طباعة هذه الصفحة

أدب الرحلة

ما لم أقله عن أهل الرقيم وفيلادلفيا العرب

بقلم: وحيدة رجيمي

كانت الرحلة إلى الأردن جامعة بين الدراسة والاكتشاف. و قبل الشروع في الدراسة النظرية كانت لنا وعلى غير العادة ... دراسة تطبيقية في ذات الأماكن محور الدراسة. الانطلاق...

دخلنا إلى كهف أصحاب الرقيم ...يا الله ...شعور لا يوصف. .بين رهبة و خوف وذهول...أصابتني فعلا رعشة الموت...أفقت على بكاء زميلتي و صوت الدليل يفسر لنا قصة الفتية و كلبهم.
يوم ذهابنا إلى جبل أهل الكهف:  كم كنت متحمسة إلى الذهاب، و لكن ما إن وصلنا إلى المكان و كأن مس أصابني و نال مني الخوف الشديد و رهبة المكان لجمت تفكيري، فضاع مني الكلام و تاهت بسمتي التي ألفها أصدقائي...ولما دخلنا إلى الكهف زاد حالي سوءا و كأنني ذهبت لمكان غير المكان و الزمان...ولما رأيت الموقع الذي جمعت فيه عظام الفتية...رأيتني رميما...أفقت على صوت زميلي الذي كان يلتقط الصور وهو يقول لي: تماسكي و تمسكي ففعلت و بكلتا اليدين.....وكان الدليل يروي لنا قصة الفتية ....خرجنا لنكتشف المكان أكثر...وأنا لا أزال على وقع الصدمة...وصلنا إلى نبع ماء ...فقال زميلي ابتسمي يا وحيدة تطلع الصورة حلوة...ابتسمت..التقط الصورة...ثم قال ...من سلف لك هذه البسمة الصفراء...قلت: انتزعتها من رحم الخوف.
من جبل أهل الكهف..إلى جبل نبو ومسيرة موسى عليه السلام و الكثير من المعالم..وبعد السهل والجبل قصدنا بحرا يقال عنه ميت وهو كله حياة..
بعد صلاة الجمعة شددنا الرحال إلى البحر الميت ووصلنا و طبعا ليس على الجمل ....لكن للأسف و أنا بنت البحر لم أستطع ككل أعضاء الوفد حتى الوصول إلى ماء البحر الميت المعروف عنه انه دواء للكثير من الداء ...و السبب الشاطئ الطيني و الذي يداوي أيضا أمراض عدة.... حمدا لله كان معنا شاب تمكن من الوصول إلى الماء و تزويدنا بشيء من الطين الدواء لكل المتواجدين....شكرا حمزة.  
 البتراء كانت وجهتنا يوم السبت ١٦’١’٢٠١٦ وفي طريقنا وضعنا الرحال في عين موسى عليه السلام.. شربنا من النبع و وقفنا على الصخرة ثم واصلنا الرحلة. البتراء..وصلناها وهنا تعطلت لغة الكلام وتكلمت الأماكن.
دخلنا البتراء بسلام وأمان و بدأ الجميع يستعد لزيارة معالم المدينة العتيقة، ولكن أنا المنبهرة بجمال المكان الحامل لعبق الماضي، بقيت برهة من الزمن أجوب بمخيلتي أزقة  الزمن الماضي.
وعدت إلى زماني لأجد رفاقي يسلكون طريقا وعرا، مستحيل أن أسلكه لأكتشف أكثر.
وجدت زميلي يفكر مليا، هل يتبع البقية أم عساه لا يستطيع.
وإذا بالمنادي يدعونا لركوب الكاليج العربة، فقلت جاءت النجدة، واقترح علينا  توصيلة بـ 25 دينار أردني لشخصين مع ضمان العودة....ركبنا و بدأت رحلة الألف ميل...في الطريق لحقنا وسبقنا الموكب المشارك في ماراطون المشي...انتابني شعور الانتصار، لأنني سبقت من بدأ السباق قبلي...زميلي لم يعرف ذات الإحساس لأن الكاميرا غارت من أصل الأماكن و تعطلت عن أخذ الصور. ....
وصلنا إلى المنطقة التي تسيطر على الزمان والمكان...تلك هي الخزنة بأعمدتها ١٢ بعدد شهور السنة.
ثم تركنا خزنة الأنباط وسلكنا طريقا يوصلنا إلى مكان سعيت للوصول إليه بشدة...لبست زي المحاماة ودخلت القاعة..ودخلت ..المحكمة...لأقول له كن منصفا أيها النبطي فقد قتلني سحر المكان.. قبل القاضي مرافعتي و معارضتي...قال امضي بسلام و أمان وحكمنا لك بمس من سحر المكان و الزمان.
واصلنا مسيرة موسى عليه السلام و مشوار الألف ميل والي...الدير...و...للمعبد وصلنا. وهنا تقمصت شخصية ...قديسة الحرف...الاسم الذي أطلقه على وحيدة سلطان المحزون صالح رابح فقلت للوافد إلى ديري: مهلا سيدي لم اقتحامك لديري لم ترصدك لسيري ..تراك وحيدا مثلي. تراك سئمت غيري.
عن رحلة الخيال إلى البتراء ....كانت الأولى من نوعها....نحن هنا في واحدة من عجائب الدنيا..سحرتنا...بهرتنا...وفي الأخير قهرتني...ليس كل الطرق تؤدي إلى قمة بترا...الطريق وحيد..و الوصول إلى القمة يقتضي تسلق درج متكون من 4.000 من الدرجات...مستحيل وخيال...وحيدة التي ألفت النجاح و تتحدى المستحيل تقف عاجزة أمام هذه الأعجوبة...أقنعتني أن الإرادة أقوى من المستحيل...ثم أقنعتني ..لا يجب أن نرمي بأنفسنا في التهلكة..
وقررت على مضض أنني لن أشارك في مراطون الآلف ميل...
ابتدأ  المشوار....سال دمعي...و حدثتني نفسي...لن يستطيع احد الاستمرار ...خاصة ...الأربع بنات ...و غائبة عنهن الخامسة وحيدة....المنسحبة بشرف- هذا ما أقنعت به نفسي- 17 متنافسا و الدليل السياحي و مساعده.....وصل منهم 7 إلى أعلى قمة و وصلت واحدة من البنات في المرتبة الثالثة بعد الدليل السياحي و صديقنا رشيد من جامعة الأمير عبد القادر قسنطينة.....شرفتينا يا -ف.ع- كلية الطب جامعة عنابة ....كان حزني على نفسي التي عرفت مرارة الفشل بحجم فرحي بصديقتي و زميلتي و رفيقتي في غرفة الفندق.....أخذت و حفظت الدرس....وفي المرة القادمة ...بحول الله...لن يكفيني شرف المحاولة ..بل هدفي الوصول إلى القمة و أنقش اسمي على الصخر الوردي للبتراء. وتستمر الرحلة.. الاثنين ١٨جانفي و في المساء على الساعة ١٦ غزونا قلعة عمان فاتحين و مستكشفين.
وبعد فتح قلعة عمان دخلنا وسط البلد للتسوق ..وقبل ذلك كان لنا لقاء في المدرج الروماني ...و تذوقنا أكلة العشاق ..فزدنا عشقا بالبلاد و العباد ....إلى أن وصلنا إلى مسجد الحسين تحفة معمارية أخرى تزخر و تفخر بها عمـــــان.
الغذاء يومها كان منسف أردني ولا ازكي  -ألذ-
وفي السوق...ما أحلاني بالطاقية و الشال الأردني اللذان تزينت بهما...تحت إلحاح صاحب المحل...أردني من أصول فلسطينية...من شدة حبه للجزائر أُطلق عليه اسم –السفير الجزائري- شكرا سعادة السفير على كل هذه الحفاوة و الكرم و خاصة شكرا على الشاي المعتبر.
قد نعود يوما إليك يا فيلادلفيا العرب ...عمان.