طباعة هذه الصفحة

الباحث في علم النفس في حوار مع «الشعب»:

اختطاف الأطفال جريمة تستدعي أقصى درجات العقاب

ظاهرة دخيلة على المجتمع الجزائري في انتشار مخيف

تطرق الأستاذ خالد عبد السلام باحث بقسم علم النفس وعلوم التربية والآرطفونيا بجامعة محمد لمين دباغين في سطيف 2، وعضو اللجنة العلمية للمرصد الوطني لحقوق الطفل، ومسؤول لجنة التربية بالهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث، في هذا الحوار الذي خص به جريدة «الشعب» إلى  ظاهرة اختطاف الأطفال، مستعرضا بالتفصيل مختلف الأسباب التي ساهمت في استفحال الظاهرة، وعلى رأسها سيطرة القيم والمعايير المادية على حساب القيم الاجتماعية والإنسانية الأخرى التي تضبط السلوكات وتضمن الانسجام بين بني البشر، وتخلي الكثير من الأسر عن مسؤولياتها التربوية، داعيا إلى تعاون جميع مؤسسات المجتمع من الأسرة، المدرسة، وسائل الإعلام، المساجد، السلطة السياسية، المؤسسات الأمنية والمجتمع المدني.
- الشعب: اتخذت ظاهرة اختطاف الأطفال وقتلهم منحنى خطيرا في المجتمع الجزائري، كيف هي الوضعية برأيكم ؟

 الدكتور خالد عبد السلام: يعتبر سلوك الاختطاف جريمة شنيعة و مُدانة، يعاقب عليها القانون ويرفضها العقل والمنطق والشرع والمجتمع. وهي من الظواهر التي أصبحت تتفاقم بشكل لافت للانتباه في المجتمع، وتؤرق الأسر والمجتمع بكل مؤسساته. وهو من السلوكات التي تدل على انحراف ودناءة وحقارة وجُبن وسوء أخلاق فاعله، باعتبار الفاعل يتعامل مع البراءة ومع الشريحة الأضعف في المجتمع التي لا تقوى حتى على الدفاع عن نفسها إلا وهي فئة الأطفال، الذين يفترض أن يكونوا بمنأى عن كل الصراعات والنزاعات العائلية أو الاجتماعية، وبعيدا عن الحسابات الشخصية وعن الحروب المسلحة وغيرها. حتى القوانين الوطنية والدولية شددت على ذلك من أجل حماية الأطفال من كل الأخطار التي تهددهم لضمان أمنهم وسلامتهم النفسية والجسدية والعقلية.
المعروف أن سلوك اختطاف الأطفال ليس وليد اليوم، بل هو موجود منذ زمن بعيد في كل المجتمعات، وحتى في مجتمعنا الجزائري بمختلف الأشكال. انتشر بين الزوجين المطلقين، فكثيرا ما نسمع عن اختطاف أهل الزوجة أو أهل الزوج لطفل أو طفلة من أمها أو من أبيها وإخفائها بسبب الكفالة أو الابتزاز وغيرها. كما حدثت حالات كثيرة من الاختطاف للأطفال أمام المدارس وفي الأحياء داخل المدن وفي الأرياف بغرض الاعتداءات الجنسية. ولكن لم يكن شيئا لافتا للانتباه من قبل، ولم يقلق أو يوتر المجتمع، والكثير من الأسر كانت تلتزم الصمت تجنبا للعار والفضيحة.
بينما سلوك الاختطاف اليوم منذ ثلاث سنوات تقريبا أصبح يلفت انتباه الرأي العام الوطني والعالمي لأن أبعاده أصبح لها طابع إجرامي أكثر ما هي اجتماعية. كما أن التغطية الإعلامية لحالات الاختطاف أعطت لها زحما وضجة كبيرة لدى شرائح المجتمع ومؤسساته الرسمية وغير الرسمية. لاسيما أن تناول الخبر لم ينحصر في وسائل الإعلام التقليدية، بل أصبح كل مواطن يملك لنفسه وكالة أنباء وقناة تلفزيونية من خلال شبكات التواصل الاجتماعي المتنوعة وكل يتناول الأخبار ويعالجها بطريقته وأسلوبه الخاص.
لذلك فالاختطاف اليوم لم ينحصر في حالات سوء تفاهم بين عائلتين أو زوجين أو حالات الاعتداء الجنسي بقدر ما يرتبط بأبعاد إجرامية جديدة دخيلة على المجتمع الجزائري، وحسب رأيي فإن بعضها قد ترتبط في حالات أخرى بتصفية الحسابات الشخصية والعائلية. والبعض الآخر قد يكون له علاقة بشبكات محلية أو دولية تتاجر بالأعضاء البشرية، وحالات أخرى قد يكون لها علاقة بالعصابات والمنظمات الإجرامية المنظمة التي تستعمل الأطفال القصر كوسيلة لابتزاز الأغنياء والعائلات الميسورة بالفدية والمال.ٍ كما يكون لبعض الحالات علاقة بسلوك الشعوذة الذي مازالت الكثير من الأسر تؤمن به وتسعى إليه مادام الإعلام يشهر به ويسوقه بطرق مختلفة. كما يمكن إضافة احتمال آخر يمكن تصنيفه ضمن خانة تجار السياسة الذين يمتهنون فن صناعة الخوف والهلع في المجتمع من أجل زرع الشك والريبة وعدم الأمن في نفوس الناس لدفعهم إلى الفوضى أو لتحقيق أهداف مشبوهة.

- ما هي ألاسباب الرئيسية لهذا السلوك الاجرامي الخطير؟
 يمكن القول أن هناك عدة عوامل وأسباب متداخلة ومتشابكة ومعقدة منها الانقلاب الحاصل في المنظومة القيمية للمجتمع الجزائري، حيث كلنا لاحظنا من خلال المعايشة الميدانية، أن سلم القيم الاجتماعية قد انقلب رأسا على عقب.حيث أصبحت كل فضيلة وكل شيء جميل إلا و قبحناه وكل ما هو قبيح أوشر إلا وجملناه. وأصبح الناس اليوم يمجدون في ممارساتهم ومواقفهم اليومية كل أشكال العنف والقوة والإجرام والانتقام بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، ويعتبرون ذلك من قيم العصر ومن صفات الرجولة والشهامة لفرض الوجود والذات في المجتمع. في حين كل ما له علاقة بالتعقل والرزانة والحكمة والأخلاق يشمتونها و يعتبرونها من سمات ضعاف الشخصية، (يوصفون بأنهم:» ناس مازالوا نية مْسَاكنْ، لم يستفيقوا لأنفسهم بعد»).
يضاف إلى ذلك، سيطرة القيم والمعايير المادية في المجتمع على حساب القيم الاجتماعية والإنسانية الأخرى التي طالما تدرس في كل المؤسسات لكونها هي التي تهندس العلاقات و تضبط السلوكات، وتضمن الانسجام والتعايش بين بني البشر.لكن للآسف الشديد أصبح أفراد مجتمعنا الجزائري يزنون كل شيء بالمادة والمصلحة في تصرفاتهم وعلاقاتهم.ونتيجة لسيطرة ثقافة الطمع والربح والغنى السريع، أصبح الكل يسعى إلى الكسب والربح بكل الوسائل والطرق الأخلاقية أو غير أخلاقية. لذلك استباح الناس لأنفسهم الغش والتحايل والتزوير والخداع والاختطاف والإجرام. و إلا كيف نفسر مثلا أن يقتل الإنسان أباه أو أمه من أجل مبلغ من المال؟ وكيف نفسر أن يقتل التاجر زبونه بسبب خلاف حول مبلغ بسيط من المال؟ وكيف نفسر تفنن الكثير من الناس في الغش والتحايل والتزوير في كل شيء في التجارة والصناعة والصيدلة والطب والإدارة وفي كل مجالات الحياة؟ وكيف نفسر لجوء بعض الشباب المنحرف إلى اختطاف الأطفال والفتيات لابتزاز أسرهم بالفدية التي لا تسمن ولا تغني من جوع؟ وكيف نفسر لجوء بعض العصابات إلى اختطاف الأطفال أو المجانين ثم قتلهم من أجل بيع أعضائهم الجسمية؟ وغيرها من التساؤلات التي لا تنتهي.  
كذلك من الأسباب، تأثير وسائل الإعلام وتكنولوجيات الاتصال المعاصرة من خلال مشاهد الأفلام والمسلسلات المتنوعة التي كثيرا ما ساهمت في تغذية ثقافة العنف والإجرام وثقافة الانتقام بأبشع الوسائل والطرق بما في ذلك استعمال اختطاف الأطفال كوسيلة للابتزاز أو الانتقام من العائلة أو لتصفية حسابات سياسية أو اجتماعية بين شخصين أو عائلتين أو جماعتين أو منظمتين أو بين مؤسسات. وهذه الوسائل التكنولوجية المعاصرة التي يتابعها كل أفراد المجتمع قد ساهمت في تفشي الكثير من الظواهر السلبية، لا سيما معالجة المشاكل العائلية بطرق إجرامية وبالعداوات والمناكفات،مع رفض كل أساليب التسامح والتصالح بطرق عقلانية وودية عند كل خلاف أو نزاع عائلي أو اجتماعي، باعتبار ذلك تنازلا وضعفا في الشخصية وتقليلا من شأن ومكانة المتسامح في نظر المحيطين به، وكذا تخلي الكثير من الأسر عن مسؤولياتها التربوية، وإهمالها لأبنائها، استنادا إلى الكثير من المؤشرات: من أهمها أن الكثير من الأسر الجزائرية سواء في المدن أو الأرياف أصبحت لا تولي أهمية كبيرة لرعاية أبنائهم نفسيا وعقليا واجتماعيا، بقدر ما نجد الكثير منها منغمسا إما في متابعة البرامج التلفزيونية أو في الدردشة عبر شبكات التواصل الاجتماعي، أو في مواقع الانترنيت.علما أن الكثير من الآباء اليوم نجدهم يقضون كل أوقات فراغهم في المقاهي لا يهمهم مصير ومستقبل أبنائهم والكثير منهم لا يعلمون أين يتواجدون وماذا يفعلون. المهم بالنسبة للكثير منها أن تتخلص من إزعاج أبنائها.
وهو ما يفسر لماذا نجد الكثير منها تدفع بأبنائها إلى الشارع، مهملين في الساحات العمومية والأزقة إلى ساعات متأخرة من الليل، ولا تسأل عنهم إلا إذا حدث لهم مكروه، أو تتركهم في غرف مغلقة تحت رحمة البرامج التلفزيونية أو الألعاب الإلكترونية؟ ونتيجة لذلك نفهم لماذا يقع الكثير من الأطفال فريسة للذئاب البشرية، سواء عرضة للاعتداءات الجنسية أو للاختطاف أو للتجنيد ضمن العصابات المحترفة في السرقة والتسول في الأسواق والأماكن العمومية أوفي المتاجرة بالمخدرات ..غيرها. وإلا كيف نفسر مثلا لماذا لا يسأل الكثير من الأولياء أبناءهم عن مصدر الأموال أو الأشياء الثمينة التي يملكونها؟ و لماذا لا يسأل الكثير من الأولياء عن مكان وجود أبنائهم طوال اليوم؟
إلى جانب تنامي الشعور بضعف هيبة مؤسسات الدولة لدى الكثير من المنحرفين والمجرمين وأفراد المجتمع نتيجة التساهل مع حالات الإجرام و التخفيف للعقوبات اتجاههم، أو الإعفاء لهم في مختلف المناسبات. بل نجد الكثير من المنحرفين يقرون بأنهم مهما فعلوا من جرائم فإنهم لن يقضوا عقوبات صارمة تردعهم مادامت هناك سياسة العفو المتكرر لهم.لذلك نجدهم لا يكترثون لا بالقانون ولا بالعقاب ولا بأي سلطة او مؤسسة رسمية أو غير رسمية بدليل ان التقارير و الاحصائيات التي تقدمها المؤسسات الأمنية (الدرك والشرطة) تؤكد ان غالبية المنحرفين والمجرمين الذين يتم توقيفهم كل سنة هم من المسبوقين قضائيا. والأغرب في كل ذلك، كثيرا ما نقرأ تعاليق الشباب الجزائري عبر شبكات التواصل الاجتماعي تروج لقناعات، أنهم يعيشون في زمن لا يحكمه لا القانون ولا النظام ولا أي شيء، بل هم في زمان شعاره:» طاق على من طاق».والبطل في مخيال الكثير من الشباب الجزائري هو من لا يبالي بالقانون ويجرؤ على التحايل و الغش و تجاوزالمعايير والأخلاق دون خوف ولا تردد، بطريقة الأفلام الهوليودية. ويكتبون أيضا أن الخوف من القانون ومن المؤسسات هو من صفات (الجايحين) وضعاف الشخصية.

- صدمات نفسية تخلفها الظاهرة لدى الطفل. ما هي الآثار الناجمة عنها مستقبلا على مجتمعنا؟

 تفشي مثل هذه الظاهرة لها انعكاسات خطيرة على الأطفال أنفسهم من خلال: تعرض الناجين منهم من القتل، لصدمات نفسية تبقى تؤثر في شخصياتهم طوال كل مراحل حياتهم. وقد تترتب عنها مشكلات واضطرابات نفسية معقدة لا حقا تعيقهم عن تحقيق توازنهم النفسي واندماجهم الدراسي والاجتماعي. وفي نفس الوقت قد تدفع بعضا منهم لاحقا وخاصة ذوي البنية النفسية الهشة إلى العيش في كآبة وانعزال وانطواء على أنفسهم. أو بعضهم الاخر إلى التفكير في الانتقام من أنفسهم إما بتناول المنشطات أو التفكير في الانتحار،و إما التفكير في الانتقام من المجتمع بالانحراف والانخراط في العصابات الاجرامية إذا لم يجدوا دعما ورعاية نفسية مناسبة خلال مراحل حياتهم الطفولية، أو إذا وجدوا مناخا محفزا على ذلك في بيئتهم الاجتماعية.
أما في حالة تعرضهم للقتل والتنكيل بلا رحمة ولا شفقة كما حدث بالنسبة للكثير من الحالات التي غطتها وسائل الإعلام لا سيما الطفلة نهال بتيزي وزو، وشيماء وهارون وإبراهيم بقسنطينة، فإن الانعكاسات السلبية تصيب الأسر المعنية أكثر من خلال تعرضها للصدمات وما يترتب عنها من أزمات صحية ، كالأزمات القلبية وارتفاع ضغط الدم، و أمراض السكري والإغماءات وغيرها. كما تؤثر تلك المشاهد المؤلمة على المناخ النفسي والمزاج الاجتماعي العام للمجتمع. فتحدث الهلع والخوف والشعور باللاأمن في المجتمع. والذي يترتب عنه فقدان الثقة في كل الناس والريبة والشك في كل شيء.

- ما هي الحلول التي ترونها الأنسب والأنجع  للحد من هذا الخطر ؟

 مسؤولية الحفاظ على سلامة الأبناء وحمايتهم من الأخطار، تتقاسمها جميع مؤسسات المجتمع ابتداء من الأسرة والمدرسة ووسائل الإعلام والمساجد والسلطة السياسية والمؤسسات الأمنية والإدارية ومؤسسات المجتمع المدني. وكل في مستواه وفي حدود مسؤولياته. لذلك كل الحلول ترتبط بمدى تكاتف جهود جميع الأطراف المعنية ودرجة التنسيق بينها مع مدى فعالية الإجراءات التي تتخذ من قبل كل طرف.
حسب رأيي فالعملية تحتاج إلى إجراءات وقائية أولا ثم تليها إجراءات ردعية، ومن أهمها ما يأتي:
تكليف مخابر ومراكز البحث بإجراء دراسات علمية أكاديمية لتشريح الظاهرة ودوافعها الحقيقية وخلفيات أبطالها من أجل فهمها بعمق ليتسنى بعد ذلك تقديم الحلول الجذرية و المناسبة والناجعة لها، التحسيس والتوعية لأفراد الأسرة حول ضرورة التحلي أكثر بروح المسؤولية التربوية والأمنية اتجاه أبنائها في كل المستويات، التعاون والتنسيق بين جمعيات المجتمع المدني والمساجد ووسائل الإعلام والمؤسسات الأمنية من أجل تنظيم نشاطات جوارية لتحسيس وتوعية كل أفراد المجتمع والمساهمة في رفع مستوى حسهم المدني ويقظتهم اتجاه كل السلوكات المشبوهة ذات العلاقة بمحاولة اختطاف، تعزيز انتشار المؤسسات الأمنية في التجمعات السكانية والأحياء السكنية بالمدن والأرياف مع تكثيف الدوريات فيها، مراجعة برامج الإدماج الاجتماعي للمنحرفين والمجرمين على مستوى المؤسسات العقابية، وتعزيزها بنشاطات نفسية و بيداغوجية ترتكز على التنمية الذاتية بتعزيز ثقتهم بأنفسهم وقدرتهم على إدارة انفعالاتهم،  تشديد العقوبات على محاولات الاختطاف والمختطفين بما يردعهم ويردع غيرهم حتى عن مجرد التفكير في محاولة الاختطاف.