طباعة هذه الصفحة

عادة استحدثها الأصدقاء وتوارثتها العائلات

الإفطار على الشواطئ ظاهرة أصبحت تطبع يوميات الصائمين بعنابة

عنابة: هدى بوعطيح

مظاهر أصبحت عادات سنوية لدى أغلب الصائمين في مختلف جهات الوطن، على غرار سكان عنابة، الذين وجدوا في الشواطئ ملاذهم، ليس للإبحار أو الاستجمام، وإنما للإفطار على نسمات البحر محملين بمختلف الأطباق، حيث يسعى البعض لاستئجار طاولة بكراسيها، في حين لا يتوان آخرون في جلب طاولات معهم وتزيينها بما لذّ وطاب وكأنها مائدة إفطار بالبيت.
الإفطار على الشواطئ ظاهرة أصبحت تطبع يوميات العنابيين، خصوصا وأن بونة تزخر بشواطئ أغلبها قريب من وسط المدينة، حيث لا تجد العائلات نفسها أمام عناء الانتقال لبعد المسافة، حتى وإن تطلب الأمر الاستعانة بالمواصلات التي تكثر بها الخطوط نحو أغلب شواطئ عنابة، التي أصبحت بمثابة قبلة للصائمين هروبا من الروتين اليومي ودرجات الحرارة المرتفعة التي تشهدها الولاية منذ دخول الشهر الفضيل، وبذلك الإفطار على رمال ذهبية، وكذا الاستمتاع بنسمات البحر إلى وقت متأخر من الليل.
«الشباب في المقدمة»
ويعتبر الشباب من أكثر الفئات إقبالا على الإفطار على الشواطئ، حيث لا يكلفهم ذلك عناء سوى حمل الأطباق إلى البحر، بعد إعدادها من قبل الأم أو الأخت أو الزوجة، ويلتف أغلب الأصدقاء على المائدة لقضاء سهرة رمضانية خاصة بعد الاستمتاع بموجات البحر دقائق قبيل آذان الإفطار.
كما لا تخلو الشواطئ من بعض العائلات المكونة من الأب والأم والأبناء، الذين يجدون بدورهم متعة في الإفطار على صوت موجات البحر والاستمتاع بغروب الشمس، حيث لا تجد الزوجة أية مشقة في إعداد وجبة الفطور وتزيين المائدة المغروسة على الرمال، حتى أن من بينهم من يقصد البحر بعد الصلاة العصر للسباحة مع الأبناء إلى غاية اقتراب آذان المغرب.
ويعد «السانكلو»، «شابي» و»عين عشير» من أكثر الشواطئ  إقبالا من قبل العائلات العنابية، حيث تشهد توافدا كبيرا، لا سيما بداية من الساعة السادسة مساء، إذ يشرع الصائمون في تنصيب الموائد والكراسي، حيث من يمر من هناك يُخيل له أن هناك عرسا أو حفلة فنية، لكن مع اقتراب الأذان تنطلق العائلات في إخراج ما جادت به جيوبهم للتحضير لهذه السهرة الرمضانية الخاصة.
«عادات وتقاليد تكاد تندثر»
يضرب الإفطار على الشواطئ بالعادات والتقاليد الرمضانية بعنابة عرض الحائط، حيث أصبحت ملاذ أغلب العائلات، بعيدا عن التواصل الأسري في هذا الشهر الفضيل، والذي من المفروض أن يكثر فيه التآخي وصلة الرحم، بدلا من جو الانعزال والابتعاد عن لم الشمل.
فالإفطار على الشواطئ ظاهرة استحدثها الأصدقاء وتوارثتها العائلات، والتي أصبحت عادة مكرسة لديها، يجب تجسيدها كل سنة، فالمهم هو العائلة الصغيرة.
فقديما لم يكن يمر يوما واحدا من رمضان إلا وتجد عائلة تتحدث عن «العزومات» وكيف دعت عائلتها الكبيرة أو واحدا من جيرانها أو صديقا لها للإفطار عندها لخلق جو رمضاني أخوي، وعائلة أخرى تتحدث عن سهرة رمضانية زارت خلالها الأهل والأقارب كانت فيها المائدة سيدة الليلة بعد أن تمّ تزيينها بمختلف الحلويات كقلب اللوز، المقروط، القطايف، الزلابية والشاي، وتحلو السهرة إذا كانت هناك الجدة التي تحافظ على ما تيسر من العادات، لا سيما وإن كان في جعبتها ما تزال تحفظه من بوقالات للترفيه والترويح عن النفس.  
ولا يمكن القول، إن جميع العائلات لم تعد تحافظ على العادات والتقاليد الرمضانية، بل يمكن القول إن أغلبها أصبحت تجد متعة في الإفطار مع العائلة الصغيرة بعيدا عن الأهل والأقارب والأصدقاء، وقد تختتم سهراتها إما بالتجوال في الأسواق أو على شاطئ البحر أو مقابل شاشة التلفاز تبحث عن فيلم سينمائي أو مسلسل تلفزيوني، متناسية بأن رمضان هو شهر التآخي والتلاحم الأسري.  
بين الأمس واليوم
وترى السيدة «ليلى» ربة منزل، وتبلغ من العمر 60 سنة أن نكهة رمضان لم تعد كما في السابق، حيث اقتصرت اليوم على الصيام وأداء صلاة التراويح، وبعدها كل يذهب إلى حاله، مشيرة في حديث لـ»الشعب» أن «رمضان زمان» كانت فيه اللقاءات والزيارات هي السيدة، متحدثة عن عائلتها وكيف كانت الزيارات لا تنقطع خاصة في السهرات، بعد أن كانوا يتداولونها كل يوم عند أحدهم، إلا أنه اليوم ـ تقول السيدة ـ تكاد تنعدم، بعد أن أصبح الكثيرون يفضلون قضاء سهراتهم في البيت معللين ذلك بالتعب.
أما «إسماعيل نشار» فأكد أنه لا يفوت فرصة الإفطار على شاطئ البحر أو قضاء سهراته به، مرجعا ذلك لشدة الحر وأنه يفضل نسمات البحر على أن يخرج من بيته ليدخل بيتا أخرا، وعكس ما قالته السيدة ليلى، فإن إسماعيل يرى بأن لكل رمضان ميزته ونكهته، ورمضان السنوات الأخيرة والذي يصادف فصل الصيف فإن ميزاته قضاءه على شاطئ البحر سواء مع العائلة أو الأصدقاء، وهو ما أكده مرافقه الذي اعتبر الإفطار على الشاطئ يضفي على رمضان ميزة خاصة، حتى أنه لم يتوان في دعوة جميع الصائمين لتجريب نكهة الإفطار على الشاطئ والاستمتاع بغروب الشمس.
أما الحاجة يمينة 70 سنة فقد قالت إنها ليست ضد الإفطار على شاطئ البحر، ولكن شرط أن لا يكون ذلك على حساب تقاليدنا الرمضانية، مشدّدة على أن لا تكون هذه الظاهرة عادة يتوارثها أبنائنا مستقبلا، وأضافت بأن رمضان هو شهر التآخي والتآزر، والتقاء العائلات على طاولة رمضانية واحدة حتى يطرح الله عليها «البركة»، قائلة في الأخير «بنة رمضان راحت مع ناسها».