طباعة هذه الصفحة

تروي عادات راسخة في الأذهان بمنطقة تديكلت

أكلات شعبية موسمية بعين صالح لها حضورها في الفصل البارد

لازال سكان منطقة تيدكلت بعين صالح (750 شمال تمنراست)، يحافظون على عادات طبخ متوارثة تطفو إلى السطح كلما حل فصل الشتاء المتميز ببرودة الطقس، حيث تستعيد بعض الأكلات الشعبية الموسمية مكانتها، اعتقادا أنها تساعد على مقاومة برد الشتاء.
ترغب ربات البيوت، سيما منهن الطاعنات في السن، تحضير تلك الأكلات الشعبية وهن يتفنـنّ في إعدادها لتكون ذات فائدة ومذاق شهي، حيث تمنح للجسد سعرات حرارية تساعد على الشعور بالدفء ومقاومة البرد وأيضا، بحسبهن، تكسب الجسم «مناعة» ضد الأمراض التي تنتشر في فصل الشتاء، سيما الزكام والنزلات الصدرية والسعال.
ورغم اجتياح أنواع من الأطعمة المعاصرة مطبخ المرأة بعين صالح وطغيانها على الغذاء اليومي لعديد العائلات، إلا أن الشوق والتعلق بتناول الأكلات الشعبية لم يندثر من المورث الشعبي المحلي الأصيل، الذي يعكس ذوق الأجداد وهوية المنطقة التي ظلت بها الأكلات الأصيلة صامدة في وجه التطورات الكبيرة التي يشهدها عالم الطبخ.

الحساء والمردوفة وتاقتاق... أكثر الأكلات انتشارا

تعد أطباق الحساء والمردوفة وتاقتاق، المستوحاة من التراث الاجتماعي لسكان تيدكلت، أكثر الأكلات الشعبية انتشارا في أوساط سكان المنطقة في فصل الشتاء. تتميز بمذاقها اللذيذ، حيث يعتمد في تحضيرها على استعمال وبمقادير كبيرة لأنواع من التوابل التقليدية المحضرة محليا.
يعتبر الحساء من أشهى الأطباق الشعبية وأشهرها بالمنطقة، حيث يتم تحضيره بالفريك من نوعية متوسطة والشحم والقديد (لحم جاف) وبعض الأعشاب والتوابل التي تعطي له نكهة شهية، من بينها الحبة السوداء والحلبة والقصبر الأخضر، كما تضاف له أنواع من البهارات، في مقدمتها الفلفل الحار.
تقول ربة البيت السيدة نصيرة (45 سنة)، إن هذا الطبق الشعبي يفضل تناوله بكثرة في فصل الشتاء بهذه المنطقة، حيث يوضع على موائد فطور الصباح أو الغداء أو العشاء ويقدم ساخنا، لأنه يمنح - بحسبها - الجسم الطاقة اللازمة لمقاومة برودة المناخ، فضلا عن أنه يعد الطبق الرئيس الذي يزين أكلات مائدة شهر رمضان الكريم.
كما تعتبر أكلة المردوفة المتبلة بمختلف البهارات - بحسب ذات المتحدثة - من أشهر الأكلات القديمة التي تكسب شهرتها انطلاقا من احتوائها على مقادير كبيرة من التوابل التي تعطيها المذاق المميز عن باقي الأطباق.
يعتمد في تحضير تلك الأكلة أساسا على الخبز الرقيق وأنواع من الخضر، التي تقطع على شكل دوائر ورقائق صغيرة ومنها البصل والثوم والطماطم الطازجة، قبل أن يضاف لها تمر أحمر وأنواع من البهارات وكذا الشحم (مادة دهنية)، حيث يتم دق هذه المقادير كلها في مهراز قبل طهوها على نار هادئة وهي عادة لا تأخذ وقتا طويلا لإعدادها.
بعد الطهو تقوم ربة البيت بحشو تلك المواد داخل خبزتين رقيقتين على شكل طبقتين ويفضل تقديمها ساخنة، كما تضيف السيدة نصيرة.
 كما تعد أكلة تاقتاق واحدة من المأكولات الموسمية المشهورة المفضلة بمنطقة تيدكلت ويحبذها السكان، سيما كبار السن والأطفال.
تحضر هذه الأكلة بقليل من الأعشاب الخضراء، من بينها القصبر والثوم والطماطم وأوراق العنب والشعير، حيث يتم جمعها ودقها في مهراز تقليدي (مصنوع من الخشب) وعادة ما تؤكل بطريقة خاصة وذلك باستعمال أصابع اليد مع تناول معها قليلا من البصل الأخضر.
تقول الحاجة جمعة (68 سنة)، من مدينة عين صالح، إن أكلة تاقتاق متوارثة عبر الأجيال وتمثل واحدة من الأطباق الأصيلة التي تعكس جانبا من الحياة المعيشية القديمة لسكان تيدكلت، حيث كان الأجداد يتناولون مثل هذه الأطعمة التقليدية التي يعتمد في إعدادها على مواد غذائية طبيعية، تضمن الصحة الجيدة وسلامة الجسم، حيث لم نكن نعرف - كما أضافت - «‘تلك الأنواع من الأمراض المنتشرة في زماننا الحالي».
وتظل أطباق الحساء والمردوفة وتاقتاق تمثل تلك الأكلات الأصيلة التي خلفها الأجداد في مطبخ سكان عين صالح والتي تحضر من مواد طبيعية ومحاصيل زراعية صرفة كالقمح والشعير واللحم المجفف، حيث تعمل ربات البيوت بهذه المنطقة على استدامتها والمحافظة عليها، باعتبارها وجبات غذائية تقليدية ذات فوائد صحية متعددة.
وتسهر ربات البيوت بعين صالح، على تحضير هذه الأكلات التقليدية وغيرها بمهارة عالية وفي أجواء حميمية وعائلية تساعد على إضفاء الدفء العائلي، سيما بالبيوت القديمة المنتشرة بالمنطقة والتي يكون فيها لهذا الدفء نكهة اجتماعية أخرى.