طباعة هذه الصفحة

الدولة استثمرت كثيرا في المنشآت الثقافية

جهود لترقيتها ونقائص عدة في غياب الثقافة المتحفية

معسكر: أم الخير.س

حتى لا تبقى مجرد مرافق عمومية لها مواعيد الغلق والفتح

قطعت الجزائر أشواطا كبيرة في مسار البناء والتشييد، ولا تزال الدولة بخطاها الثابتة، ماضية نحو الحفاظ على تراث الأمة وإرثها التاريخي الهام، ذلك ما نلمسه من خلال الانجازات الهامة في قطاع الثقافة لقاء تجسيد برامج تنموية من شأنها أن تعزّز رابط الهوية الجزائرية ومختلف الجوانب المتعلقة بالتاريخ والبحث العلمي،  التربية والتعليم ومن ثمّة تبيلغ الرسالة السامية التي يهدف إليها الاهتمام البالغ بالتاريخ والثقافة الوطنية.
لم تقف مساعي وجهود الدولة عند تشييد المرافق الثقافية وتهيئة المعالم التاريخية فحسب، إنما تسعى لتكليل كل تلك الجهود بنتائج تسمح لقطاع الثقافة أن ينفذ من الأزمة الاقتصادية التي تضرب العالم وأرخت بظلالها على الحركية الثقافية وأغرقتها في جمود لا شبيه له، باستثناء حالات الحداد التي ترتبط بحد ذاتها بثقافات الأمم والشعوب.
 لكن، من المصائب ما يولد الهمم ويبعث العزيمة من العدم، فهذه الأمة التي تتغنى بروافدها الحضارية والتاريخية ومقوماتها الطبيعية الخصبة القابلة للتحويل إلى مصدر للثروة، وإنجازاتها الضخمة التي استهلكت أموالا طائلة في سبيل تشييد مؤسسات متحفية تحفظ التاريخ، مازال السواد الأعظم من أفرادها ينفر في جماعات لزيارة المتاحف العالمية دون أن يكلّف نفسه عناء البحث والتفتيش في صفحات تاريخ الوطن الأم المزدحم بالأثار وما خلفته الحضارات العالمية المتداولة على هذه الأرض الطيبة.
 في ظلّ الاتفاق المطلق أن زيارة المتاحف المحلية والوطنية صار يقتصر فقط على بعض الزوار من الطلبة والباحثين المختصين الشغوفين بالبحث العلمي التاريخي، حتى صار الأمر أقرب بكثير من أن يشبه بالقطيعة بين الجزائري والمؤسسات المتحفية التي تحظى باهتمام الدول الأكثر تطورا ومواكبةً للتكنولوجيا، وتصنف من بين أهم العلوم التي لا تنضب الدراسات  فيها.
رئيس جمعية التوميات:
الاستثمار في المتاحف مشروع اقتصادي قابل للتحقيق
عموما، برزت إلى الواجهة، مساعي حثيثة لإعادة الاعتبار للتاريخ الوطني، تثمينه وترسيخه بين شرائح المجتمع، وتحوّلت الأنظار إلى المؤسسات المتحفية، مستهدفة طرق إنعاش السياحة المتحفية وكيفيات إسهامها في الدخل الاقتصادي الوطني، وتماشيا مع ذلك حاولت «الشعب» استطلاع عينة من أراء الفاعلين بقطاع الثقافة على المستوى المحلي بمعسكر، منهم مفتش التربية السابق بن زايخ ميلود رئيس جمعية التوميات التي تهتم بشؤون الثقافة والحفاظ على تاريخ منطقة البنيان الأثرية التي شهدت تعاقب عدة حضارات إنسانية أهمها الحضارة الرومانية التي أسسّت لمدينة «ألاميلاريا» وأتباع الحرة الدوناتية بقيادة الملكة «روبا».
استعرض بن زايخ ميلود جهود الجمعية الثقافية بالتنسيق مع الديوان السياحي المحلي لبلدية البنيان، بداية من محاولاتها الجادة لتصنيف المنطقة الأثرية ضمن حضيرة التراث الوطني، إلى جهودها لتعبئة سكان المنطقة للحفاظ على الأثار الرومانية التي تزخر بها المنطقة وجمع اللقى التاريخية وحفظها في متحف صغير أقيم بمقر الجمعية لتثمين تراث المنطقة، حيث كللت مساعي الجمعية في تجربتها المتحفية المتواضعة من استقطاب عدد هام من الزوار والسياح القادمين حتى من خارج الوطن، إضافة إلى عملها لتعريف طلبة التاريخ وقسم الأثار بجامعة معسكر بأسرار المنطقة الأثرية التي تعدّ متحفا تاريخيا مفتوحا على الطبيعة.
التسويق الإعلامي للمناطق الأثرية لترقية السياحة المتحفية
أكد بن زايخ ميلود أنه ومن خلال هذه التجربة الناجحة، تطلع إلى إمكانية تصنيف المنطقة وتحويلها إلى وجهة سياحية بامتياز، موضحا أن التسويق الإعلامي للنواحي الجمالية والتاريخية للمنطقة الأثرية الساحرة أسهم بشكل كبير في خلق إقبال غير مشهود للزوار والسياح من مختلف مناطق الوطن، وتلك أهم خطوة تمكن السلطات الوصية على قطاع الثقافة من تحقيق مشروع الاستثمار في السياحة المتحفية حسب رئيس جمعية التوميات ميلود بن زايخ .
إضافة إلى عدة عوامل قد تسهم في خلق الثروة والمداخيل للمؤسسة المتحفية على غرار توكيل مهمة تسيير المتاحف إلى أشخاص يملكون الخبرة الكافية في التسيير السياحي ودراية بخبايا التاريخ، حتى لا تبقى المؤسسات المتحفية مجرد مرافق عمومية لها مواعيد الغلق والفتح كما هو الحال بسائر المصالح الإدارية العمومية، إلى جانب عامل تصنيف ما بقي من المناطق الأثرية ضمن حضيرة التراث الوطني حتى يتسنى للسائح التمتع بمتاحف تاريخية مفتوحة على الطبيعة.

توظيف المعالم التاريخية في ترقية السياحة المتحفية
ووافق مدير الثقافة لولاية معسكر السيد محمد سحنون، رئيس جمعية التوميات الرأي بقوله، إن تحقيق مشروع الاستثمار في السياحة المتحفية يستوجب تبني سياسة إعلامية واضحة وقوية لتسويق المنتوج التراثي لأي منطقة، إلى جانب تولي مسؤولين مؤهلين تسيير المؤسسة المتحفية مع تكوين مستخدميها في فنيات توجيه السياح واستقطابهم، مؤكدا من جهته، أن ما تحتويه أروقة المتاحف من وسائل أو لقاءات تاريخية يمكن أن يتحول إلى مصدر لخلق الثروة أو على الأقل توفير مداخيل للمؤسسة المتحفية وذلك كله من خلال معرفة الكيفيات التي تمكّن من بث الحياة في القطع الأثرية الصماء.
أما من أجل  تعزيز الثقافة المتحفية ودورها في التنمية السياحية، قال محمد سحنون، أن على مصالح التربية والتعليم أن تعمل على إدراج برامج متعلقة بالسياحة المتحفية للتعريف بالرسالة التربوية والثقافية المنوطة بالمتحف، مشيرا أيضا أن قطاع الثقافة بمعسكر يعمل على توظيف بعض المباني الأثرية والمواقع التاريخية التي تمت تهيئتها لدعم السياحة المتحفية، إضافة إلى التعريف بتراث المنطقة من خلال المعارض والتظاهرات الثقافية التي يهدف من خلالها نشر الثقافة المتحفية وتعزيز التصورات الذهنية عن المتاحف و مقوماتها السياحية.
——