطوع الجذور، لا هوية له، وقد جسدته في كل من روايتي سقوط فارس الأحلام، أو اعترافات امرأة (مترجمة إلى الفرنسية)، الموؤدة تسأل فمن يجيب؟ (قصص)...الخ، تحمل الكثير بين طيّاتها من معالم تاريخية وإنسانية، أرادت من خلالها التنقيب في عمق التاريخ، ونفض الغبار عنه بمسحة شاعرية. لا أحد يشك في القيمة الاضافية التي يضيفها الاستلهام من الموروث الثقافي، خاصة الذي تزخر به الجزائر، وفي كل شبر منها.
 وتقول الروائية عن حضور التراث في إبداعها الروائي: بالنسبة لي لا أستطيع أن أكتب رواية ما، دون أن تتوشح بشيء من التراث الذي له دلالته، وقيمته الفنية الجميلة التي تضفي على النص معالم جمالية، وقراءة جديدة بعين الوعي. أريد أن أحفر في عمق الذات الانسانية، والوجدان العربي، وهذا ما وقفت عليه، من خلال روايتي الجديدة أوراق امرأة عاشقة، والتي ستصدر قريبا، وفيها الكثير من الدلالات الجمالية، والمعالم الأثرية التي مازجت فيها بين الجزائر وفلسطين، بكثير من الحب والوجع. وبالتالي، النص الأدبي الجزائري زاخر بهذا الموروث الجميل الذي لم يعد منغلقا على الذات، بل أصبح يصبّ في روافد الحضارة الإنسانية، ومدّ جسور التواصل بين الثقافات المختلفة، ورسم معالم، وقيّم اجتماعية وإنسانية، من منطلق الخصوصية للمجتمع، في ظّل ما تفرزه المرحلة الجديدة من تحولات على كافة الأصعدة.
 وتخلص الأديبة، في حديثها الذي خصّت به الجريدة، حول حضور التراث ومدى توظيفه من طرف أدبائنا إلى قول: كل أعمالي الأدبية، سواء في مجال القصة أو الرواية، فيها شيء من التراث، لأنني كما قلت سابقا في حواراتي، عليّ أن أتقبل الآخر، ولا أريد الذوبان فيه باسم الحداثة، أو باسم العولمة، أريد أن أسوِق لخصوصيتي وموروثي الشعبي كفنتازيا الفروسية، وحكايات جدّاتي، وكانون الجمر، ووشم أمي، ولعلمائي ولقلاعي، وحصوني، وأنغامي، باختصار لتراثي وأثاري، لإنسانيتي.. لتاريخي..، (وهذا ما جسدته في كل مؤلفاتي سواء القصصية أو الروائية)، أريد أن ينتصر مورثنا الثقافي والاجتماعي في الآخر، باسم الحداثة التي أوتي بها، وسرقت منا استقرارنا وهويتنا، أن أصنع من رموزي ذاكرة للحاضر والمستقبل، ماض حافل بالبطولات الخالدة، أما الخيبات فأتجاوزها، وأقف عندها كمحطة للاعتبار. والكاتب ابن بيئته ومرتبط بالمكان والثقافة التي ينشأ، ويغترف منها لنقل موضوعاته وواقعه من المحلي إلى العالمي، كما يتفنن الآخر في إبرازها باسم الهوية، وإعادة تشكيلها في قوالب جديــدة، مشكلتنا أننا أمة تقتل رموزها، ولا تقدر مثقفيها ولا تفتخر بموروثها.