طباعة هذه الصفحة

«ملتقى أوراق» سيدي بلعباس الثقافية

المدينـة تفتح موعـدا مع الكلمة لتجديـد الـذات المبدعـة

بلعباس: غ. شعدو

 كثيرون يحملون خميرة شعرية ويظلون في نفس الخط الواحد
 الوطـن يحضـر في كتابـات التنـوع والاختــلاف

عاش محبو الكلمة والحرف بولاية سيدي بلعباس وعلى مدار يومين كاملين أمسيات شعرية امتزجت فيها ثورة الكلمات بجنون الحرف بعد أن حفر خلالها كوكبة من الشعراء  نبض المشاعر والوجدان ونقلوا مكنوناتهم بكل صدق وأمانة صانعين فسيفساء أدبية تنوعت بين الشعر الفصيح، الشعبي، الشعر الأمازيغي، الفرنسي وكذا الإسباني. فضلا عن تقديم دروب من القصة القصيرة، الخاطرة والمحاضرات العلمية النقدية.
الأمسيات الشعرية التي تمّ تنظيمها ضمن فعاليات الطبعة الثانية للملتقى الوطني «أوراق سيدي بلعباس الثقافية» على مستوى دار الثقافة كاتب ياسين كانت مساحة صادقة للتعبير عن ضمير الشاعر وضمير المجتمع، وسيلة لنقل الثقافة والحضارة والتاريخ ونقل الهموم والرؤى الفكرية ومحاولة لخلق مساحات إبداعية تتلاقى فيها الأفكار المعبر عنها بالكلمات والأبيات الشعرية.
 في مداخلة له حول واقع الإبداع وتحدياته قال الدكتور حبيب مونسي أن أوراق سيدي بلعباس الثقافية هو موعد يتجدد، ويتجدد معه ذلك اللقاء الذي يجمع بين فلذات أكباد هذا الوطن متيحا فرصة أن يخرج الشعراء من تكنانهم قصائدهم التي ظنوا بها لزمن وأداروها في أنفسهم أزمنة وجاؤوا بها إلى هذا الصعيد لكي ينشدوها إنشادا فتتلقاها الأفئدة ألوانا وأزاهيرمثل ازاهير هذا الفصل الجميل، وهي أوراق نأمل أن تحمل في طياتها ما تجود به الخواطر وما يسجله الفكر وما تقدح به العبارات من أزهى وأبلغ وأجمل تصاوير هذا الوطن الجميل، فنحن الذين نكتب الوطن - يضيف قائلا ونحن الذين نصنع آفاقه وآماله ونحن الذين نزرع في ربوعه تلك الصور الرائعة التي لا يتفطن إليها غالبية الناس وحينما يتفطنون إليها يجدونها وقد نشرت بين أيديهم مثلما تنشر الزرابي المبثوثة، معبرة عن مجتمع لا يدرك سرا من أسراره إلا الشعراء ولا يعرف متانة نسجه إلا الكتاب فهم الذين يسردون حقيقته وتاريخه ويعرفون تفاصيله وقسمات وجهه، فيبثونها في الأسطر والكلمات لتصل إلى الوجدان وتبلغ مبلغا متقدما في العقول.

-  مونسي: أوراق المدينة الثقافية موعد يتجدّد معه اللقاء
فباب المثاقفة يجب أن يفتح بين الشعراء حيث نجد شاعر له قدم في الملحمة وشاعر له قدم في الغزليات فيمد كل يده للآخر للاستفادة من النسق الذي يسير عليه كل مجاله، وأن لا يبقى كل واحد متخندق في مجاله لأن ذلك يقتل الشعر ويضر بمستقبله وخير دليل على ذلك كتاب زمن القتلة للأمريكي أورلي ميلان، والذي حمل فصلا بكامله تحت عنوان من قتل الشعر وهنا يجعل القسمة قسمين فالذين قتلوا الشعر ـ حسبه ـ بالدرجة الأولى هم الشعراء حينما رضوا بالتركة التي وصلت إليهم ولم يحاولوا تجديدها، يليهم المتلقين الذين قتلوا الشعر بعدم الإهتمام به وعدم إعطاء الشاعر قيمته كإنسان ضروري في المجتمع.

القصيدة الملحمية الشعبية بإمكانها الخروج إلى أفق السؤال الفلسفي
ليعطي بعدها الدكتور مونسي ثلاثة معايير للشاعر الناجح، حيث قال فقدر من الفكرة، وقدر من الإحساس وقدر من الموهبة وإن إجتمعت الثلاثة  في شاعر سيكون رائيا لامحالة يمكنه أن يصنع بقصيدته كيفما شاء فالشاعر هو الذي يتسع من فكرة ويحول الحدث البسيط إلى حدث ومشهد حضاري، حتى القصيدة الملحمية الشعبية بإمكانها ومن خلال الاعتماد على هذه المعايير الخروج إلى أفق السؤال الفلسفي والحضاري.
وفي حديثه عن الشباب والإبداع الأدبي قال الدكتور حبيب مونسي  بأن معظم الشباب المبدع حاليا يفتقر لتكوين قاعدي، لأن الشعر يتطلب في فترة من الفترات معرفة صناعة الشعر التي لا تزال مفقودة، فلو كانت هناك مبادرات لأساتذة ومختصين في تأطير شاعر او مبدع والإستماع إليه والتصحيح له لأستطعنا أن نخرج شاعرا من طينة الكبار، فالشعراء كثيرون ممن يحملون خميرة شعرية لكنهم يضلون في نفس الخط الواحد فالتميز يتطلب المغامرة والتجريب وإقتراح البديل وعدم البقاء في المسائل المكرورة. وعلى الإدارة أيضا - يضيف - الإستثمار وخلق الفضاءات الأدبية كالمقاهي الأدبية وغيرها دون أن نغفل على دور الجامعة التي تقلص دورها إلى منح شهادات التخرج فقط دون خلق الإبداع إطلاق نشاطات على الهامش على غرار النوادي الإبداعية والأنشطة الثقافية .

- الشاعر ميلود عبد القادر:
تجديد الثورة الإبداعية هو الحل لمقاومة الإبداع الإفتراضي
أشارك في ملتقى أوراق سيدي بلعباس الثقافية للمرة الثانية وهي تذكرة لمثقفي الولاية والولايات المشاركة وموعظة أدبية لهم للخروج بهم من عالم النسيان فهي فرصة حقيقية لبناء أحداث أدبية إبداعية،لكن من المفروض أن تقرأ الأوراق قراءة تصورية من خلال ما يسمى بالإشهار أو التسويق الأدبي،ويجب أيضا أن تدعم هذه الاوراق من قبل الأكاديميين والمختصين الذين لهم اهتمام في تدوين الثقافة لأن الثقافة ولدت في المكان والزمان والحدث إن لم يسجل له الزمان يصبح في خبر كان، وتصبح ثقافتنا ما بين العرف والشفوي، فالتدوين مهم ليجد الجيل القادم ما يقتات به من بحوث وتنمية للفكر، لأننا وبمشاركاتنا في مختلف الفعاليات نبني احداثا أدبية موسمية مناسباتية فقط، فالإبداع صيد والكتابة قيد،وأوراق سيدي بلعباس يمكن أن تكون مستقبلا أوراق إبداعية أدبية ومرجعية. ويضيف الشاعر ميلود عبد القادر  قائلا – لهذا السبب قررت أن أكتب كتابا يجمع كل مؤلفات شعراء المنضوين تحت لواء إتحاد الكتاب الجزائريين لوهران حتى لا تكون الأمسيات منسيات، باعتبار أن الأمسية حدث، وذاكرة جماعية لزمانها فنحن إن لم ندون ما قرأناه فيصبح المتلقي مجرد متلقي والشاعر مجرد متكلم.

المقروئية إختزلت أدوارها في السمعي البصري
اوراق سيدي بلعباس هي فرصة للمثقفين لتحدي واقعهم وأنفسهم في ظل العولمة الحالية التي أدخلت الإنسان عموما والمبدع بالخصوص إلى الإفتراض الثقافي أين أصبح الخطاب المباشر الحي معدوما لأن المقروئية في حد ذاتها إختزلت أدوارها في السمعي البصري . لذاعلينا أن نقوم بثورة متجددة، ثورة إبداعية نابعة من عمق الثورة الجزائرية التي لاتزال موجودة على لسان كل أديب عربي لأن مصدرها العقيدة والروح.

- يوسف قاسم العساكر إعلامي وشاعر بالفصيح والأمازيغية:
نسعى لخلق تزاوج في الشعر بين الأمازيغية والعربية في الترجمة والنظم
قال صاحب كتاب أنتولوجيا الأدب الميزابي يوسف لعساكرالذي جمع فيه كل ما كتب من قصائد ونصوص بالميزابية في محاولة لتدوين التراث المحلي الأمازيغي أن اوراق سيدي بلعباس الثقافية هي فضاء من فضاءات التلاقي لتلاقح الأفكار وتبادل الرؤى والإستفادة من التجارب على إختلاف الدروب الشعرية للمشاركين من شعر فصيح وشعبي، وشعر باللغة الأمايغية، العربية واللغات الأجنبية. وهو ما يؤكد أن الجزائر تحضى بتنوع وزخم  ثقافي يحتاج إلى دعم ومساندة لإنجاح مثل هذه الفضاءات التي يريد من خلالها الشاعر أن يسمع ويصل شعره للآخر حتى يفرغ تلك الشحنة مما يعمق تجاربه ويحفزه لخلق الإضافة الأدبية. هذا وثمن لعساكر هذه المبادرة على الرغم من قلة المتلقين المهتمين بالشعر والأدب عموما «وهو ما يدفعنا  - يضيف قائلا ـ إلى مواصلة النضال لكسب الجمهور واسترجاع ثقته حيث أسعى من المنبر الإعلامي بإذاعة غرداية إلى فتح قناة تواصل بين الشعراء ومختلف الفاعلين في الحقل الأدبي وبين المستمعين لتمكين المبدعين من إفراغ شحناتهم من جهة ولإعادة نسج خيوط العلاقة مع المتلقين من جهة أخرى».
وعن أثر الثورة الجزائرية في الادب المعاصر قال يوسف العساكر أنه ينتمي إلى مدرسة شاعر الثورة مفدي زكريا الذي تأثر بإبداعاته منذ الصغر وقلدها قبل أن يتجه إلى ترجمة إلياذته إلى اللغة الأمازيغية وهو المشروع الذي سيرى النور قريبا، هذا فضلا عن ترجمته لبعض القصائد المتعلقة بالشعر العربي الفصيح كقصائد المتنبي وغيرها، وهي محاولة للمزج والتزاوج بين الثقافتين العربية والأمازيغية المكملتين لبعضهما لأن الشعر هو الشعر نفسه وبأوزانه وجماليته بأي لغة كان، وهو نفس المبدأ الذي دفعه إلى نظم بعض القصائد بالفصيح مع استعمال مصطلحات أمازيغية كقصيدة «داسين» التي يقول فيها:

هاذي تيهوسكي سر كل بلائي       فترفقي داسين في إيدائي
أكال تربتك الزكية عثرت وجهي     فكنت لثامه عفرائي

وهو لون إختص به يوسف لعساكر أين أدخل كلمات أمازيغية في أبيات بالفصيح ليخلق التزاوج المنشود بين اللغتين ويمكن القارئ من الاستمتاع به مع توضيح هذه المصطلحات وشرح معانيها.

عبد القادر فجخي شاعر الملحون:
تدوين الشعر الشعبي حماية له من النسيان والسرقات
أشارك في هذا الفضاء الثقافي الإبداعي لأول مرة ممثلا عن ولاية الجلفة وللشعر الملحون، هذا الأخير الذي يعد رسالة للوجدان والعقول وكلمة راقية وإحساس وجب نقله للآخر، فالشعر الشعبي لطالما كان لسان حال العامة خاصة خلال الثورة التحريرية وسنوات الاستعمار أين ساهم الشعر الشعبي في إيصال رسائل مشفرة للمجاهدين، وفي نقل إنشغالات وهموم الناس أنذاك، فهو يعتبر زخما فنيا أدبيا وجب إحياؤه والمحافظة عليه للأجيال القادمة باعتباره تراثا لاماديا هاما. وعن تجربته في الشعر الشعبي قال الشاعر بأنها بدأت مبكرا في شعر الغزل ليتجه بعدها إلى الشعر الشعبي المعالج للقضايا الوطنية والثورة ومنه يقول
مبهى وطني عشقت فيه الجزائر     الجزائر فيه مغروسة وردة
روضة من الرياض لها مآثر        جنة خضراء فوق الأرض موجودة
في شمال إفريقيا موقع طاهر       مزغنة إسم البلاد المقصودة

وأضاف الشاعر فجخي أن يسعى لطباعة أول ديوان شعري خاص به تحت عنوان همس الملحون والذي جمع فيه 80 قصيدة من شعره الشعبي في الإجتماعيات، الشعر الثوري، الغزل والرثائيات وكذا مدح الرسول عليه الصلاة والسلام. وعن واقع الشعر الشعبي والأدب الشعبي عموما  كالأمثال، الحكم، القصائد، المخطوطات وغيرها يرى الشاعر عبد القادر فخجي أن هذا اللون الأدبي لا يزال يعاني التهميش والإقصاء من قبل النقاد والمختصين حتى بات يتعرض للسرقات الأمر الذي يستدعي تأسيس لجنة وطنية من شانها تدوين وحماية هذا التراث الذي يعد ملكا للأجيال القادمة.