طباعة هذه الصفحة

مهماه بوزيان الخبير في المسائل الطاقوية والاستشراف الاقتصادي

يجب التفكير بعمق لإعادة صياغة العلاقات وتبادل المنافع داخل الأوبك

حاورته: فضيلة بودريش

خيار الجزائر ينبغي أن يرتكز على التنويع في الإنتاج والشركاء والأسواق

  يتحدّث مهماه بوزيان الخبير في المسائل الطاقوية والاستشراف الاقتصادي عن النتائج المحتمل أن يفضي إليها اجتماع دول منظمة «الأوبك» يوم 2 جوان الداخل، ويتطرّق إلى السناريوهات التي يمكن أن تسجلها السوق النفطية في خضم التحولات السارية في الوقت الراهن ومدى تأثر مسار بيت منظمة «الاوبك» بتداعيات الأسعار وتدفق العرض البترولي، ووقف بتشخيص دقيق على الخيارات الصحيحة التي يمكن للجزائر أن تتبناها حتى تتجاوز الآثار السلبية على اقتصادها ووتيرة نموها.
الشعب: تعقد منظمة الاوبك اجتماعا مطلع شهر جوان الداخل، ما هي أهم النتائج التي تتوقعون أن يسفر عنها هذا اللقاء؟
- بوزيان مهماه خبير طاقوي: من المقرر أن يعقد اجتماع منظمة البلدان المصدرة للبترول «أوبك» مطلع شهر جوان الداخل، لبحث سياسة الإنتاج في ظلّ أجواء مازالت الخلافات فيها قائمة حول طبيعة النهج الذي يتعين أن تتبعه أوبك مستقبلا، ويتضح ذلك جليا من خلال إعادة بروز بعض مسارات التعثر في اجتماع فيينا العادي لوزراء الطاقة للدول المنضوية تحت سقف الأوبك المنعقد بتاريخ 04 ديسمبر 2015، حيث خرج هذا الاجتماع بنتيجة ذهبت عكس ما كان ينتظره الجميع والمتعلّق  بإعادة تصحيح منحى الأسعار المتهاوية، من خلال إقرار آلية تصحيحية تقوم أساسا على خفض الإنتاج، في ذلك الوقت ذهب الجميع للاتفاق على خفض الإنتاج إلى مليون برميل يوميا، إلا أن الاجتماع خرج بزيادة إضافية في حصة الأوبك قدرت بمليون ونصف برميل يوميًا، مع إعلان التخلي عن آلية التسقيف. وأيضا نستحضر الأجواء المصاحبة لعدم البث في اجتماع الدوحة (17 أفريل 2016)، رغم كل المؤشرات الايجابية التي كانت تحملها مسودة مشروع الاتفاق، المتفائلة بإمكانية التوصل إلى اتفاق تاريخي، بشأن تجميد إنتاج النفط عند مستويات جانفي الماضي، يكون ملزما لكل المنتجين من داخل وخارج الأوبك إلى غاية أول أكتوبر من العام الجاري، حين يلتقي المنتجون مرة أخرى في روسيا لمراجعة التقدم الذي يأمل الجميع في إحرازه بتحقيق انتعاش مطرد في سوق النفط. لكن بعد مرور سبعة أشهر تحديدا تاريخ (01 أكتوبر 2015)، تم استنساخ نفس الخلاف الجوهري داخل مجلس محافظي الأوبك (ويعد ثاني أهم سلطة في هيكل المنظمة بعد المؤتمر الوزاري) في العاصمة النمساوية فيينا، حول مضامين مسودّة الخطة الإستراتيجية طويلة المدى، للأعوام 2015 إلى 2020، للمنظمة والتي يتم تحديثها كل خمس سنوات، والتي سيتم رفعها إلى وزراء طاقة المنظمة، عندما يلتقون في اجتماعهم الوزاري العادي للاطلاع عليها واعتمادها. وكان مشروع هذه الخطة يتضمن توجهاً جديد يركز على «التخلي عن استهداف مستويات أسعار محددة»، فهي خطة لا تناقش أسعار النفط ولا تضع سيناريوهات للأسعار كما حصل في الخطط السابقة، بل تسند المهمة للسوق لتحديد السعر المناسب للنفط. هذا التوجه عارضته إيران والجزائر على الخصوص، ومع حالة التجاذب الشديد، أصرت بعض الدول الأكثر إنتاجا على إدراج تصوراتهما ومقترحاتهما في ملحقين باسمهما يتم إرفاقهما بمسودة مشروع الخطة، وانتهى اللقاء دون التوصل إلى نتيجة. وفي مطلع الشهر الجاري (02 ماي 2016) وقبيل اجتماع فيينا المرتقب عقد مجلس محافظي الأوبك اجتماعا مرة أخرى لصياغة إستراتيجية طويلة المدى، وعرف الاجتماع من جديد خلافات حادة بين المندوبين حول إدارة أسعار النفط العالمية من خلال تنظيم المعروض.
وبالمقابل نجد إصرارا من جانب إيران والجزائر على وجه الخصوص بغية تضمين إستراتيجية المنظمة البعيدة المدى للمهمة التقليدية والتي تأسست منظمة الأوبك من أجلها تحديدا، والتي تنبثق عنها إجراءات دعم الأسعار، وكذا الإدارة الفعالة للإنتاج كأهدافه طويلة المدى. وبالتالي فإنه أمام الرفض القاطع لذلك من قبل الدول الأكثر إنتاجا داخل المنظمة، يصعب التوقّع بنتائج تصحيحية سريعة تترك أثرا إيجابيا على أوضاع الدول الأعضاء في هذه المنظمة من خلال هذا الاجتماع الدوري المرتقب.
إنتاج منظمة «أوبك» تجاوز 32.5 مليون برميل شهر أفريل    
هل فعلا سوف تتفق الدول الأكثر إنتاجا في هذه المنظمة النفطية على سقف محدد للإنتاج، ينهي العرض الكبير الذي أصاب سوق المحروقات بالتخمة؟
 من المتعارف عليه أن الدول المنتجة للنفط، من الأعضاء وغير الأعضاء في منظمة «أوبك»، لم تتمكن، في اجتماع 18 أفريل المنصرم والمنعقد في الدوحة، من التوصل إلى اتفاق بشأن تجميد الإنتاج عند مستوى شهر جانفي الماضي، وذلك بعد نحو شهرين من اتفاق السعودية وروسيا وفنزويلا وقطر على التوافق حول مقترح تجميد لإنتاج، ولكن كان مشروطاً بضرورة التزام المنتجين الآخرين أيضا بشروطه، إلا أن استمرار الخلافات والمنافسة على الحصص السوقية بين الدول الأكثر إنتاجا، ساهمت في تعثر التوصل السريع إلى اتفاق، لذا تقرّر الاجتماع لاحقا لحسم الخلاف داخل منظمة «أوبك» أولا، ثم العمل على تقريب وجهات النظر بين أعضائها قبل استهداف توافق مستقبلي مع بقية الأعضاء من خارجها، وهذا ما تمّ اقتراحه في سلسلة اللقاءات المستقبلية، حيث من المقرر أن يلتقي كل المنتجين مرة أخرى في بداية شهر أكتوبر من هذه السنة بروسيا. لكن الأمر الجوهر يتمحور حول ما سيتم التوصل إليه بخصوص مسألة تثبيت إنتاج النفط الخام مرة أخرى، خلال اجتماع منظمة «أوبك» في الشهر الداخل بفيينا، وفي حال التوصل إلى اتفاق بين الدول الأعضاء في المنظمة، عندها يمكن مناقشة القضية مع الدول غير الأعضاء في «أوبك» بما فيها روسيا.
لكن أعتقد أن الأمر يختلف في الواقع عن كل ما يؤمل في تحققه، إذ نجد إيران متشبثة بموقفها، لأنها رفضت الحديث معها عن إمكانية الحد من إنتاجها في الوقت الراهن، إلى غاية استعادة حصتها السوقية في أعقاب رفع العقوبات الغربية عنها في جانفي الماضي، لكن فور عودتها إلى مستويات ما قبل العقوبات، حينها ستوافق طهران على تقييد الإنتاج. وقد كرّست سياستها بشكل واقعي قبيل اجتماع جوان الداخل، فقد أعلنت الوكالة الدولية للطاقة، أن إنتاج إيران النفطي شهد ارتفاعا في أفريل من هذه السنة، وبلغ مستوي ما قبل فرض الحظر عليها، حيث بلغ معدل إنتاجها من النفط الخام 3.56 مليون برميل يوميا، وقد تزامن ذلك مع تنامي زيادة المعروض المتأتي من الكويت والعراق، مما دفع بمستوى إنتاج منظمة أوبك لتجاوز 32.5 مليون برميل في شهر أفريل 2016.
وفي المقابل، نجد المملكة العربية السعودية تعرض مزيدًا من النفط على العملاء الآسيويين قبيل اجتماع «أوبك» في مسعى منها لتعزيز مكانتها في هذه الأسواق لمواجهة منافسة روسيا وأنغولا. كل هذه المؤشرات من شأنها أن تصعب من مهمة التوصل إلى اتفاق لخفض البلدان المصدرة للبترول «أوبك» لإنتاجها من الخام في اجتماعها المقرر عقده في الثاني من جوان المقبل.
 تحول في مراكز القوى من الدول المنتجة للنفط إلى الدول المكررة
منذ تعثر اجتماع الدوحة الأخير، ما هي آفاق العلاقات بين الدول  العضوة بـ»الأوبك» والدول من خارجها؟
 ينبغي القول إنه في إطار هذا الوضع المسجل في الوقت الحالي داخل «الأوبك»، استمراره سوف يتسبب في تراجع الدور التقليدي والمؤثر للمنظمة، أو يمكن التوقع بحدوث تحوّل في الأدوار الناظمة للسوق النفطية ضمن المشهد الطاقوي العالمي، والتغيرات القادمة ليس من الذكاء التصدي لها، بل ينبغي فهمها بعمق والعمل على استيعابها وضمان مكانة مؤثرة في سيرورتها. ولعلّ الدلائل الأولية تشير إلى بداية تحوّل أغلب أسواق النفط من حالة المزاحمة على الخام والمنافسة فيه إلى التنافسية في منتجاته أي الريادة في التكلفة والتميّز والتركيز، ونضج التنظيم الهيكلي للصناعات البتروكيماوية، وتطوّرها من خلال توظيف الابتكار مع ضمان تكاملها الرأسي، وتوسيع طاقتها الإنتاجية، وإدخال ﺃﻋﻤﺎﻝ تجارية مبتكرة، وهذا سيؤدي حتما إلى تحوّل في مراكز القوى والتحكم من الدول المنتجة للنفط إلى الدول المكررة للخام، كما سيؤدي إلى تحوّل في اتجاهات تجارة النفط العالمية ومساراتها. الأمر الذي يستدعي التفكير بعمق في إعادة صياغة العلاقات وتبادل المنافع داخل الأوبك، وأيضا رسم خطط ناجعة وذكية لبعث تعاون من نوع جديد بين الدول النفطية.
 ألا تعتبر أن المشكل يكمن في أعضاء «الأوبك» أنفسهم بالنظر  إلى الخلاف العميق بين السعودية وإيران، وهل يمهد إتفاقهم «فرضا» إلى إقناع الدول خارج «الأوبك» إلى تقليص الإنتاج؟
 إيران تشعر أنها خرجت من الحصار قوية، بل لقد أفادها الحصار في تطوير قدراتها الذاتية، وهي الآن تعمل على جني المكاسب. والمملكة العربية السعودية تدرك بأن إيران تحتاج لعوائد النفط حتى تنفذ أجندتها وتحقّق طموحاتها كقوة إقليمية، وأيضا تدرك بأن الإنتاج النفطي في المناطق العالية التكاليف بات مهدداً، وفي المقابل تشعر بأن أسواقها الشرق الآسيوية أضحت مهدّدة بفعل المزاحمة الإيرانية، والاتفاق الروسي - الصيني، وكذا توجه بعض الدول الأفريقية كأنغولا ونيجيريا والجزائر إلى هذه الأسواق، وهو الأمر الذي زاد من حذر السعودية داخل الأوبك. كما أن بروز قيادات سياسية جديدة شابة في مشهد القرار الإستراتيجي السعودي، وما ترتب عنه من إطلاق «رؤية السعودية 2030»، كل هذا جعل من الدولتين «السعودية وإيران» تلتفتان لمصلحتهما والتكفل بشكل حازم بقضاياهما وتحدياتها الداخلية والخارجية.
ما هي الخيارات المتاحة أمام الجزائر في مواجهة مثل هذه الوضعية؟
 ليس أمام الجزائر سوى خيار حماية مصالحها والدفاع عنها، وبناء خياراتها الناجحة بنفسها وبإرادتها ومواردها الذاتية، في إطار منظومة تستهدف التنويع في الموارد والمصادر والمنتجات وكذا التنويع في الشركاء والأسواق. مع التركيز مستقبلا على ناتج الصناعات التحويلية، خاصة أن قطاع الصناعات البتروكيماوية بات يشكّل أحد أهم الأنشطة الصناعية التحويلية، وقطاعا أساسيا لتثمين الموارد الطاقوية في العالم. ومن منطلق هذه القناعة أرى أن الخيار الأمثل الذي يتعين على الجزائر تبنيه ينبغي أن يتمحور حول: تكثيف استكشاف مكامن الغاز ببلادنا، وتعزيز الاحتياطات منه، وتثمين قدرات ما تتمتع به بلادنا من هذا المورد والمضي قدما في مسعى فكّ الارتباط بين أسعار النفط والغاز، من خلال اعتماد مقاربة «تثمين الموارد الطاقوية النظيفة والمنخفضة المحتوى الكربوني»، فإذا كانت الطاقات النظيفة لها قيمة ذاتية وتثمّن تبعا لخصائصها، كذلك ينبغي إعطاء قيمة سعرية في السوق الدولية تليق بالغاز الطبيعي كوقود له كل المواصفات العالية الجودة منها الحرارية والبيئية ويمكن تعزيز نشاط الجزائر في مجال الدبلوماسية الطاقوية ودبلوماسية الموارد والخامات، على غرار ما يقوم به الإتحاد الأوربي  «أي دبلوماسية الخامات والأتربة النادرة».
أسواق النفط تمرّ بمرحلة حرجة ومفصلية
 انتعشت في الفترة الأخيرة أسعار برميل النفط لتشارف مستوى الـ 50 دولار.. هل تتوقعون استمرار المنحى التصاعدي؟..وما هي شروطه؟
 باستثناء انخفاض الإنتاج في الولايات المتحدة، واصل منحى الانخفاض في الإنتاج، للأسبوع الحادي عشر على التوالي، ليتراجع من ذروة تناهز 9.6 مليون برميل يوميا إلى مستوى 8.77 مليون برميل يومياً ويعد أدنى مستوى له منذ سبتمبر 2014، وسط موجة من إعلان الشركات المنتجة إفلاسها، فإن حالات التعطل غير المتوقعة للإمدادات في أنحاء العالم، كانخفاض الإنتاج في كندا بسبب حرائق الغابات في مناطق الرمال النفطية، التي أوقفت إنتاج نحو مليون برميل يوميا، وتزامنها مع قيام نيجيريا بتخفيض قياسي للإنتاج إلى أدنى مستوى له منذ 20 عاما، وتأخر عودة الإنتاج الليبي، والاضطرابات في قطاع النفط وانقطاعات التيار الكهربائي في فنزويلا، كلّ هذه الظروف الاستثنائية والمتزامنة أوقفت نحو 2.5 مليون برميل يوميا من الإنتاج والتدفق نحو الأسواق، مما دفع بحالة الانتعاش التي يشهدها سعر برميل النفط، وتجاوزه، في نهاية الأسبوع الرابع من هذا الشهر، لعتبة الـ 50 دولارا للبرميل للمرة الأولى منذ نحو سبعة أشهر. إضافة إلى انخفاض مخزون الولايات المتحدة الأمريكية من النفط بأسرع مما كان متوقعا، لكن حالات التعطل للإمدادات، يمكن وصفها بالظرفية وليست هيكلية، ما يجعل من حالة الانتعاش التي يشهدها سعر برميل النفط ظرفيا أيضا ومرتبط بدرجة تعافي الأوضاع في الدول والمناطق المعنية، فمثلا نلاحظ في هذه الأثناء تعافيا بشكل تدريجي لإنتاج النفط الرملي الكندي، كما أن المخزونات التي تملأ منشآت التخزين في العالم، تحول دون حدوث نقص في إمدادات المعروض، ما يمنع من تسجيل ارتفاع قوي في الأسعار، كما أن صعود الأسعار فوق الـ 50 دولارا سيحفز وبشكل فوري منتجي شركات النفط الصخري بالولايات المتحدة لاستئناف عمليات تمّ وقفها، وهذا ما من شأنه أن يضخم الإمدادات مجددا ويفضي إلى تراجع كبير في السعر. لهذا من المرجح أن تجد الأسعار صعوبة في البقاء في عتبة الخمسينات. إذْ لا تزال كمية عائمة من الفائض النفطي تطفو في الأسواق، كما أن تخمة المعروض من الخام قد تنمو في الأشهر القادمة، إذا لم يتماسك نمو الاقتصاد العالمي ويستعيد عافيته بشكل متصاعد مما سيصيب الطلب بالجمود لا محال. لذا يبقى الوقت مبكرا للحديث عن حالة تعافٍ ملموس ومستمر في أسعار النفط وعن شروط استدامة ذلك، لأن أسواق النفط تمر بمرحلة حرجة ومفصلية. فكل متتبع يدرك إن ما ميز النظام النفطي في الماضي القريب كان مقدار التنظيم الذي اتسم به، والقدرة على التنبؤ بسيرورته، وسهولة التعامل معه، وهدوءه النسبي. يذكر أنه منذ وقت قريب كانت للأوبك هيمنة تتقاسمها مع قلة من الشركات والدول، كان الجميع يعلم أن الاستقرار هو أساس العمل، ومن ثم سعوا إلى الحفاظ على الاستقرار، سواء من حيث المعروض أم الأسعار. لكن منذ سنة 2008، صار العكس تمامًا هو الصحيح، إذ صار عدم الاستقرار هو ما يميز النظام النفطي الجديد. وصار من المتعارف عليه منذ بدايات عام 2010 أن الهيمنة على النفط الدولي قد انتقلت إلى عدد متنوع من الأطراف تتاجر في أسواق العقود الفورية، وقد تسبب ذلك في انعدام القدرة على التنبؤ، ما جعل السوق تصاب بالعصبية. وقد أصبح سعر الخام يتأرجح صعودا ونزولا، وقد نشهد وصول سعر برميل النِّفْط إلى قيم قياسية ثم ينهار إلى مستوى منخفض وبذلك أصبحت أسعار النفط حساسة جدا.
 دعم الاستثمارات المنتجة
 كيف يمكن تجسيد سياسة التحول الطاقوي، التي أعلنت عنها الجزائر كبديل للإفلات من الصدمة النفطية، علما أن مسببات أزمة المحروقات لا تزال قائمة دوليا؟   
 نظراً للطبيعة المتقلبة التي أصبحت تطبع أسعار النفط وما يترتب عن ذلك من ضغوط على الموارد المالية للبلاد، تحتاج الجزائر إلى تحديد وتطوير القطاعات التي تتمتع فيها بأفضلية تنافسية مميزة. ولعلّ ظهور مثل هذه القطاعات سيمكّن الحكومة من تحقيق التنويع الاقتصادي المنشود. وتمثل إستراتيجية متعددة الأركان، ينبغي أن تقوم في البداية على إنضاج نموذج جديد لنمو الاقتصاد الوطني يوفر البيئة المواتية لإنجاح تضافر وتكامل جهود الحكومة والقطاع الخاص ومن ثم يتم تحرير المبادرات الاقتصادية التي تخلق الثروة، مع دعم الاستثمارات المنتجة التي من شأنها الرفع من القدرات التصدير الجزائرية خارج قطاع المحروقات، مع السير نحو تطوير النظام المصرفي وإصلاح البنوك حتى ترتقي إلى مستوى تطوير منتجات مالية مستقطبة. بالإضافة إلى تفعيل النموذج الوطني لاستهلاك الطاقة المبني على الغاز الطبيعي والمدمج لمختلف المصادر الطاقوية وللعناصر الأساسية المشكلة للتنويع والفعالية، وعلى وجه الخصوص إرساء إجراءات ترشيد استهلاك الطاقة، مع التخطيط للإحلال الذكي للطاقات المتجددة في المنظومة الطاقوية الوطنية. إلى جانب تنشيط الصناعات البتروكيماوية وتوسيع نطاق منتجاتها في إطار من التكامل بين المنتجات ذات الاستخدام الطاقوي والفلاحي والصناعي والرفاهية الاجتماعية، عبر تطوير إنتاج المشتقات النفطية. ومن المهم الحديث عن التكامل الأفقي عبر التخطيط للاستفادة من مختلف الموارد الطبيعية التي تزخر بها الجزائر مثل الثروات المعدنية والمصادر الطاقية المتجددة والموارد المائية. وعلاوة على ذلك، نشر الصناعات التحويلية وتشبيك مؤسساتها على كامل التراب الوطني، وتتمثل في صناعات تتميز بتزايد كثافة القوة العاملة وتعد باستحداث مناصب الشغل كأحد أهم نتائج الاستثمارات في قطاع النقل والتكرير والتحويل والتوزيع. ولذلك من المهم جدا بالنسبة للجزائر تعزيز مستوى الاستثمارات في مجال المحروقات والصناعات النفطية خلال السنوات المقبلة.