طباعة هذه الصفحة

تعددت المصطلحات للدلالة على الثقافة الشعبية

التواصل بين الثقافات المتعددة يحقق السلام والأمن

أسامة إفراح

إجماع دولي على صـون الثقــافات المحلية  من مخاطر العولمة

تعددت المصطلحات والمفاهيم التي تعبر بطريقة أو بأخرى عن مضمون الثقافة الشعبية، منها «فولكلور» و»فولكلايف»، والتراث بشقيه «المادي» و»اللا مادي» و»الموروث الثقافي».. كما تعددت الدراسات الثقافية والأنثروبولوجية التي تعنى بهذا النوع من الثقافة، والتأثير المتبادل بينها وبين الإنسان. ومع تصاعد أمواج العولمة، اكتسب هذا الاهتمام طابعا دوليا، ترجمته اتفاقيات دولية هدفها الحفاظ على الموروث الشعبي والتنوع الثقافي، والاعتماد عليه كأداة للتعاون وبناء السلام بين شعوب المعمورة.
نجد من المصطلحات المتداولة «الفولكلور»، وهي كلمة إنجليزية الأصل تعني «التقاليد الشعبية» (فولك = الشعب و لور= تقاليد)، ومنها اشتقت كلمة «فولكلايف» (الحياة الشعبية)، وقد عرف هذان المصطلحان اهتماما واسعا منذ ستينيات القرن الماضي، وبالأخص بين باحثي الأنثروبولوجيا.
ومن التصنيفات التي نجدها للموروث الشعبي، تصنيف دورسون الذي يقترب من الواقع الميداني حيث يضعه ضمن أربع مجموعات رئيسية: ميدان الأدب الشفاهي (الأدب الشعبي)، الحياة الشعبية المادية (الثقافة المادية)، العادات الاجتماعية الشعبية (ضمنها المعتقدات الشعبية)، وفنون الأداء الشعبي (الموسيقى الشعبية، الرقص، الدراما).
وبذكر الفنون الشعبية، تذكر تعريفات بأنها تمثل فنونا تختلف من شعب إلى آخر أو حتى داخل الشعب الواحد، و»تُعبّر عن علاقة الفرد/ الشعب ببيئته من جهة، ومن جهة أخرى عن الموروث الذي تم تناقله بالممارسة: مشافهة كتوارث الحكايات والأمثال والأشعار، أو أداءً كالأهازيج والرقصات والألعاب، أو تطبيقيا حِرفيا كصناعة الأزياء والحلي والفخار وغيرها».
ويوجد شبه إجماع على أن معظم هذه الفنون نشأت «لتحقيق غايات نفعية تخدم الإنسان في ظل ظروفه وبيئته، فصناعة القش من أطباق وسلال وغيرها جاءت لمنفعة الإنسان الذي كان يستمد موادها من الطبيعة المحيطة ويشكلها كما كان يشكلها الآباء والأجداد، ثم يستخدمها في حياته اليومية، وكذلك صناعة البُسط والفخار وغيرها، ومع ذلك كان الإنسان حريصا على إضفاء لمسة جمالية على تلك الأدوات كالزخارف والألوان المستمدة بطبيعة الحال من محيطه، أو من موروثه». هذه الغاية النفعية تحولت في عصرنا إلى أهداف جمالية لا غير، فاللباس التقليدي مثلا لم يعد يستعمل في الحياة اليومية.
ومن خصائص الفن الشعبي أنه يستخدم خاماتٍ من البيئة المحلية، وهو فن جمعي جماهيري واسع الانتشار ولا يُنسب لأسماء بعينها، بل تتوارثه الأجيال كما هو. كما قد تمتد جذوره إلى آلاف السنين.
أما اليونسكو فعرفت التراث الثقافي غير المادي بأنه «الممارسات والتصورات وأشكال التعبير والمعارف والمهارات، وما يرتبط بها من آلات وقطع ومصنوعات وأماكن ثقافية، التي تعتبرها الجماعات والمجموعات، وأحيانا الأفراد، جزءً من تراثهم الثقافي. وهذا التراث الثقافي غير المادي المتوارث جيلا عن جيل، تبدعه الجماعات والمجموعات من جديد بصورة مستمرة بما يتفق مع بيئتها وتفاعلاتها مع الطبيعة وتاريخها، وهو ينمي لديها الإحساس بهويتها والشعور باستمراريتها، ويعزز من ثمّ احترام التنوع الثقافي والقدرة الإبداعية البشرية».

الاهتمام الدولي بحماية التراث الثقافي
بدأ الاهتمام بصون التراث الثقافي العالمي عن طريق منظمة اليونسكو سنة 1972، تاريخ اتفاقية حماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي، وأعقب ذلك تقديم بوليفيا اقتراح وضع قانون لحماية وتعزيز التراث الشعبي سنة 1973، ثم تم إصدار توصية بشأن صون الثقافة التقليدية والفولكلور سنة 1989، توصية شهدت تقويما شاملا بعد عشر سنوات (1999)، قبل أن يتم توقيع الاتفاقية بشأن حماية التراث غير المادي سنة 2003، وهي اتفاقية تستند على إعلان اليونسكو العالمي بشأن التنوع الثقافي سنة 2001.
وقد حددت اتفاقية صون التراث المادي والطبيعي مفهوم التراث المنقول وغير المنقول الذي يتضمن «الآثار الهندسية المعمارية والفنية والتاريخية والمواقع الأثرية والأعمال الفنية والمخطوطات، إضافة إلى الكتب والأشياء الأخرى ذات القيمة الفنية والتاريخية، وكذلك المجموعات الأثرية والعلمية مهما كانت طبيعتها أو نوعها، وبصرف النظر عن أصلها أو مالكها».
أما اتفاقية حماية التراث الثقافي غير المادي، فركزت على الترابط الوثيق بين شقي التراث الثقافي: المادي وغير المادي، مشيرة إلى أخطار العولمة والتحولات الاجتماعية، وظواهر التعصب، كما أشارت إلى رغبة عالمية في صون هذا التراث باعتباره إسهاما فعالا في إثراء التنوع الثقافي والإبداع البشري.. ولا تنسى الاتفاقية الإشارة إلى «الدور القيّم الذي يؤديه التراث غير المادي في التقارب والتبادل والتفاهم بين البشر».
وللاتفاقية هدفان: الأول صون التراث غير المادي واحترامه للجماعات والمجموعات والأفراد، أما الثاني فهو التوعية محليا ووطنيا ودوليا وتعزيز التعاون بين الدول.
وفي إطار تفعيل اتفاقية حماية التراث الشعبي، أصدرت ذات المنظمة سنة 2005 «إعلان الثقافة الشعبية» تحت عنوان «السلام والاتحاد في التعددية الثقافية»، شارك فيه 184 دولة. واعتبر المشاركون أن للثقافة الشعبية دورا في حل مشاكل المجتمع الحديث، وأكد الإعلان على مبادئ أساسية لهذه الثقافة، هي أن لها ميزات خاصة تجعلها صامدة أمام تحديات العصر الحديث، وأن هذه الثقافة إنتاجات محلية بامتياز، وبالتالي عناوين للتعدد الثقافي في العالم، والتواصل بين الثقافات المتعددة يتيح التعرف أفضل على بعضها البعض،، وبالتالي تساعد على تحقيق السلام في العالم.

مساعي الدولة في مجال حفظ التراث الثقافي
الجزائر من بين الدول المنخرطة في هذا السياق الدولي، وتمت ترجمة ذلك على المستوى المؤسساتي، وبالرجوع إلى الهيكل التنظيمي لوزارة الثقافة، يمكن أن نجد مديرتين ملحقتين بديوان الوزير، تختصان بشؤون التراث الثقافي، وهما مديرية الحماية القانونية للممتلكات الثقافية وتثمين التراث الثقافي، ومديرية حفظ التراث الثقافي وترميمه.
أما مديرية الحماية القانونية للممتلكات الثقافية وتثمين التراث الثقافي، فهي مكلفة بـ: المبادرة بالأعمال المتعلقة بالحماية القانونية للممتلكات الثقافية واقتراحها وتقويمها، السهر على احترام تطبيق التشريع والتنظيم المتعلقين بحماية التراث الثقافي، الفصل في كل طلبات الحصول علي التراخيص القانونية والإدارية، السهر على تطبيق الإجراءات الإدارية المطلوبة لتنفيذ مداولات اللجان الوطنية المكلفة بالممتلكات الثقافية واقتنائها، وإعداد مخططات تثمين التراث الثقافية وبرامجه والسهر علي إنجازها. وتضم هذه المديرية ثلاث مديريات فرعية هي المديرية الفرعية للمراقبة القانونية، المديرية الفرعية لتأمين الممتلكات الثقافية (تحين بطاقية بقوائم رجال الفن وتسهر على مقاييس تجارة الممتلكات الثقافية، وتدرس ملفات المتاجرة غير الشرعية بالممتلكات الثقافية). والمديرية الفرعية للبحث وتثمين التراث الثقافي، وتعنى بكل ما هو بحث علمي ولقاءات علمية وطنية ودولية في المجال.
أما مديرية حفظ التراث الثقافي وترميمه، فتشرف على تنفيذ سياسة البحث العلمي في مجال التراث الثقافي، وسير عمليات الجرد وبنك معطيات الممتلكات الثقافية، ودراسة ملفات تسجيل واقتناء الممتلكات الثقافية، وإعداد مخططات وبرامج حفظ التراث الثقافي وترميمه والسهر على إنجازها.
وتضم هي الأخرى ثلاث مديريات فرعية: المديرية الفرعية لجرد الممتلكات الثقافية، المديرية الفرعية لحفظ الممتلكات الثقافية المنقولة وترميمها، (التي من مهامها إعداد المقاييس المتحفية ووضع شبكة لورشات حفظ الممتلكات الثقافية المنقولة)، والمديرية الفرعية لحفظ الممتلكات الثقافية العقارية وترميمها (تقترح مشاريع برامج ومخططات حماية وتثمين المواقع والمحميات الأثرية، والمخططات العامة لتهيئة الحظائر الثقافية ومخططات حفظ القطاعات المحفوظة، ومراقبة كيفيات تنفيذها، وتدرس كل تدخل على الممتلكات الثقافية العقارية وتفصل فيه).