طباعة هذه الصفحة

تأمّلات

ماذا لـو كان العالمَ: أنـتْ؟!

زكي حكيم حرقاس

«لا يوجد الآن من يؤمن بمصير شعبه إلا أولئك السلاجقة الذين صنع منهم الإعلام شرفاء الأمة ولو تصافحت عيونهم بعلم عبري، حتى يخيل للحرية ذاتها أنها تنعم بسيادة نفسها لا بفكرة العبودية المباحة بثوب ديمقراطية لا تنتمي لمفردات القيم”.
يسألني جندي عائد من طاحونة العذاب على ضفة نهر السادية، ثم يختفي في عتمة الحياة متلاشيا على ملامحه المتبقية كوطن ما يشتهي أن لا تُنسى جغرافيا ذبوله في محيط العرب: ماذا لو كان العالَم..هو أنتْ؟
كم كان له من ضمائر الغائب ليستعد لمواجهة كائن لم تخبر عنه بعدُ فلسفة التخدير، حتما قد تقف مثل هذه الكتابة حائراً بأحلامك في أي عالَم سيشبهك، في أي شيء ستأخذ منه كومة الإنسانية ترفا وتنفقها على ظلكَ الذي خلفته وراء هروبكَ نحو مجهول هو أنتْ. أنتَ الذي نشأتَ على خبايا مشاعرك مواطنا عربيا صالح فقط للتكاثر، وإنجاب سلالة بأكملها من روافض الحياة وشيعة الخرافة وسنة ما تبحث عنها في صدور متشبعة بالإيمان (إيمانهم هم) كفنادق خمس نجوم، أو تحت ما يسمى الإسلام الجديد لأمة حان لها أن تباشر مراسيم دفن أعراض خوفها في عروقها وأكبر عرق لها (داعش).
يأخذني أحد عمالقة السياسة الرجعية لان أكابد ظنون الأسى، وأقول دون مبالاة [لو كنتُ أدري أن حزب الشيطان هو حياتنا لتصالحتُ مع لذة ما تكبرني بالفضيلة: الحياة برفاهية صدفنا به دون حاجة  لرقية شرعية تعيدنا لأنفسنا بأنفسنا بالثورة]، إنك مستعد لتذرف اشتياقاً حضارتك بأكملها دون أن تنبس ببنت شفة قرب قبركَ الكبير، حزناً تتوقف عن الصمت وتردد بصوت أصحل من كثرة تدخينكَ لأكاذيب الحياة (أحدٌ..أحدْ..)، ماذا لو كان هذا الأحد الذي تمنحه وقتا كافيا في حضرة بؤسكَ هو نفسه العالَم الذي تظنُ أنه جنتك، ماذا لو خيّرتك أقدارك أن تستعد لقبول الحياة على وسامة موتك شهادةً، قد لا تفكر في الشهادة الأن بقدر رغبتك في طرح سؤال ما:
- من أجل أي شهادة نبتغي الجنة في الداريين؟
ثم ترفع رأسكَ مباهيا ظلك المتشابك مع ظلال الحياة،
وتجيب بفكرة المثابر من أجل جحيمه:
- قد يحق لطارح السؤال أن يفصح عن حيرته بجواب لا يكاد يقل أهمية من الجرح العربي القديم، أو تقبل وزر الحياة بما تقدمه لنا من رغباتها العشر حتى لا نقع في شباك الكفر عنوة أو فريسة للولاء، مؤلم جداً أن تتوصل لإكتشاف تكون مجبراً على قبوله: في الحقيقة لست إلا عائداً من قصر العجب في يدي خاتم سليمان لرفع اللبس على تساؤلاتكم العشر المحفوظة في لوح سيدكم بالدم العربي، مؤلم حد السخرية أن ينتظر كل واحد منكم جوابا على نفسه وفي بركان وجعه كل الحقائق التي خبئها عن العالم، ليظهر دائم الإبتسامة الوطنية وكثير السعادة العربية، ثم من منا لم يقترف جريمة في حق الآخر، الآخر الذي لم يمنح لآخر مثله شيئا، ألا ترون أنّنا نمثّل على أنفسنا بلعبة القدر في رفض حرية تأتينا من السماء، ألا تنظرون لما نحن عليه الآن من انسلاخ فاحش بالخنوع المعطّر بـ(نحن أمة لا حول لها ولا قوة)، بئس القوة التي نراها في وضيع لا يرفع لنا شرفا ولا يجلب لطعامنا وشرابنا وملبسنا وعافيتنا ثمر الكرامة.
أيّها الإنسان ما غرّك بنفسك وأوطانك العربية في فرن اللهفة تسوى على مشيئة الذين جبلوا على فقد قيمة الحياة من شياطين الأمة كما ستبدو أنت يا من ترى في لون بشرتك عرقا فاضلا إبليساً وديعا على هيئة مبشر بالحياة.
قل لمن سرق رغيفَ المساء بيّ، إنّي سأزرع قمحا في عتمة ظلالكَ لأحصد في الغد رغيفَ الحياة جنة خلد ولك النار مرقدا وحصيرا!
ألا زال من في أمة إقرأ من يفكر في لباس العافية سخطاً؟ لا أظن أن العافية التي ودعناها مع سلفنا الطاهر عربي المفاخر قد تعود يوما بجلبة منا [الأشياء التي بحوزتنا تختفي بكرامة]، أيّ كرامة تنزلونها بأنفسكم وما أنزل الله بها من سلطان، لا قيمة للحياة من غير وجود أهلها، ولا أهل للزمان من دون إنسان يطمع في الحياة بقدر هلاكه على يد خليفته.
الأرض لمن هبت ريحُ حيائه وأمطرتْ بالباقيات الصالحاتُ حياةُ، والجنة مقام عز والنار مأوى الذين في قلوبهم تبن وبنزين، وفضلات بترولٍ خيباتُ..فمن لم يمنحكَ الحياة وهو في عرش حياتكَ لن يمنحكَ الجنة في موعد ثانٍ لك به على قارعة طريق البؤس رهطاً، فلا تقل لقاتل الحياة أعدل بين أزواجك، فزيجة الخبث تلد لعنة القضاء لزوما.
كفاك مدحا لعالمنا فلم يزل الكثير منا مستعد للموت على شرف حياته، فمن لم يمت بحبه لن يحب الحياة، ومن ودّعته الحياة قبل أن يودعها نال مرتبة الشهادة بوسام الوطن، فأقم يا من ترى عدالة الحياة فناً في شجاعة فلان دون عُمَّر نهاية الشرف.
سأجيبك يا من نذرت لسؤالك هذا فظاعة طاعتك للأخر الذي لن يمنحكَ سوى موتكَ على طبق متبل بمعصية الحرية على عجل: لو كان العالم هو (أنا) لتسامحت مع الحياة خشية دخول الجنة برائحة الخليفة العربي.