طباعة هذه الصفحة

يرفع شعار «دبلوماسية جديدة من أجل السلام»

غوتيريس: تفعيل دور منظّمة الأمم المتّحدة وتحريـرها من قيود الكبـار

فضيلة دفوس

مع نهاية السنة الجارية 2016، ستنتهي ولاية الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة بان كي مون، ليخلفه بداية من العام الجديد رئيس الوزراء البرتغالي السابق أنطونيو غوتيريس، الذي زكّته الجمعية العامة الأممية الخميس الماضي بعد أن  اختاره مجلس الأمن الدولي من بين 13 مترشحا لقيادة الهيئة الدولية الأكبر في العالم، والتي تأسّست قبل سبعة عقود وتولّى رئاستها ثمانية أمناء عامين، آخرهم الكوري الجنوبي بان كي مون.

حظوظ غوتيريس كانت مند البداية كبيرة، وبالرغم من مؤهّلاته، فقد رغب كثيرون في أن تتولّى هذه المرة إمرأ منصب المسؤول الأول عن المنظمة الأكبر في العالم، أوّلا بالنظر إلى عدد المترشّحات المتميّزات الذي بلغ 7 من بين 13 مترشحا أي أكثر من النصف، وثانيا لأن هذا المنصب كان حكرا على الرجل طول الـ  70سنة الماضية، وثالثا وهو الأهم لاعتقاد هؤلاء بأن المرأة قد تكون أقدر على تحقيق ما عجز الرجال عن تحقيقه، خاصة وأن انتقادات كبيرة وكثيرة طالت ولازالت من تعاقبوا على إدارة الهيئة المنتصبة بقلب نيويورك، فسهام النقد لم تتوقف يوما عن استهداف الأمناء العامين الأمميين، وتهم الإخفاق والعجز وحتى التواطؤ والمتاجرة بالمواقف ظلّت تلاحق حصيلة ولاياتهم، الأمر الذي جعل البعض يراهن على المرأة وعلى خصوصيتها العاطفية التي ستجعلها في حال انتخابها، تعمل بجد وصدق من أجل السلام، وقف الحروب وحلحلة الأزمات التي تعصف بالعالم.
المرأة ترشّحت ولم تفز
عدد كبير من النساء ذات الكفاءة العالية ترشحن لمنصب المسؤول الأول عن المنظمة الدولية، بينهن رئيسة وزراء نيوزيلندا السابقة والمدير العام لمنظمة اليونيسكو ونائبة رئيس الوزراء في مولدوفيا وموظفة رفيعة المستوى في الاتحاد الأوروبي، وقد كان الأمين العام الأممي المودّع بان كي مون نفسه صرّح في أوت الماضي بأنّه «آن الأوان لأن تتولّى امرأة منصب الأمين العام» لكن يبدو أن الوقت لم يحن بعد لتولي الجنس اللطيف هذا المنصب الذي سيبقى حكرا على الرجل إلى إشعار آخر.
ومع إيمانها العميق بكفاءة ومؤهّلات الأمين العام الأممي المنتخب، فقد وصفت «حملة انتخاب امرأة لمنصب الأمين العام»، وهي مكوّنة من أكاديميين بشكل عام، عدم انتخاب امرأة بأنه «مثير للغضب».
وقالت الحملة في بيان أصدرته: «كان هناك 7 مرشّحات، لكن يبدو أنّهن لم ينلن فرصة حقيقية».
ووصفت المترشّحة كريستينا فيغيريس، وهي إحدى مهندسي اتفاقية التغير المناخي في باريس، نتيجة التصويت بأنّها «حلوة مع مرارة».
وقالت بعض المرشحات إنّ «الجندر» أو جنس المرشح كان عاملا حاسما، لكن أخريات قلّلن من أهمية هذا العامل، وقالت هيلين كلارك رئيسة وزراء نيوزيلاندا السابقة لصحيفة الغارديان: «إذا كان السؤال ما إذا كان هناك تمييز جندري فالجواب: لا».  وأضافت: هناك عوامل كثيرة تؤثر في الاختيار، منها موضوع الشرق والغرب والجنوب والشمال وما طبيعة المطلوب في الوظيفة. هل المطلوب شخصية قيادية قوية مثلا؟
واشتكت سوزانا مالكورا، وزيرة خارجية الأرجنتين، من أنّ النساء لا يحصلن على فرص في مجلس الأمن.
ونشر موقع «رابطة الأمم المتحدة في بريطانيا» تفاصيل بعض الصفقات التي تتم في الغرف الخلفية لمجلس الأمن، ومنها ضغوط الدول العظمى التي تريد انتزاع وعود سياسية من المرشّحين، وبالتالي تلعب الولايات المتحدة وروسيا دورا قويا في عملية الاختيار.
لكن يبدو أنّ هذه المرة لم تكن هناك مؤشّرات لحدوث صفقات في الغرف الخلفية بخصوص اختيار غوتيريس، فكما قالت سامنتا بور ممثلة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة «أنّه كان هناك اتفاق ملفت للانتباه على شخص غوتيريس».
غوتيريس.. رابع أوروبي وتاسع أمين عام أممي
يعد البرتغالي أنطونيو غوتيريس، رابع أوروبي يتولى  هذا المنصب الرفيع منذ نشأة المنظمة الدولية، وهو المنصب الذي شغلته أيضا شخصيات من آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، وكان للدول العربية نصيب منه حين شغله المصري بطرس غالي.
وغوتيريس، البالغ من العمر 67 عاما، كان قد تولّى سابقا منصب رئيس الوزراء في بلاده في الفترة بين عامي 1995 حتى 2002، ثم شغل منصب مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين بين جوان 2005 وديسمبر 2015.
وبتولّيه منصب الأمين العام للأمم المتحدة، يصبح غوتيريس الأمين العام التاسع للمنظمة الدولية. وسبقه في هذا المنصب، الأمين العام المودّع بان كي مون، الذي تولاّه منذ الأول من جانفي عام 2007 حتى ديسمبر 2016.
أما الأمين العام السابع للمنظمة الدولية، فهو الغاني كوفي عنان، الذي شغل المنصب لدورتين متتاليتين بين جانفي 1997 إلى ديسمبر 2006؛ في حين سبقه المصري بطرس غالي، الذي شغل المنصب من جانفي 1992 إلى ديسمبر 1996.
البيروفي خافيير بيريز دي كويلار، هو الأمين العام الخامس للأمم المتحدة، وتولى المنصب من جانفي 1982 إلى ديسمبر 1991، خلفا للنمساوي كورت فالدهايم، الذي شغل المنصب على مدى ولايتين من جانفي 1972 إلى ديسمبر 1981.
وكان يو ثانت (بورما، ميانمار حاليا) شغل المنصب من نوفمبر 1961، عندما عين أمينا عاما بالإنابة خلفا للسويدي داغ همرشلود، الذي قتل في حادثة تحطّم طائرة في إفريقيا في سبتمبر 1961، وبعد عام تقريبا، تولى المنصب بصورة رسمية، أي نوفمبر 1962 إلى ديسمبر 1971.
ويعتبر همرشولد، الذي شغل المنصب من أفريل 1953، الأمين العام الثاني للأمم المتحدة، وجاء خلفا للنرويجي تريغفي لي، الذي شغل المنصب من فيفري 1946 إلى أن استقال في نوفمبر 1952.
حصيلة بان كي مون في  الميزان
خلال فعاليات الجمعية العمومية للأمم المتحدة الأخيرة، وهي آخر جمعية عمومية تُعقد خلال عهده،تحدّث بان كي مون بمرارة عن مساوئ آلية اتخاذ القرار في الأمم المتحدة بسبب البنية الإدارية والسياسية المُسخّرة لخدمة مصالح الخمسة الكبار دائمي العضوية في مجلس الأمن، واستحالة القفز فوق الجمود الذي يحصل حين يختلف أصحاب حق الفيتو، إذ أبدى بان كي مون امتعاضه من هذا الواقع في خطابه أمام الجمعية العمومية، حين أشار إلى أنه شهد مناسبات عديدة عُطّلت فيها مبادرات إيجابية لحلّ مشاكل العالم بسبب اعتراض عضو واحد فقط من مجموعة الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن.
 وفي حواراته الصحفية الأخيرة كرّر هذا الامتعاض، لكنّه بالمقابل دافع عن حصيلة ولايتيه، ورفض الانتقادات التي اتّهمته بالفشل في أداء مهمّته على أكمل وجه خاصة عجزه عن حل الأزمات التي تعصف بأكثر من دولة تتقدّمها الأزمة السورية، ولمّح إلى أن الأمر يتجاوزه، لأنّ الحل بيد أصحاب الفيتو، وهو لذلك انتقد بشدّة آلية التصويت في مجلس الأمن الدولي، ففيتو واحد يهدّم كل شيء. انتقادات كثيرة طالت بان كي مون وحصيلة ولايتيه اللّتين دامتا عقداً كامل، فقد ظهر خلال هذا العقد - كما كتب أحدهم - «كأكثر أمين عام للأمم المتحدة استسلاما ورضوخا لهذه الآلية الدوليّة العرجاء، فلم يُعرَف للرجل - كما يضيف الكاتب - أي موقف قوي مصطدم مع الأمر الواقع المُحبِط في منظمته، أو أي خلاف جدّي مع دولة كبرى حول دورها في الساحة الدوليّة، رغم كثرة الأحداث والمواقف الصعبة التي حفلت بها السنوات العشر الأخيرة».
 وقارن الكاتب سلوكه هذا بما حصل مع كوفي عنان، الذي كان أكثر شجاعة وأعلن صراحةً رفضه لمشروع الحرب الأميركية - البريطانية على العراق عام 2003، ليعود ويكرّر أن هذه الحرب «غير مشروعة» ربيع 2004.
 لكن رغم السهام التي يطلقها البعض صوبه، فمن الاجحاف والظلم اتّهام بان كي مون بالمسؤولية عن الواقع الذي تعيشه الأمم المتحدة والهيئات الدولية التابعة لها، أو إعطائه دور صاحب القرار في عجزها عن تخطّي الوقائع التي تفرضها الجيوسياسة».
 فالرجل لم يدّخر جهدا لأداء مهمّته رغم ما اعترضه من عراقيل وصعوبات ومن زخم كبير من الأزمات المعقّدة التي لم يشهد لها العالم مثيلا، ولا يمكننا أن نحمّله غطرسة الكبار الذي ينظرون الى المنظمة الاممية من برجهم العالي، ويديرون العالم خارج أسوارها وفق مصالحهم، بل حتى بعض الصغار  تطاولوا على هيئته وعلى شخصه، كما فعل المغرب في  الربيع الماضي حيث شنّ حملة مسعورة عليه، فقط لأنه سمّى الأشياء بأسمائها وقال بأن الصّحراء الغربية إقليم يحتله المغرب.
المطلوب من الأمين العام الجديد
 مع بداية 2017 سيباشر الأمين العام الاممي الجديد مهامه لولاية من خمس سنوات قابلة للتجديد مرّة واحدة، ولا تبدو المهمّة التي تنتظر غوتيريس سهلة بل على العكس تماما، فحملها ثقيل ثقل الأزمات والمعضلات التي تسود العالم، والعمل يجب أن يكون دؤوبا، أوّلا لإطفاء لهيب الحروب التي تحرق أكثر من دولة، ومن خلال ذلك حلحلة الأزمات الإنسانية المترتّبة عنها وفي مقدمتها معضلة اللاجئين، وثانيا لفرض إحترام وتنفيذ القرارات الدولية والتي للأسف نراها تنتهك وتغتصب هنا وهناك، والمثال الحيّ نستشفه مما يقع للقضية الفلسطينية والصّحراوية، إذ عجزت المنظّمة الدولية مند عقود طويلة عن إنصاف الشّعبين  الفلسطيني والصحراوي وتمكينهما من حقوقهما الشّرعية.
صحيح أنّ العالم تحكمه قوى كبرى تسيّر دواليبه في الاتجاه الذي يخدم مصالحها فقط، وصحيح أيضا أن منظمة الأمم المتحدة تجد نفسها في أغلب الأحيان عاجزة عن تغيير هذا الواقع المقزّز الشاذ، لكن هذا لا يمنع من أن يسعى غوتيريس إلى فرض هيبة هيئته حتى تؤدّي دورها كاملا غير منقوص، ولا تبقى مجرّد منظمة خيرية تعنى بمعالجة الانعكاسات الانسانية للحروب والأزمات، فالحلول يجب أن تطال الأصل أي الأزمات وليس مخلّفاتها.
ندرك جيّدا أنّ المهمّة ليست سهلة لكن الواجب يفرض على الأمين العام الأممي الجديد أن يعيد للهيئة المقبل على إدارتها دورها الذي تأسّست لأجله، وهو الحفاظ على الأمن والسّلام العالميين، فهل ينجح غوتيريس في تحقيق ما عجز عن تحقيقه ثمانية أمناء عامين قبله خلال 70 عاما؟

من هو غوتيريس؟
 
ولد أنطونيو غوتيريس الذي تولّى مناصب داخلية وخارجية عدة يوم 30 أفريل 1949 في العاصمة البرتغالية لشبونة، وبها نشأ وتربّى.
 درس الفيزياء والهندسة الكهربائية في المعهد العالي للتكنولوجيا، وتخرّج عام 1971، ليبدأ بعدها ممارسة العمل الأكاديمي أستاذا مساعدا، ويجيد التحدث بالبرتغالية والإنجليزية والفرنسية والإسبانية.
وتولّى غوتيريس منصب رئيس وزراء بلاده خلال الأعوام 1996 - 2002، وعمل رئيسا للمجلس الأوروبي عام 2000، وكان رئيسا لمنظمة «الاشتراكية الدولية» من 1999 إلى 2005.
كما كلّف غوتيريس بمهمة المفوّض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، منذ عام 2005 إلى 2015، حيث عمل على معالجة أزمة اللاجئين في الشرق الأوسط.
بدأت مسيرة غوتيريس السياسية الطويلة من البرتغال عند انضمامه عام 1973 للحزب الاشتراكي البرتغالي، الذي شغل منصب أمينه العام سنة 1992، والذي تمكّن تحت رئاسته بعد ثلاث سنوات من تصدّر نتائج الانتخابات التشريعية، ما فتح له الباب لتولي منصب رئيس الوزراء.
ناضل غوتيريس من أجل انضمام بلاده إلى الاتحاد الأوروبي، كما عرف بمناهضته لمطلب السماح بالإجهاض في البرتغال.