طباعة هذه الصفحة

تمسّكت دائما بمسافة فاصلة بينها وباقي القارة العجوز

أسباب وراء الانسحاب البريطاني

ليس غريبا أن يثير خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، كل هذا القلق الذي شتت الرؤى ليس فقط حول مستقبل الاقتصاد البريطاني ومعه الأوروبي، بل وصل أيضا إلى الضفة الأخرى من الأطلسي مشوشا على القرار الأميركي حول محرك هام لعجلة الاقتصاد العالمي برمته، ألا وهو الفائدة الأميركية.
 فبريطانيا هي أحد الأعمدة الرئيسية في الاتحاد الأوروبي وخامس اقتصاد عالمي، ومركز أوروبا المالي، وصاحبة نصيب الأسد من الاستثمارات الأوروبية المباشرة.
لكن، وسط كل ما تحظى به بريطانيا وجلها مكتسبات أتت من عضويتها الأوروبية، يبقى ذلك الشعور الدفين بالانفراد وعدم الانتماء حاضراً لدى البريطانيين، حتى أنك قد تسمعهم يطلقون على أوروبا لقب «القارة»، وتجد إعلانات وكالات السياحة في بريطانيا تشير إلى رحلات إلى «أوروبا»، وكأنما هم يقطنون قارة أخرى.
ويذكر التاريخ أن بريطانيا تمسكت على الدوام بمسافة فاصلة بينها وباقي أوروبا، حتى بعد الانضمام إلى اتحاد لم شمل القارة العجوز، انضمام أتى متأخراً بعد رفض أولي. فعندما أعلن عن تأسيس لبنة الاتحاد الأوروبي في العام 1957 كتكتل اقتصادي، أحجمت بريطانيا وقتها عن حجز مكان لها ضمنه، ولم تعدل عن موقفها سوى في العام 1973 أي بعد 16 سنة.
ورغم تأخر القرار، سرعان ما شابته أزمة ثقة قادت لاستفتاء أول، بعد سنتين فقط من اللقب الأوروبي، لكن حينها رجحت كفة مؤيدي البقاء بـ 67% من الأصوات.
غير أن نتائج الاستفتاء القديم لم تخمد جذوة الرغبة في الانفصال عن الاتحاد الأوروبي، بل إنها ظلت لعقود تلت حاضرة في الوجدان البريطاني، ولا أدل على ذلك من رفض لندن الانضمام إلى منطقة اليورو واعتماد العملة الأوروبية الموحدة، وتشبثها بعملتها الوطنية، ولا هي قبلت أيضاً بالدخول في اتفاق «شنغن» أو منطقة الحدود المفتوحة بين دول أوروبا.
إن الطريق الذي اختاره البريطانيون أمس، قادت إليه تحديات مر بها الاتحاد الأوروبي منذ الأزمة المالية العالمية التي ولدت أزمة منطقة اليورو، مرورا بأزمة اللاجئين والتخبط الأوروبي في معالجتها، وقد شكلت جميع هذه التحديات دفعة جديدة حركت رغبة الانفصال من جديد في وجدان أغلب البريطانيين.
لقد عزف دعاة الانفصال عن أوروبا على وتر أزمة اللاجئين التي أظهرت الاتحاد وكأنه خارج عن السيطرة، خاصة أنه يبقى مشروعا «غير مكتمل» بسبب التوسع الدائم في عضويته.
كما عزفوا على الوتر الثقافي والتهديد بزوال الهوية والخصوصية البريطانية، إن بقيت «حبيسة» الاتحاد الأوروبي، في إشارة إلى مسألة الهجرة، فكل سنة تستقبل بريطانيا قرابة مليون وافد جديد، بحسب ما نقلته وسائل إعلام بريطانية، والظاهر أن دفوعات المؤيدين لبقاء بريطانيا عضوا في البيت الأوروبي الموحد لم تتمكن هذه المرة من إعادة سيف الانفصال إلى غمده من جديد.