طباعة هذه الصفحة

الجزائر تواصل حربها على الفساد

هيئات وتشريعات للحفاظ على الأموال والممتلكات العمومية

حكيم بوغرارة

تواصل الجزائر حربها ضد الفساد التي باشرتها منذ سنوات حيث تعتبر خطوة تنصيب الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته قيمة مضافة أخرى لسلسة من الإجراءات المتخذة، فبعد قانون مكافحة الفساد والوقاية منه الذي دخل حيز التنفيذ في 2006،  وينتظر من الهيئة الجديدة التي نص عليها الدستور الجديد الذي دخل حيز التنفيذ شهر مارس الماضي في مادته 202 “ تؤسس هيئة وطنية للوقاية من الفساد ومكافحته، وهي سلطة إدارية مستقلة توضع لدى رئيس الجمهورية.تتمتع الهيئة بالاستقلالية الإدارية والمالية،
استقلال هذه الهيئة مضمون على الخصوص من خلال أداء أعضائها وموظفيها اليمين، ومن خلال الحماية التي تكفل لهم من شتى أشكال الضغوط أو الترهيب أو التهديد أو الإهانة أو الشتم أو التهجم أيّا كانت طبيعته، التي قد يتعرضون لها خلال ممارسة مهامهم”.
أشارت المادة 203 إلى الدور المنوط بها موضحة “تتولى الهيئة على الخصوص مهمة اقتراح سياسة شاملة للوقاية من الفساد، تكرس مبادئ دولة الحق والقانون وتعكس النزاهة والشفافية والمسؤولية في تسيير الممتلكات والأموال العمومية، والمساهمة في تطبيقها”.
الهيئة تجسيد لإلتزامات الجزائر الدولية
يأتي تنصيب الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد بعد مصادقة الجزائر على اتفاقية مكافحة الفساد في 2006 وهي التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 31 أكتوبر 2003 (قرار 58/4)، وتم التوقيع عليها من قبل أكثر من 140 دولة.
والإتفاقية هي الأحدث في سلسلة طويلة من التطورات التي اعترف بها الخبراء والسياسيون وذات التأثير البعيد المدى على الفساد والجريمة الاقتصادية التي تقوض قيم الديمقراطية والتنمية المستدامة وسيادة القانون. وعملت الاتفاقية على وضع تدابير فعّالة ضد الفساد على المستويين المحلي والدولي.
وتتعامل الاتفاقية مع أشكال الفساد التي لم يتم تغطيتها من قبل العديد من الصكوك الدولية السابقة مثل الإتجار بالنفوذ وإساءة استعمال الوظيفة وأنواع مختلفة من الفساد في القطاع الخاص، مع إدراج فصل خاص لاستعادة الأصول المسروقة.
وباتت الاتفاقية مصدر قلق كبير بالنسبة للعديد من البلدان التي تحتضن أصول الكثير من المفسدين وغيرهم من المسؤولين المتهمين أو تم الإثبات بأنهم انخرطوا في الفساد.
وتغطي الاتفاقية خمسة مجالات رئيسية هي: التدابير الوقائية والتجريم وإنفاذ القانون والتعاون الدولي واسترداد الموجودات والمساعدة التقنية وتبادل المعلومات. ويشمل الأحكام الإلزامية وغير الإلزامية على حد سواء.
وتنص اتفاقية مكافحة الفساد على أهمية الوقاية من الفساد عن طريق الذهاب إلى أبعد من التدابير من الاتفاقيات السابقة في كل من النطاق والتفصيل. واتخذت تدابير وقائية في كل من القطاعين العام والخاص، ويتضمن الفصل الثاني من المادة 5 إلى 14 سياسات وقائية مثل إنشاء هيئات لمكافحة الفساد وتعزيز الشفافية في تمويل الحملات الانتخابية والأحزاب السياسية. ينبغي لهيئات مكافحة الفساد تنفيذ سياسات مكافحة الفساد ويجب أن تكون مستقلة والموارد ذات الكفاءة والمؤطرة بشكل صحيح.
ويدعو الفصل الثالث من المادة 15 إلى 44 من الاتفاقية، الدول الأطراف إلى توسيع سلسلة الجرائم الجنائية التي تضاف لجرائم الفساد القديمة مثل الرشوة والاختلاس على غرار المتاجرة بالنفوذ وغيرها من انتهاكات المهام الرسمية. ودعت الاتفاقية إلى الزامية تجريم عرقلة سير العدالة والإخفاء وتحويل أو نقل العائدات الإجرامية (غسل الأموال).
كما دعت إلى تمديد العقوبات إلى أولئك الذين يشاركون فيها ويمكن أن تمتد إلى أولئك الذين يحاولون ارتكاب جرائم الفساد. مع تجريم جملة أمور منها ارتشاء الموظفين العموميين الأجانب والدوليين والمتاجرة بالنفوذ وإساءة استعمال الوظيفة والإثراء غير المشروع والرشوة والاختلاس في القطاع الخاص وإخفاء الأصول غير المشروعة.
وفي مجال التعاون الدولي الذي جاء في الفصل الرابع من اتفاقية مكافحة الفساد تفرض على الدول الأطراف أن تساعد بعضها بعضا في مكافحة الفساد بما في ذلك الوقاية والتحقيق وملاحقة الجناة، والتعاون يأخذ شكل تسليم المجرمين والمساعدة القانونية المتبادلة ونقل أحكام الأشخاص والإجراءات الجنائية والتعاون في مجال إنفاذ القانون مما يشجع أيضا التعاون في المسائل المدنية والإدارية.
ويتضمن الاتفاق استرداد الأموال المنهوبة عن طريق الفساد وهو أحد الأسباب التي جعلت العديد من الدول النامية توقع على الاتفاقية. فاسترداد الأموال المسروقة هو في الواقع مسألة في غاية الأهمية بالنسبة لكثير من البلدان النامية حيث الفساد على مستوى عال.
ويؤسس الفصل الخامس من اتفاقية مكافحة الفساد استرداد الموجودات باعتباره “المبدأ الأساسي” للاتفاقية، فالأحكام المتعلقة باسترداد الموجودات تكمن الإطار في القانون المدني والجنائي على حد سواء لتعقب وتجميد ومصادرة وإعادة الأموال التي تم الحصول عليها من خلال الأنشطة الفاسدة. إن الدولة ضحية الفساد في معظم الحالات تتلقى الأموال المستردة طالما أنه يمكن إثبات الملكية مع توسيع استرجاع الأموال المسروقة للأفراد.
الهيئة قيمةمضافة لقانون مكافحة الفساد
وتضاف الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد إلى قانون لمكافحة الفساد حيث وبعد المصادقة على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد حيث صادق البرلمان على قانون مكافحة الفساد في 2006 وضم هذا القانون إجراءات ردعية شديدة غير أنه لم يفهم سبب انتشار موجة الفساد بعد هذا القانون الذي يظهر أن العقوبات التي تصل في أقصاها إلى 20 سنة لم تردع المفسدين بل شجعتهم على المزيد من الفساد حيث وصلت معظم العقوبات إلى 10 سنوات ما يعتبرونها عقوبة مخففة، وعليه قد يكون إدماج عقوبة الإعدام حلا من حلول ردع كل من تسول له نفسه العبث بالمال العام.
وذكر القانون أن من أسباب اتخاذ مثل تلك الإجراءات هو تعزيز النزاهة والمسؤولية والشفافية وتسيير القطاعين العام والخاص، مع تسهيل دعم التعاون الدولي والمساعدة التقنية من أجل الوقاية من الفساد ومكافحته بما في ذلك استرداد الموجودات.
ومن العقوبات التي نص عليها القانون هو ما ورد في المادة 25 حيث تعاقب من سنتين إلى 10 سنوات حبس وبغرامة مالية من 20 إلى 100 مليون سنتيم كل من وعد بمزية غير مستحقة أو بأداء أو امتناع عن عمل من واجباته.
وقالت المادة 27 أن أية مخالفة للتشريعات الخاصة بالصفقات تكلف صاحبها من 10 إلى 20 سنة سجنا أما المخالفات الخاصة بمنح رشاوى للأجانب والعاملين في المنظمات الدولية فتعرض صاحبها لنفس عقوبات المادة 27 وشأنها شأن اختلاس الممتلكات من قبل موظف عمومي أو استعمالها على نحو غير شرعي.
وتشير المادة 31 إلى عقوبات تتراوح بين 5 و10 سنوات وغرامة من 50 إلى 100 مليون سنتيم في حق كل من يقوم بتخفيض غير قانوني في الضريبة والرسم أما من يستغل النفوذ ويسيء استغلال الوظيفة ويأخذ فوائد غير قانونية ويتبع طرق للإثراء غير مشروعة ويبيض الأموال الإجرامية ويمول الأحزاب بطرق خفية فيتعرض لعقوبات تتراوح بين سنتين و10 سنوات وغرامات بين 20 و100 مليون سنتيم وهذا حسب المواد 31 و32 و33 و35 و37 و43 و39 على التوالي من القانون.
أما عدم التصريح أو التصريح الكاذب بالممتلكات وإعاقة السير الحسن للعدالة فيعاقب عليه القانون من 6 شهر إلى 5 سنوات سجن وغرامات مالية من 50 ألفا إلى 500 ألف دينار حسب المواد 38 و44 أما الظروف المشددة في القانون فقد وردت في المادة 48 والتي تفرض عقوبات بين 10 و20 سنة على موظفي وأعوان الدولة من قضاة ورجال شرطة في حالة ضبطهم في الجرائم المنصوص عليها.
اعتراف دولي بتقلص مؤشرات الفساد في الجزائر
شرعت الجزائر منذ سنوات في ردع المفسدين من خلال ملاحقتهم قضائيا للحفاظ على المال العام والعمل على استرجاع الأصول المحولة للخارج، وهو ما جعلها محل ثناء العديد من الهيئات الدولية الناشطة في مجال تقييم مجهودات الدول في محاربة الفساد.
 وقامت خلية معالجة الاستعلام المالي التابعة لوزارة المالية في تقرير أصدرته بداية 2016 على تحويل 125 قضية إلى القضاء، منذ بدء نشاطها في 2005، وتتعلق هذه القضايا في معظمها بشكوك حول مخالفة التشريع المعمول به في مجال الصرف وحركة رؤوس الأموال إلى الخارج، لاسيما التحويل غير الشرعي للأموال.
وكشفت نفس الهيئة أن أغلب هذه الملفات فتحت انطلاقا من تصريحات بالشكوك تقدمت به البنوك إلى خلية معالجة الاستعلام المالي، بينما كانت الجمارك وبنك الجزائر وراء بقية الملفات، علما أن الخلية ليست مخولة بالشروع في التحقيق من تلقاء نفسها.
وبلغ عدد الملفات المحولة للقضاء إلى غاية 2011 ثلاثة ملفات فقط، تتعلق بتبييض الأموال، بالرغم من أن عدد تصريحات الشكوك بلغ 3188 تصريح بين 2007 و2011. وبلغ عدد التصريحات أوجه في 2010 عندما شرع البنك المركزي في عملية رقابة واسعة على مستوى البنوك والهيئات المالية، غير أن عدد تصريحات الشكوك التي تلقتها الخلية تراجع بعد هذه العملية، لاسيما أن بنك الجزائر على إثرها أصدر تدابير حيطة وإجراءات رقابية جديدة، فضلا عن تحسيس البنوك بضرورة التحويل الانتقائي للتصريحات، حيث يتم استثناء كل العمليات التي لا علاقة لها بتبييض الأموال.
وقالت الوكالة “أنه في 2015 سجلت خلية معالجة الاستعلام المالي ارتفاعا في عدد التصريحات التي قدمتها البنوك من 582 تصريح في 2013 إلى 661 تصريح في 2014 ثم 1290 تصريح سنة 2015”.
وسحب المجمع المالي الدولي “غافي” المتخصص في وضع المعايير والتدابير لمكافحة غسيل الأموال، الجزائر خارج القائمة السوداء للدول المتراخية في إجراءاتها مع شبكات تبييض الأموال والإرهاب الدولية.
واعتبرت الهيئة الحكومية الدولية المتخصصة في مكافحة غسيل الأموال، في بيان لها نشرته السفارة الأمريكية بالجزائر في فيفري 2016 “الجزائر خارج قائمة الدول التي توضع في خانة تمويل الجماعات الإرهابية وتبييض الأموال”، ذلك بعد الإجراءات التي اتخذتها الحكومة مؤخرا للتضييق على الشبكات الإجرامية الدولية الناشطة في المجال”.