طباعة هذه الصفحة

الباحث محمد الأمين بلغيث:

المجازر أظهرت الحقد الفرنسي الدفين تجاه الجزائريين لأزيد من قرن

80 ألف جزائري هتفوا بصوت واحد: جزائر حرة مستقلة

أكد الباحث في تاريخ الثورة التحريرية، محمد الأمين بلغيث، أمس، أن مجازر 17 أكتوبر1961 المرتكبة في حق الجزائريين المتظاهرين سلميا على التراب الفرنسي، أظهرت للعالم “الحقد الفرنسي الدفين لأزيد من قرن’’ تجاه الشعب الجزائري.
في ندوة تاريخية احتضنها متحف المجاهد في الذكرى 55 لمظاهرات 17 أكتوبر 1961 بفرنسا، ذكر بلغيث أن ما قامت به فرنسا في حق المهاجرين الجزائريين آنذاك، تحت إمرة محافظ شرطة باريس، الدموي موريس بابون، “جعل الحقد الفرنسي الدفين لأزيد من قرن من الزمن يطفو على السطح”، مما كانت نتيجته حصيلة مأسوية وقف عليها العالم بأسره.
ففي 17 أكتوبر من سنة 1961، “خرج ما لا يقل عن 80 ألف جزائري إلى الشوارع الباريسية وعديد المدن الفرنسية في مظاهرات سلمية وحضارية” للاحتجاج على قانون الحظر الذي يلزمهم بعدم التجوال من السابعة مساء إلى الخامسة صباحا ومنع أي تجمع يتعدى الثلاثة أشخاص، و«هو ما كان يناقض إعلان حقوق الإنسان الذي تعد فرنسا إحدى الدول المصادقة عليه”.
وأمام هذا الاحتجاج، لم يكن أمام بابون، الذي منحه الرئيس الفرنسي شارل ديغول كل الصلاحيات لقمع النضال الذي كانت تقوده فيدرالية جبهة التحرير بفرنسا، سوى إنزال نحو 7 آلاف من أعوان الشرطة المنتمين إلى مختلف الفرق والذين واجهوا المتظاهرين بالقمع، لينزلق الوضع بعدها ويتحول إلى مطاردات دامية “لم تستثن النساء والأطفال، رغم أن المتظاهرين لم يكونوا يحملون أيّ أسلحة بأمر من الفيدرالية”، يتابع بلغيث.
وقد أسفرت هذه الأحداث عن مقتل “ما لا يقل عن مائتي متظاهر” وهو الرقم الذي حاولت فرنسا تقليصه إلى عشرين ضحية، “غير أن ليلة 17 أكتوبر تبقى راسخة في أذهان كل من عايشوها من جزائريين وفرنسيين”، فضلا عن أن “نهر السين سيظل شاهدا على الضحايا الذين تم رميهم فيه مكبلي الأيدي والأرجل”، يقول الباحث.
ويعود هذا الموقف “المبيت” لدوائر القرار في فرنسا، “لاستشعارها بالخطر الذي كان يمثله مناضلو الفيدرالية”، خاصة عقب الأعمال الفدائية التي قاموا بها ومن أهمها تفجير مواقع تجميع أول شحنة من البترول المستخرج بحاسي مسعود.
ومما أثار حفيظة فرنسا، انتهاج الفيدرالية توزيع المناشير من أجل غرس الوعي الثوري لدى أفراد الجالية الجزائرية وحثهم على التبرع بالأموال من أجل اقتناء الأسلحة وإرسالها إلى معاقل الثوار بالجزائر، وهو ما شكل دعما كبيرا للثورة التحريرية.
وإزاء ذلك، فكر المسؤولون الفرنسيون في قرار حظر التجوال من أجل تضييق الخناق على مناضلي الفدرالية وغلق الباب أمام كل تجمعاتهم التي كانت تتم في الغالب ليلا.
المجاهدة عقيلة وارد شاهدة عيان
وبصفتها شاهدة عيان على ما حدث في ذلك التاريخ، أوضحت المجاهدة عقيلة وارد، وهي عضو بفيدرالية فرنسا، أن التاريخ المحدد في البداية كان 14 أكتوبر، غير أن عدم اكتمال التحضيرات دفع بمسؤولي الفيدرالية إلى تأجيله إلى 17 من نفس الشهر.
وركزت السيدة الوارد في مداخلتها، على محاولة فرنسا القيام بالتعتيم الإعلامي على ما حدث فعلا في ذلك اليوم، غير أن وجود عدد من الصحافيين الذين غطوا هذه الوقائع، بينهم صحافي يومية “التايمز” الأميركية، الذي تعرض للضرب لاشتباه الشرطة بكونه جزائريا بسبب ملامحه، سمح بنقل حقيقة هذه المجازر التي اطلع عليها العالم بأسره.
كما تطرقت المجاهدة إلى الدور “المحوري” الذي لعبته المرأة الجزائرية في هذه المظاهرات، التي “عرفت تسجيل الكثير من المفقودات”، مذكرة بأن النساء خرجن إلى الشارع في ثاني يوم للمطالبة بإطلاق سراح المسجونين، “فما كان من قوات الشرطة إلا إرسال عدد كبير منهن إلى مستشفى الأمراض العقلية”.
وخلصت السيدة وارد إلى التأكيد على ضرورة تلقين الأجيال الصاعدة تاريخ الكفاح الوطني ومآثر المجاهدين والشهداء وهو ما يعد “ديْناً في عنق جميع الجزائريين من جيل الاستقلال”.