طباعة هذه الصفحة

مؤشّرات عن انفراج سياسي للأزمة

هل حان موعد الحل الشّامل في ليبيا؟

حمزة محصول

نجت ليبيا خلال الأسابيع القليلة الماضية من خطر الانزلاق نحو حرب أهلية طاحنة عقب معارك السيطرة على مطار تمنهنت
 بمدينة سبها جنوب البلاد، ولاح في الأفق خيط رفيع للأمل في التوصل قريبا لحوار سياسي جاد وشامل، تساهم فيه الجزائر بدبلوماسيتها المرافعة للخيار السّلمي بعيدا عن التدخل العسكري.
منذ اللّقاء الثلاثي الذي جمع وزير الشؤون المغاربية الاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية عبد القادر مساهل، وزير الخارجية التونسي خميس الجهيناوي ووزير خارجية مصر سامح شكري، أواخر فيفري الماضي بتونس، تقلّصت الجهود الدبلوماسية الدولية الرّامية لمساعدة الفرقاء اللّيبيّين على تجاوز الخلافات والذهاب نحو حوار شامل.
حالة الفتور الدبلوماسي في التعاطي مع الملف الليبي امتدت طيلة شهر مارس المنقضي، حيث تحوّلت أنظار العالم إلى سوريا وشبه الجزيرة الكورية، عقب التدخل العسكري الأمريكي في مدينة حمص وقصفه مطار الشعيرات وتحريك الرئيس ترامب أسطولا بحريا نحو سواحل كوريا الشمالية لوقف تجارب بيونغ يانغ النووية.
خلال هذه الفترة، عرفت المناطق الجنوبية بليبيا، تجدّد المواجهات العسكرية المباشرة بين القوات التابعة للفريق خليفة حفتر والقوات التابعة لحكومة الوفاق الوطني، وكان الهدف من المعارك السيطرة على مطار تمنهنت الاستراتيجي جنوب البلاد.
وقوع المواجهة المباشرة بين قوّتين ثقيلتين في ميزان القوى، دفع بالأمين العام للأمم المتحدة للخروج عن صمته والتحذير من انهيار شامل في ليبيا، وجعل فايز السراج رئيس حكومة الوفاق الوطني يحذّر من خطر داهم، قائلا «أن الحرب الأهلية وشيكة في ليبيا إذا لم نرجّح كفّة الحكمة والتعقل»، ودعا «المجتمع الدولي إلى التدخل العاجل».
الدّور الجزائري
وفي خضم حالة الترقب، جاءت زيارة وزير الشؤون المغاربية الاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية، عبد القادر مساهل ي 18 أفريل الماضي، إلى مختلف المدن الليبية، مسيلة الكثير من الحبر حيث تفاعلت معها وسائل إعلام عربية ودولية بالتحليل وتوضيح المغزى.
بينما يعتبر توقيت الزيارة ذو أهمية بالغة، كونه تزامن مع بلوغ التوتر درجة غير مسبوقة بين الفريق حفتر وحكومة الوفاق الوطني، بعدما وصل الأمر إلى المواجهة المسلّحة المباشرة، وجاء لقاء مساهل بكافة الفرقاء في مختلف المدن الليبية من الشرق والوسط والغرب في وقت مناسب سمح بتهدئة الأنفس ووضع الأسلحة جانبا.
وكان واضحا أنّ مساهل الذي حظي باستقبال شعبي في أغلب المدن التي زارها، بحث مع قادة مختلف التشكيلات السياسية والعسكرية مسألة العزوف عن استخدام القوة واللجوء إلى الحوار كحل وحيد، ليسجّل وجود إرادة مشتركة لدى الجميع في الذهاب نحو الحل السياسي.
وبعيدا عن كثرة المبادرات واختلافها لإيجاد مخرج سلمي للأزمة، تمكنت الجزائر لثاني مرة من إقناع الأطراف الليبية بالعدول عن استخدام القوة لحل المشاكل، بعدما نجحت في أكتوبر من العام الماضي في تفتيت التوتر بين قائد الجيش الليبي حفتر ورئيس حكومة الوفاق فايز السراج، حيث استقبلت كل منهما على حدا في العاصمة الجزائر.
وصنع التحرك الاستباقي للجزائر في المشهد الليبي الفارق في كل مرة، ومكّن من إعادة التوازن لمسار العملية السياسية، وأثبت في الوقت ذاته مصداقية الدبلوماسية الجزائرية وموضوعية الطرح التي تقدّمه، والقائم على عدم إقصاء أي طرف من الحوار السياسي باستثناء الجماعات الإرهابية.
وترتكز منهجية العمل التي تقترحها الجزائر على الفرقاء الليبيين للخروج من الأزمة، على درء الخلافات وتشكيل حكومة وحدة وطنية تقود البلاد لمرحلة انتقالية، وتتولى بناء المؤسسات الدستورية والأمنية وتحارب الإرهاب وتزيل حالة الفراغ السياسي وتحكم قبضتها على الثروات الباطنية للدولة للتعامل مع الصعوبات الاقتصادية.
 معركة كسر العظام؟
التصعيد الخطير الذي وقع في الأسابيع الماضية بمدينة سبها ومعارك الهلال النفطي التي سبقته، إلى جانب المواجهات التي عرفتها العاصمة طرابلس بعد قيام عناصر حكومة الوفاق من إخلاء المدينة من المسلّحين، شكّل مرحلة جديدة من الصراع في ليبيا كونه جاء عقب جهود حثيثة بدلتها دول الجوار (الجزائر، تونس ومصر) واللجنة الرفيعة للاتحاد الإفريقي الخاصة بالملف الليبي، وكذا تأكيد كافة الهيئات الدولية على أنه لا حل في ليبيا سوى المسار السلمي والمصالحة الوطني.
الإجماع على الحل السلمي فع بالأطراف الليبية مثلما هو متعارف عليه في الأزمات الدولية، إلى رفع السقف واستظهار العضلات للتفاوض من موقع القوة، ليكتشف الجميع توازنا واضحا في ميزان القوى على الأرض خاصة معركتا الهلال النفطي ومدينة سبها، الأمر الذي دفع بالأمم المتحدة إلى التحذير من انهيار شامل، وتقصد به الحرب الأهلية التي لا غالب فيها ولا مغلوب سوى الشعب والمدنيين.
واستخدمت الأطراف المتصارعة عدة أساليب لإثبات تفوّقها، أبرزها السعي للسيطرة على مواقع انتاج النفط الذي يمثل الثروة الأولى ومصدر الدخل الوحيد لخزينة الدولة، ولخّصت سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية السابقة في ليبيا ديبورا جونز خبايا النزاع خلال استعراضها للأزمة الليبية بمجلس الشيوخ الأمريكي الأسبوع الماضي بقولها «أن الحرب في هذه الدولة لا تقوم على الاختلافات الإيديولوجية لكنها حرب استنزاف تهدف إلى السيطرة على البنية التحتية الحيوية في غياب جهة موثوق بها تتولّى إدارة الثروة الوطنية».
وكان مجلس الأمن الدولي أصدر قرارا سنة 2014، يقضي بوضع تصدير النفط الخام الليبي تحت صلاحيات الحكومة الشرعية، وأسند مهمة تسيير المنشآت تحت سلطة المؤسسة الوطنية الليبية للنفط، لتفادي استخدامه كسلاح اقتصادي من قبل جهة معينة.
دور العواصم بين التّسهيل والتّأزيم
من بين الأفكار التي طرحتها السفيرة الأمريكية السابقة بليبيا خلال عرضها بالكونغرس، كانت مسألة الدعم الخارجي للأطراف الليبية، وقالت: «طالما تعتقد الفصائل المختلفة أنّها تستطيع الاعتماد على الدعم الخارجي لتغيير موازين القوى، ستستمر الحرب الراهنة وتستمر معها المعاناة الإنسانية، وتدفق المهاجرين وتسلل المقاتلين الأجانب إلى داخل الأراضي الليبية من عناصر تنظيمات ما يسمى بداعش الإرهابي والقاعدة».
من هذا المنطلق، تنبع أهمية وعي الليبيين بضرورة صياغة حل فيما بينهم بعيدا عن التدخلات الخارجية وأجندات القوى الطامحة لتحقيق مصالح إستراتيجية فلن يؤدي استقواء أبناء الوطن الواحد على بعضهم البعض بالخارج إلى أية نتيجة إيجابية بل سيؤدي إلى تفاقم أكبر للأوضاع.
وسبق أن صرحت عدة شخصيات سياسية ليبية جاءت للمشاركة في جلسات الحوار التي رعتها الجزائر سنة 2015، أن المشكل الأساسي ببلدهم يكمن في التدخلات الأجنبية ورغبة بعض الدول فرض تيارات معينة في الحكم، الأمر الذي فوت على البلاد عديد الفرص لبناء اتفاق وطني ينهي الأزمة المتعددة الأبعاد والانعكاسات.
ويفترض أن تلعب العواصم العالمية الخائضة في الملف الليبي دورا مسهلا لتقريب وجهات النظر بين الفرق المتخاصمة والدفع نحو الحوار الشامل، لأنّ دعم جهة على حساب أخرى أدى إلى ارتفاع رقعة انتشار الأسلحة، وأوجد الفراغ لنشاط الجماعات الإرهابية وفتح المنافذ أمام المهاجرين غير الشرعيين والاتجار بهم.
بوادر الانفراج
بعد تدخّل الأمين العام للأمم المتحدة وتحذيره من الفوضى الشاملة وزيارة الوزير عبد القادر مساهل إلى ليبيا، لاحت في الأفق بوادر انفراج للأزمة، حيث اجتمع خطاب كافة العواصم الغربية على ضرورة الحل السياسي والجلوس إلى طاولة الحوار.
وتفاعلت المنظّمات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة مع نداءات حكومة الوفاق للمساعدة في التعامل مع تدفق اللاجئين نحو أوروبا وستعود قريبا وكالات المهاجرين إلى ليبيا، واستضافت العاصمة الايطالية روما لقاء بين رئيس المجلس الرئاسي الليبي عبد الرحمن السويحلي ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح.
ووصفت صحيفة «الغارديان» البريطانية اللقاء «بالانفراجة الدبلوماسية للأزمة الليبية»، وتحدّثت وكالة «سبوتنيك» الروسية عن اجتماع رئيس حكومة الوفاق الوطني فايز السراج بالفريق خليفة حفتر بدولة الإمارات العربية المتحدة، وهو ما أكّدته بعض المصادر الإعلامية الليبية.
تواتر كل هذه الأحداث يؤكّد إفلاس كافة المقاربات التي اعتمدت طريق القوة العسكرية لفرض منطق جهة معيّنة على حساب أخرى، فلم يؤدي الدعم الخارجي إلا لمزيد من التأزم واستنفاذ الأرواح البشرية والثروات الاقتصادية، ولم يفلح أي طرف مسلّح أو سياسي في بسط نفوذه وسطوته على الحكم، لذلك بات التوجه نحو الحوار السياسي الشامل أقرب من أي وقت مضى.