طباعة هذه الصفحة

الفائز بجائزة كاتارا عن رواية «الألسنة الزّرقاء» في قطر

سالمي : «لا تسأل عمّا ستمنحك الجزائر، بل فكّر في ما ستمنحه لها»

أم الخير ــ س

هذه تفاصيل تجربتي مع رواية بقيت عشرين سنة حبيسة الأدراج

 بتواضع شديد وبساطة شخصيته، تحدّث صاحب رواية «الألسنة الزرقاء» لـ «الشعب» عن تجربته التي استحقّت التّتويج في دورة كاتارا الدولية للأعمال الروائية غير المنشورة في منتصف الشهر الماضي بدولة قطر، فمكّنت الجزائري الثاني بعد الأديب والكاتب الكبير واسيني الأعرج، من ميلاد ثان أخرج روايته إلى العالمية، فحوّلته إلى ذاك الرّجل المشهور الذي صار كل من يقابله في الأسواق الشعبية ويتعرّف إليه في الطّريق يسأله توقيعا أو أخذ صورة للذكرى.
 كل شيء تغيّر في محيط هذا الأستاذ الثانوي الذي صنعت منه «الصدف» نجم العرب وفخر الجزائر في الكتابة الروائية، واختزلت مسيرته الشاقة البالغة 20 عاما من الحلم والتمني في 15 يوما تلت موعد التتويج في قطر، حيث جاء تتويجه بعد منافسة شرسة عرفتها دورة كتارا لهذا الموسم بين 1004 مشارك من جميع الدول العربية ودول العالم، والفائز بالريادة من بين 743 مشاركة في فرع الرواية العربية غير المنشورة لجائزة كتارا.

لمحة مختصرة عن الجزائري الفائز بجائزة كتارا للرواية العربية

هو سالمي الناصر من مواليد 17 سبتمبر 1968 بمدينة تغنيف في معسكر، عاش فقيرا يتيما بين جديه من أمّه، أكّد أنّه لا يملك صورة في ذهنه لوالده، خرّيج كلية الأدب العربي بجامعة وهران في 1991، شغوف ومخلص لمهنته كأستاذ مكوّن في الطور الثانوي لمادة اللغة العربية حيث يزاول التعليم منذ 22 سنة، شاعر متمكّن من أصول وأداب اللغة يقول بتواضع أنّه ليس روائيا إنما شاعر بالدرجة الأولى. أول ما نشر له في الصحافة المكتوبة قصاصة شعر بالملحق الثقافي لجريدة الجمهورية، قال فيها: «سامحيني إذا كنت زهرة وكان حناني يؤذيك وكنت الطفل الذي أهديته بسمة أهداك آلاف الضحكات..»، عاش الفترة الأمنية الصعبة بكل تفاصيلها، بطالة خانقة، فقر مدقع ورحلة خوف للبحث عن العمل، وكلّها عوامل جعلت من متحدّثنا يفرغ طاقاته وموهبة الكتابة في رواية الألسنة الزرقاء .
    
«ظننت أنّ السّنوات العجاف حطّمت أحلامي لكنّها صنعت مجدي ونجاحي»

عن مسيرته وتجربته مع الرواية، يقول سالمي ناصر، أنّ «الألسنة الزرقاء» كانت حصيلة جهد وعمل جاد دام أكثر من 19 سنة، رواية ظلت حسبه حبيسة الأدراج لأنه لم يجرؤ على نشرها أو البوح بالرغبة في نشرها، وهي ذاتها الرواية العابرة للأوطان التي تظل صالحة لكل زمان ومكان، تعالج الأحداث الأمنية في الجزائر بين خريف 1996 و1997 في شكل من أشكال الفنتازيا الأدبية التي تؤرّخ لتلك المرحلة بطريقة غير رسمية، ويخرج فيها سالمي ناصر بتصوير الواقع المر الذي كان جزءً من يومياته المريرة والمليئة بأخبار المجازر والاغتيالات الإرهابية الشنيعة خلال تلك الفترة، وهو كثير السفرة والتنقل بين مسقط رأسه بمدينة تغنيف نحو  المؤسسات التربوية التي عمل بها كأستاذ للأدب العربي بين مدينة وادي التاغية ومدينة وادي الأبطال، حيث تدور أحداث رواية «الألسنة الزرقاء» القريب عنوانها إلى وصف المرض الذي يصيب رؤوس الماشية، في منطقة عين أدم المؤسسة بخيال الكاتب، وهي المدينة المعزولة التي جمعت التناقضات الاجتماعية والعقائدية والإشاعات داخل المجتمع الجزائري في تلك الفترة فولدت من رحمه الإرهاب الدموي.
يبدأ سالمي ناصر روايته بالحديث عن سقوط جماعة من المعلّمات وهنّ في طريقهن إلى عملهن في قبضة الإرهاب الدموي، مصوّرا أحداثا متداخلة ومترابطة أبطالها سكان حيين متقاتلين من مدينة عين أدم، على غرار نوارة زوجة الإرهابي عبد الرحمن الذئب، وقوامها تجاذبات المجتمع المحلي في تلك الفترة الزمنية الأمنية، بين التقاليد  والمعتقدات والإشاعات التي كانت بنزين الآلة الدموية، بدون أن يتطرّق كاتب الرواية إلى أي خلفية سياسية أو أمنية تبعد القارئ عن القالب الدرامي والاجتماعي للرواية.

لا يؤمن بالصدف، الفوز حصيلة عمل جاد

 ويوضّح ناصر سالمي ببساطة القول والإجابة عن كم من الأسئلة لشعوره إزاء التتويج بقطر، أن أصل الرواية جزائري وأن تتويجه كان بمثابة شهادة ميلاد ثانية لأديب خرج إلى العالمية برعاية إلهية، وأنه حزين لكون التتويج جاء اعترافا لجهوده وتميزه في الكتابة لكن من خارج الوطن، دون أن يبدي ناصر سالمي ـ وللأمانة ـ أي استياء أو تذمر لذلك، مؤكدا بمختصر القول: «لا تسأل عما ستمنحك الجزائر، وفكّر في ما ستمنحه لها». هكذا شاء خرّيج جامعة وهران بشهادة ليسانس في الأدب العربي أن يبعث برسالته لعموم الكتاب وأدباء زمنه الذين يشتكون الإهمال.

زخم أدبي كبير يستحق التشجيع والرعاية  

وواصل الوافد الجديد إلى عالم الرواية سالمي ناصر حديثه لـ «الشعب» عن واقع الكتابة الأدبية في الجزائر قائلا إنّه لو يتسابق متعاملي الهاتف النقال في الجزائر وباقي المتعاملين الاقتصاديين على تشجيع العمل الروائي وتشجيع العلم والمعرفة بمثل ما يتسابقون على رعاية الأندية الرياضية الكبيرة، لاستطاعت الرواية الجزائرية أن تخرج من الظلمات إلى النور، مؤكدا أنّه شخصيا لم يكتب من أجل أن ينشر بل ليعيش لذّة الكتابة، والدليل أنّ روايته بقيت طي النسيان في أدراج خزانته طيلة عشرين سنة، ومثله الكثيرين من المبدعين الشباب الذين يفشلون في تطوير مهاراتهم الكتابية بسبب غياب الدعم الكفيل بصقل تجارب الكتابة وتحويلها إلى أعمال روائية ناجحة ومنتجة. وأضاف سالمي ناصر في حديثه عن واقع الكتابة والرواية الجزائرية، أنه إضافة إلى التأثير الايجابي للرقمنة والتطور التكنولوجي والمعلوماتي، هناك تداخل في الأجناس الأدبية وأغلب الكتاب قدموا من عالم الشعر الذي ينفرد بالطبيعة الشاعرية لكتابته، وهو ما يعتبر ثراء للكتابة الأدبية في الجزائر.

نجم الرّواية العربية جزائري حتى النّخاع

لم يغيّر فوزه العالمي شيئا في قوام شخصيته البسيطة والمتواضعة، ظل نفسه الأستاذ سالمي ناصر المهووس بإلقاء الشعر وتلقين تلامذته أصول اللغة وأدابها، وأبرز ما أوحت إلينا حركاته وأحاديثه المتنوعة في لقائنا الصحفي أنّ هذا النجم الذي سطع في سماء الرواية العربية في قطر لا يهتم بالشهرة ولا باقي البروتوكولات المرافقة لها، أهم ما قاله عن ظروف كتابته لرواية «الألسنة الزرقاء»: الطّوائف المسيحية تعمد الصغار بالماء، إنما الجزائريون وخاصة فئة المثقفين التي كانت مستهدفة من طرف أيادي الإجرام قد «تعمّدت بالنار»، يتغنّى في شعره بنوفمبر الثورة المجيدة يقول ـ أنّنا نحن الجزائريون ـ صنعنا نوفمبر ـ شهرا خير من ألف شهر، أعطيناه اسما وشهرة تليق به، أما نجاحه وفوزه العالمي فيهديه للجزائر فخرا واعتزازا بانتمائه.