طباعة هذه الصفحة

في الذكرى الـ 60 لليوم الوطني للطالب

محطة تقييم لمسار نضال لتحرير الجزائر

أمين بلعمري

نخبة تحملت المسؤولية خلال الثورة والبناء الوطني

إن الإضراب الذي شنّه الطلبة الجزائريون في مثل هذا اليوم من عام 1956 يثبت مدى إيمان تلك الشريحة بقضية الشعب الجزائري ووعيها بضرورة زوال الطغمة العسكرية الفرنسية وإنهاء سنوات طوال من الظلم والاستعباد في حق شعب صامد، لم تفلح سياسات التجهيل الممنهجة التي مارسها الاستعمار الفرنسي بهدف إبقاء الجزائريين تحت نير الاحتلال عن طريق سياسات التنويم والتخدير لاستمرار مسلسل العبودية و الاستغلال.
كان الطلبة والمثقفون في الصفوف الأولى للحركة الوطنية وتجشموا منذ البداية عناء بث الوعي التحرري في أوساط الشعب الجزائري من خلال تعرية الدعاية الاستعمارية المغلوطة التي تدعي أن الجزائر جزء من فرنسا وأن الجزائريين مجرد أهالي أو في أحسن الأحوال فرنسيون مسلمون، لهذا لم تكن سياسات التجهيل التي مارسها الاستعمار مجرد ممارسات اعتباطية و لكن خطة محكمة هدفها إبقاء الشعب في ظلمات الجهل و تجدر الإشارة هنا أن الاستعمار الفرنسي هو الذي اخترع شهادة نهاية الدراسة للجزائريين و هي شهادة لا توجد في أي نظام تعليمي آخر في العالم، فمتى كان للعلم و البحث نهاية ؟ بينما كان  الهدف من استحداث هذه الشهادة الغريبة هو تحديد المستوى التعليمي للجزائريين في الحد الأدنى و قد تبيّن لاحقا أن أفضل شهادة تحصل عليها الجزائري من المدرسة الاستعمارية الفرنسية كانت شهادة نهاية الدراسة إلا بعض الحالات الشاذة التي تعد على أصابع اليد و منهم أولئك الطلبة الذين قادوا و أطّروا إضراب 19 ماي 1956 الذي جاء استجابة لجبهة التحرير الوطني و ردا على سياسة التصفية الممنهجة  للمثقفين والطلبة الجزائريين.
إن هذا الإضراب أدخل الثورة الجزائرية في حقبة جديدة تحسبا للاستقلال الوطني وذلك من خلال إعداد و تحضير طلبة ومثقفي الثورة لتحمل مسؤولية تسيير الدولة الجزائرية الفتية بعدما تحملوا مسؤولية الكفاح المسلح في الجبال والمدن بعدما تركوا مقاعد الدراسة واختاروا الالتحاق بصفوف جيش التحرير الوطني  ومن أولئك أسماء خلدها التاريخ على غرار كيميائي الثورة الشهيد طالب عبد الرحمان والشهيد عمارة رشيد وغيرهم من الأسماء التي ظلت ولاتزال قدوة لأجيال متعاقبة من الطلبة الجزائريين الذين اكتشفوا  في هؤلاء الدور الذي يجب أن يلعبه الطالب الجامعي من أجل مجتمعه ووطنه من خلال أداء رسالة الشهداء المتمثلة في تقديس الاطلاع  والبحث العلمي، كما تدعونا هذه الذكرى من جهة أخرى إلى إعادة النظر في المنظومة الجامعية وإعادة الاعتبار إلى الأستاذ والطالب من خلال تكوين نوعي يمكن من خلاله أن تلعب الجامعة دور القاطرة التي تسحب المجتمع لكي يكون قادرا على التكيف مع التحولات التكنولوجية الهائلة التي انقلبت معها المفاهيم السابقة رأسا على عقب، فاليوم  لم تعد الأمية تعني عدم القدرة على الكتابة والقراءة ولكن الفرد الأمي هو الذي لا يستطيع التحكم في جهاز الكمبيوتر أو الهاتف الذكي !! .