طباعة هذه الصفحة

الناقد محمد بوكراس من فضاء بن قطاف:

أرشيف مسرح الجزائر يضيع في صمت

المسرح الوطني الجزائري: أسامة إفراح

احتفى، أمس، فضاء نادي بن قطاف بالمسرح الوطني الجزائري، باليوم العالمي للمسرح، باستضافة الناقد والأكاديمي محمد بوكراس، الذي تطرق إلى الأرشفة والتوثيق وعلاقتهما الوطيدة بالتأريخ للمسرح. وتأسف بوكراس لغياب الوعي وثقافة التوثيق ما تسبب في ضياع جزء كبير من تراثنا وإبداعنا المسرحي. من جهتها، ألقت الفنانة نضال رسالة المسرح التي كتبها الدكتور أحمد شنيقي، ودعا فيها إلى اعتماد المسرح خدمة عمومية.
افتتح الدكتور سعيد بن زرقة الجلسة بعرض نبذة عن اليوم العالمي للمسرح الذي بدأت فكرته سنة 1961.. كما أعطى أمثلة عن رسائل عالمية للمسرح على غرار تلك التي كتبها سعد الله ونوس سنة 1996، ودعا فيها إلى حوار مركب متعدد وشامل.
ثم ألقت الفنانة نضال رسالة كتبها د.أحمد شنيقي بهذه المناسبة، قال فيها إن المسرح دلالة احتفال، والاحتفال به مرة في السنة هو تهميش له، كما أنه كاشف للضغوط والصراعات التي تحرك المجتمعات، وفضاء عمومي تناقش فيه قضايا المدينة. وعاد إلى مرافقة المسرح للحركة الوطنية، فكل فعل مسرحي محاولة لإثبات الهوية، ورجالات المسرح لبوا النداء على غرار مصطفى كاتب ومحمد بودية. والمسرح ما يزال قائما رغم التكهنات السابقة بزواله على يد السينما والتلفزيون والرقمنة، يقول شنيقي الذي دعا الدولة إلى اعتبار المسرح خدمة عمومية.
وفي مداخلة حول “الأرشيف والتوثيق في المسرح الجزائري”، عرّف الأستاذ والناقد محمد بوكراس الوثيقة بأنها كل المصادر التي تثبت الحقوق والهوية وتمكننا من الوقوف على الماضي، وأضاف بأن كتاب أرسطو “فن الشعر” بني على أرشيف المسرح الإغريقي، والنهضة الأوروبية بنيت على أرشيف المسرح الإغريقوروماني.
وتساءل بوكراس حول مدى الوعي الوثائقي الذي بلغته مؤسساتنا الثقافية والمسرحية، وعن غياب مؤسسة للأرشيف والتوثيق في المسرح الجزائري، خاصة مع وجود معلومات متكررة ولكن بدون وثائق تثبتها، مثل نص مسرحية جحا (1926) التي تعتبر واحدة من بدايات المسرح الجزائري، ومع ذلك لا توجد نسخة لهذا النص، مع اعتقاد وجوده في الأرشيف الفرنسي. “يوجد أرشيف ثقافي كبير جدا هناك والسفن نقلت كل تراثنا الثقافي المادي وغير المادي”، يقول بوكراس الذي يقرّ بأهمية الأرشيف السياسي، ولكن الأرشيف الثقافي مهم أيضا.
وقال بوكراس إن العملية التوثيقية دقيقة ولها مراحل علمية، بما في ذلك التخزين والحفظ والترتيب والتبويب في شقه التقليدي والرقمي، دون نسيان الاسترجاع والاستفادة، فليس الغرض هو تخزين وإخفاء الوثائق وإنما توفيرها للباحثين أو حتى الهواة والفضوليين.
وأشاد بوكراس بعمل د.سعيد بن زرقة عن علم الفكاهة الجزائرية الراحل حسن حسني، وبجهود الرواد أمثال علالو، وبشتارزي بأجزاء مذكراته الثلاث، ومحمد الطاهر فضلاء، كما أشاد بجهود الجامعة الجزائرية وباحثيها، وبجهود الإعلاميين القدامى والمحدثين، والفنانين الذين تحلّوا بالحس الوثائقي والأرشيفي، على غرار أحمد أدار وحميد رماس وعبد القادر بلكروي الذين عطوا أرشيفهم لجامعة وهران، دون نسيان جهود المصورين على غرار عزيز لشلح وفضيل هدهوم وغيرهما.. ولكنها تبقى جهودا فردية معزولة معرضة للضياع وبعيدة عن المأسسة والبعد الاستراتيجي.. ومن الأمثلة على ذلك النصوص الرائعة للفرقة الفنية لجبهة التحرير الوطني الفريدة من نوعها، وهي اليوم غير موجودة بطريقة رسمية وغير مطبوعة.
وقد طرح هذا الموضوع بطريقة رسمية سنة 2007 على هامش عاصمة الثقافة العربية وتم التفكير في تأسيس مؤسسة قائمة بذاتها، وتكرر الحديث على هامش خمسينية الاستقلال ولكن دون متابعة حقيقية.
وعن سؤالنا عن عدم قيام التعاونيات والفرق المسرحية والفنانين بأرشفة أعمالهم والاحتفاظ بها، أجاب بوكراس بأن المشكلة مع التعاونيات والفرق والفنانين هي نفسها التي تعاني منها المؤسسات القائمة بذاتها، وهي غياب الحسّ التوثيقي: “المشكلة موجودة في ذهن الإنسان والوعي الوثائقي يبدأ من الطفولة، فحتى أطفالنا حينما ينهون موسمهم الدراسي يلقون بكراريسهم، وهنا تبدأ نهاية الوعي التوثيقي.. نحن نسمي الأشياء القديمة خردة، بينما كلما مر الوقت زادت قيمة الشيء”.
أما عن سؤالنا حول إمكانية اعتماد التسجيلات السمعية البصرية مع الفنانين كرافد من روافد التوثيق، قال بوكراس إن استعمال السمعي البصري ضرورة لا مناص منها، ووظيفة الموثق هي التوثيق بغضّ النظر عمّا تحتويه الشهادات المسجلة من آراء متوافقة أو متناقضة. من جهته، تساءل سعيد بن سلمى، المدير السابق للمسرح الوطني الجزائري، عن مصير المادة الأرشيفية الهامة التي تركها وراءه بمغادرته منصبه سنة 1988، والتي نقلت أو ضاعت مذ ذاك.