طباعة هذه الصفحة

«الشعب» تقف عند الذكرى الــ11 للاستفتاء

ميثاق السلم و المصالحــة مبادرة أعادت الأمـــن للجــزائر وأصبـــح مرجعـــا عالميــا

حكيم بوغرارة

القضـاء علـى أكثر من 306 ارهابيا في 21 شهرا الأخيرة

تمر اليوم 11 سنة على استفتاء المصالحة الوطنية، حيث منح أكثر من 98 بالمائة من الجزائريين الورقة البيضاء للرئيس عبد العزيز بوتفليقة لاستكمال مسار الوئام المدني، و أكد الرئيس آنذاك في حملته الانتخابية التي جاب من خلالها مختلف ربوع الوطن «..أن المصالحة الوطنية جرعة قوية في مسار استتباب السلم والأمن للجزائر والقضاء نهائيا على جذور الفتنة».
تسترجع الجزائر الذكرى التي سمحت بالتخلص بنسبة كبيرة من آثار العشرية السوداء التي خلفت 250 الف قتيلا و25 مليار دولار خسائر مادية، وآلاف المفقودين، وباتت المصالحة الوطنية ذكرى عزيزة على الجزائريين الذين تمكنوا بفضلها من اجتياز أخطر المنعرجات في تاريخ الجزائر الحديث، وباتت المصالحة الوطنية مرجعا اقليميا وعالميا لحل الأزمات الداخلية للدول وعبرت مالي وسوريا وليبيا عن اعجابها بالمصالحة الوطنية الجزائرية التي تستعد لدخل العالمية خلال العام المقبل، حيث ستنظم ندوة عالمية لإبراز دور المصالحة الوطنية في حل المشاكل واستتباب الأمن.  
المصالحة الوطنية ........مرجعا عالميا لمكافحة الارهاب
تستعد الجزائر خلال بين مارس وجوان 2017  لتنظيم ورشة دولية مخصصة لدور سياسة المصالحة الوطنية في مجال مكافحة الإرهاب بعد أن باتت محل اهتمام ودراسات كبيرة بين مختلف الدول وفي ظل تصاعد حدة الارهاب وتهديده للسلم والأمن العالميين . مثلما  كشف وزير الشؤون المغاربية والاتحاد الافريقي وجامعة الدول العربية عبد القادر مساهل بنيويورك على هامش الدورة العلنية الوزارية السابعة للمنتدى الشامل لمكافحة الإرهاب سابقا.
وستعمل الورشة على التطرق بعمق لمسار المصالحة الوطنية في الجزائر  التي اعتمدها رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة لاستتباب السلم والاستقرار والطمأنينة وإرفاق المعالجة الأمنية والاجتماعية لآفة الارهاب ببرامج تنموية ساهمت في تحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية وضمان الرفاهية للمواطنين حيث فاقت استثمارات الدولة في أكثر من 16 سنة 800 مليار دولار وهو ما جعل الجزائر تستدرك كثيرا التأخر في مجال التنمية وغلق جميع المنافذ على الجماعات الدموية للاستثمار في الظروف المعيشية الصعبة للمواطنين وإقناعهم بتبني أفكارا متطرفة.»
دولة القانون وتوسيع الحريات لمكافحة التطرف والإقصاء
ومن محاور الندوة التي ستعرف حضورا عالميا مميزا دور المصالحة الوطنية كعنصر سياسي حاسم في استتباب السلم والاستقرار والحفاظ على الأمن وتلاحم الشعب واحترام حقوق الإنسان وتحقيق التطور الاجتماعي والاقتصادي».
وتعتبر الجزائر من الدول الجريئة في تبني خيار المصالحة الوطنية في مجال مكافحة التطرف العنيف بالرغم من تشكيك الكثيرين في قدرة تلك المبادرة على لم شمل الجزائريين وتعزيز الممارسة الديمقراطية و تحسين أوضاع حقوق الانسان والتفرغ للتنمية وتجديد التشريعات والانتقال من مرحلة الخوف الى مرحلة الاطمئنان.
وقد ارفقت السلطات ميثاق السلم والمصالحة الوطنية الذي صدر في مارس 2006 في 47 مادة العديد من الاجراءات التي منحت قيمة مضافة للسلم الاجتماعي والمتمثلة أساسا في ترقية الديمقراطية التشاركية لمكافحة التطرف العنيف والإرهاب، مع توسيع الحريات مثل ضمان حق التعبير والعمل السلمي لكافة الحساسيات السياسية والاجتماعية.
وبفضل ارساء دعائم بناء دولة قوية تقوم على سيادة القانون كعنصر مهم للقضاء على التطرف العنيف والارهاب»
الجيش نجاعة في مكافحة الارهاب
بقيت المؤسسة العسكرية في الجزائر محافظة على نفس وتيرة مكافحة الارهاب حيث اكتسيت تجريه كبيرة طيلة سنوات العشرية الدموية وباتت بفضل عصرنتها وانتقالها للاحترافية أكثر الجيوش العلمية نجاعة في التصدي للجماعات الدموية.ومازلت المقاربة الأمنية مستمرة في ظل رفض قلة من الدمويين الامتثال لسلطان القانون وقد تمكنت قوات الجيش الوطني الشعبي ومختلف اسلاك الأمن المشتركة في 2015
من تحييد (توقيف أو القضاء على) 157 إرهابيي منهم عشرة (10) قيادات في التنظيمات الإرهابية ممن التحقوا بالمجموعات الإرهابية منذ سنة 1994. وحجز 307 قطعة سلاح حربية (مسدسات رشاشة وبنادق نصف آلية ومسدسات آلية وبنادق رشاشة وقاذفات صواريخ وبنادق بمنظار وبنادق مضخية وبنادق صيد).وبالمقابل تم كشف وتدمير 1279 عبوة متفجرة (قنابل تقليدية الصنع وقنابل يدوية ومقذوفات). وتدمير 548 مخبأ للمجموعات الإرهابية أغلبها بكل من الناحيتين العسكريتين الأولى والخامسة.
كما تمكن الجيش الوطني الشعبي في السداسي الأول من السنة الجارية تحييد 149 إرهابيا من بينهم 99 تم القضاء عليهم وتوقيف 50 إرهابيا وكذا 77 عنصر اسناد خلال السداسي الاول من سنة 2016.
ويذكر أن العديد من الارهابيين يسلمون انفسهم للسلطات من أجل الاستفادة من تدابير ميثاق السلم والمصالحة الوطنية بعد اقتناعهم بعدم جدوى طريق الظلاميين.
ويذكر أن قوات الجيش تمكنت من القضاء على 1600 إرهابي من 2006 إلى غاية 2011، في حين سلم 8500 إرهابي أنفسهم.
نعمة الأمن و السلم
إن نعمة السلم والأمن لا يشعر بها إلا من فقدها، وما حدث في تونس والكويت وفرنسا والصومال يدعونا نحن الجزائريين إلى التفكير جيدا لصون ما نحن فيه من سلم واستقرار اجتماعي.
لقد دفعني ما حدث في مختلف قارات العالم من هجمات إرهابية إلى التفكير في أهمية وقيمة المصالحة الوطنية التي مكنت الجزائر من تجاوز أخطر منعرج في تاريخها الحديث. فالدعوة لإصلاح ذات البين كانت أكبر خطوة للقضاء على الإرهاب من الجذور وهو الأمر الذي عارضه الكثيرون. هناك من وصفه بإرساء سياسة اللاعقاب، وهناك من اعتبرها عفوا على من سفك الدماء وغيرها من الأوصاف التي كانت تعكس عدم رغبة البعض في التخلص من الإرهاب حتى لا تنكشف أفعالهم وسلوكاتهم وتشجيع الإبقاء على الفوضى.
إن ما تعيشه عديد الدول العربية اليوم، يؤكد أن خيار المصالحة في الجزائر كان أحسن اختيار، حيث أصبحنا اليوم ننعم بالأمن والاستقرار ونسافر ليل نهار دون الخشية من الحواجز المزيفة أو الهجمات العشوائية.
إن ما ننعم به اليوم يعتبر هدفا ساميا للإخوة في اليمن وسوريا والعراق ومصر وتونس وليبيا، فالشعوب العربية، بالنظر للويلات وحالات التهجير التي تعرضت لها وأوضاع اللاجئين في عديد الدول، تدفعنا للتفكير في تعزيز مسار المصالحة الوطنية ومواصلة البحث عن التخلص من الآفات والسلوكات التي يمكن أن تنفخ في رماد الإرهاب.
لقد أرفقت السلطات المصالحة الوطنية التي مكنت العديد من المغرر بهم من الرجوع إلى أحضان المجتمع وعائلاتهم حقنا للدماء وطي صفحة مؤلمة من تاريخ الجزائر، ببرامج تنموية ضخمة حسّنت كثيرا من مستوى حياة الجزائريين وتداركت الكثير من النقص في المجال التنموي عبر مختلف تراب الجمهورية، كما تسعى البرامج المستقبلية إلى تقليص التفاوت في التنمية بين مختلف مناطق الجمهورية.
إن المصالحة الوطنية خيار استراتيجي يجب دعمه وإثراؤه، بالنظر لما يحدث حاليا من تحولات خطيرة في المنطقة وعمل الكثير من قوى الشر على محاولة جر الجزائر للفتنة «والربيع العربي المشؤوم». وهنا تعود بنا الذاكرة إلى محاولات زعزعة استقرار منطقة القبائل وبعض الولايات الجنوبية، من خلال استغلال الغاز الصخري وأحداث غرداية.
حقيقة أن اليد الأجنبية حاضرة في كل المؤامرات التي تحاك وتحبك على خطط وبرامج طويلة المدى لضرب استقرار الدول والجزائر كانت من المحاور التي لا يحبذون لها الاستقرار والتنمية.
إن التطورات التي تشهدها المنطقة العربية والمتوسطية والإفريقية، تجعلنا في عين الإعصار ولا بديل عن تكاتف الجهود وتجاوز الصراعات الضيقة والحفاظ على وحدة الشعب والوحدة الوطنية هي أساس الاستمرار مستقبلا.
يبقى على الإعلام الجزائري مراجعة توجهاته من خلال تفادي زرع القلاقل ونشر التصريحات التي تدعو للعنف والجهوية ومختلف الفتن حتى نحمي الشعب الجزائري من السلبية ونبعد عنه الضغينة والأحقاد التي قد تكلفنا غاليا مستقبلا.