طباعة هذه الصفحة

حملت تسمية اللّبؤة من أقدم عمران شمال إفريقيا

تبسة .. مدينة الأبراج تروي حضارة عريقة

بقلم الأستاذ / عبد القادر حمداوي باحث في التاريخ الوطني

قوس النصر "كراكالا" شاهد على بطولات سكان ضد الغزوات الخارجية

مدينة عتيقة ونقطة عبور بين الجنوب والشمال، تقع في الشرق الجزائري، شهدت حضارات متعدّدة عريقة وموقعها استراتيجي ممتاز، هي مدينة كبيرة ذات بساتين وأشجار وماؤها قريب المؤونة، فتشغف القلوب وتمتع العيون، جعلت الإنسان يستقر بها وذلك راجع إلى وفرة المياه والأرض الخصبة.

مدينة عتيقة ونقطة عبور بين الجنوب والشمال، تقع في الشرق الجزائري، شهدت حضارات متعدّدة عريقة وموقعها استراتيجي ممتاز، هي مدينة كبيرة ذات بساتين وأشجار وماؤها قريب المؤونة، فتشغف القلوب وتمتع العيون، جعلت الإنسان يستقر بها وذلك راجع إلى وفرة المياه والأرض الخصبة.
يوجد بها حدائق غنّاء بالرمان واللّيمون ومن طبيعتها مناظر خلابة تروق لها النفوس و حضارة أخرى مرّت عليها لفترة تلتها تعود إلى منطقة قفصة التونسية. إنها تبسة التي تتوقف عندها صفحة “مدن وتاريخ” وترصد مسار تطوّرها عبر الأزمنة.
تؤرخ تبسة لما بين الحضارتين أي العاترية من 3000 إلى 4000 سنة قبل الميلاد في منطقة وادي الجبانة (بئر العاتر ) واصطلح عليها هذا الإسم، وهذه المعالم مع اختلاف عصورها جميلة رائعة. كما عرفت المنطقة مرحلة فجر التاريخ و هي المرحلة التي بدأ يعرف فيها الإنسان الاستقرار.
الأول في المغارات والكهوف وذلك ما دلت عليه الأبحاث الأثرية في منطقة قاستيل، شمال مدينة تبسة، بالقرب من جبل الدير والذي عثر على أدوات فخارية تحمل زخارف محلية في الفترة القديمة، وتمتاز بأثارها العظيمة، تأسست مدينة تبسة القديمة في القرن الثالث قبل الميلاد ويرجع إسمها إلى الأصل البربري ويذكر أن هذه المدينة من أقدم المدن في شمال إفريقيا.
الأول ويعتقد، بحسب الترجمة اللّوبية القديمة بأنها تعني اللّبؤة ( أنثى الأسد) ولما دخلها الإغريق شبهوها بمدينة تبس الفرعونية لكثر خيراتها والمعروفة اليوم بطابة، وبعد دخول الرومان سمّوها بتيفست لسهولة نطقها ومع الفتح الإسلامي أصبحت تسمى تبسة.
عرفت مدينة تبسة الحياة ووجود الإنسان عليها منذ حوالي، كما تدعى اليونيسكو، منذ حقبة استان مشتى الغربي أي حوالي 12000 سنة قبل الميلاد وذلك فيما يعرف عند المؤرخين بالحضارة العاترية وقد أطّل عليها التاريخ بقدوم الفنيقيين ليحتلوها ويضمّوها إلى مملكة قرطاج ذلك منذ 250 ق. م.
إلى أن وقعت تحت حكم الرومان بعد تغلبهم على القرطاجيين سنة 200 ق.م وأصبحت مقاطعة رومانية ونقطة عبور هامة للتجار من الجنوب إلى الشمال. بعض المصادر تدّل على أن تأسيس مدينة تيفست يعود إلى القرن الأول ميلادي.
 في عهد الأمبراطور فيسيانوس من قبل الفرقة العسكرية الأغسطسية الثالثة بعدما كانت في حيدرة بتونس كانت تيفست مقرا هاما لدائرة المالية والممتلكات خلال القرن الثاني والثالث الميلاد، ومدينة تبسة أقدم مدينة مأهولة في شمال إفريقيا، وهذا ما جعلها فريدة عصرها في ظلال ذكريات حلوة مرّت من هنا، سهلها وجبالها و مناظرها.
مدينة استقر بها الإنسان البدائي، مدينة كبيرة منازلها أنيقة، فنادقها عظيمة حدائقها منسّقة، شوارعها مرصوصة مناظرها الطبيعية خلابة تسلب العقول مشرقة وهواءها عليل، فلا عجب ان تصبح مقصدا للسائحين والراغبين في الراحة والهدوء.
عرفت المدينة إزدهارا كبيرا في عهد الرومان، حيث بنيت المنازل الواسعة والحدائق الغناء ذات الظل والماء والأشجار والزهور تذرف من عيونها قطرات الندى ومن داخلها جنان ومشتى و مساكن، والناس في وئام وسلام فلا خصام و لا نزاع.
 الآثار الرومانية الموجودة الآن بين 472 /69 م إلى أن سقط الحكم الروماني على يد الوندال الذين عاثوا فيها فسادا وهدموا الكثير مما بناه الرومان وبعدما استرجعها القائد سولومون رمّمت المدينة وأضافوا العديد من المرافق التي كان سكان المدينة يزرعون فيها الحبوب و تكون زراعة الأرض التي كان يملكها السكان الأصليون وبلادهم كريمة طيبة التربة، كثيرة العمارة عالية الأسوار والسور المحيط بمدينة تبسة لا يوجد له نظير عرض حائطه ذراعا أو أكثر، حيطانه وسقفه كل ذلك من الحجارة المنحوتة أبدع نحت ملصقة أتقن إلصاق أثارها مدهشة.
 بعد الاستيلاء من قبل الوندال على المدينة و ضعوا ضرائب على المواطنين وحصنوا المدينة بأسوار، وقد عثر الباحثون الأثريون، جنوب مدينة تبسة على شواهد دلت على ذلك.
ثم أقدم البزانطيون بقيادة سولومون وقضى على الوندال سنة 534م وقام بتأسيس قلعة بيزانطية أسوارها من حجارة المدينة الرومانية خلال حملته الأولى وحصنها بــــ 14 برجا وكانت ذات مدخلين من الشمال قوس النصر ‘’كراكالا’’  ومن الشرق الباب الخاص بالقائد سولومون، لكن لم يفتأ هذا الأخير حتى قضى عليه من قبل القبيلة المحلية للموريين عند أسوار المدينة في كمين نصب له عند نهاية القرن السادس للميلاد.
تعرض من الفنون أشكالا تشاهد فيها العصور القديمة ولسكان المدينة الأفعال الجميلة والمكارم التامة والأخلاق الحسنة، والإيثار وحسن الجوار للغرباء من مكارمهم أنهم متى صنع أحدهم وليمة يبدأ فيها بالطعام للفقراء المجاورين ويستدعيهم بلطف ورفق وحسن خلق، ثم يطعمهم ويسيرون مع الأهل ووجوههم باسمة، صدورهم عامرة بالحب، قلوبهم ذاخرة بالعطاء ظلت تبسة تحت الحكم الروماني إلى أن ظلت عليها جيوش الفاتحين سنة 648م/ 27 هــ، حيث انتصر المسلمون على الرومان وأقاموا اتفاقية صلح مع البربر بقيادة الكاهنة سكان الأصليون لتبسة.
لكن البربر نقضوا الاتفاقية، قتلوا الصحابي الجليل عقبة بن نافع وثلاثة مائة من صحبه الكرام، لقد ضحى عقبة بن نافع وأصحابه بحياتهم في سبيل إرساء قواعد الإسلام في هذه البلاد، عاود المسلمون الكرة فتحها بعد أن أعادوا العدة ونظموا الصفوف بقيادة حسان بن النعمان الغساني في سنة 78هـ/ 698م.
شهدت مدينة تبسة قدوم الفاتحين العرب و أصبحت تدعى تبسة بدل تيفست خضعت المنطقة للحكم التركي بعد استيلاء الحاكم التركي ستان باشا على تونس فالعلاقات السياسية بين تونس و الجزائر كانت تزداد سوءًا بسبب تدخلات بايات تونس في شؤون شرق الجزائر، وفي الأخير تم المعاهدة والصلح.
العهد العثماني
كانت الاتصالات واسعة في الشرق الجزائري مع أحمد باي وشخصيات المناطق المجاورة لقسنطينة، الأمر الذي جعل العدو الفرنسي يضرب بعنف لتهدئة المقاومة، لكن المقاومة  الثائرة ضد الاحتلال التي قامت بضواحي مدينة باتنة سنة 1848 لقد أوضح الخبر أن أحمد باي دعم تلك الثورة محاولا في الوقت نفسه استقطاب الأهالي للمشاركة في الثورة.
 الجدير بالذكر طلب قبائل كثيرة مستقلة في قضائها ـ، فكان لكل قبيلة قاضيها، كما كان يوجد في كل دائرة ما يسمى بمجلس خاص بهم.
عهد الاستعمار الفرنسي
 حاولت فرنسا فرض رؤية استعمارية، كما سعت لتحقيق مشروعها الفرنسي في الجزائر بدناءته و بطشه وفظاعة جرائمه، أصبحت فرنسا مجرمة لا يفرقون بين الرجال والنساء ولا بين الشيوخ و الأطفال، يدنسون المقدسات إنها مأساة الإنسانية الحقة.
ثورة أول نوفمبر
كانت ثورة نوفمبر تتطلب كل القوى وتعبئة كل الوطنيين، أطلقت الثورة رصاصتها الأولى على الساعة الواحدة من فجر نوفمبر، مدوية في كامل ربوع الوطن، عمّت تقريبا كامل البلاد، قامت القوات الفرنسية بعمليات واسعة النطاق في جبال الأوراس، شارك في هذه العملية أكثر من خمسة ألاف جندي، معزّزين بالمدرعات وبالطائرات وردا على البطش الإستعماري والقصف الطيراني للأوراس.
بعد الحصار العسكري المضروب على الأوراس قام زيغود يوسف بدراسة وبتخطيط تحطيم أسطورة القوة الفرنسية. كان الهجوم يوم 20 أوت 1955م، أثر هذا الهجوم كثيرا على العدو حيث أفشل كل المخططات الإستعمارية.