طباعة هذه الصفحة

«الشعب» تزور معرض الصناعة العسكرية برياض الفتح

القطاع الاقتصادي العسكري.. خطى ثابتة نحو الاكتفاء الذاتي في العتاد والسلاح

سعاد بوعبوش

ديناميكية مبتكرة لخلق قاعدة صناعية وتكنولوجية سيادية

عرفت الصناعة العسكرية الوطنية نقلة نوعية في السنوات الأخيرة بفضل التوجه الذي اختارته قيادة الجيش الوطني الشعبي لإنعاش صناعاتها في سبيل تحقيق اكتفائها الذاتي من الأسلحة والعتاد، والذي تدعم أكثر مع الشراكات ذات السمعة العالمية التي أبرمتها منذ سنة 2012، لترسم لنفسها طريقا نحو العصرنة والتحكم في ناصية التكنولوجيات الحديثة بما يكفل تعميق مفهوم الاحتراف لدى قوام المعركة للجيش الوطني الشعبي، والحرص على تلبية حاجيات وطلبات مختلف الوحدات القتالية للمؤسسة العسكرية، والمساهمة أيضا في دفع عجلة التنمية الوطنية.
«الشعب» وقفت على تطور الصناعة العسكرية الوطنية من خلال المعرض المنظم بباحة رياض الفتح في إطار الاحتفالات المخلدة للذكرى الـ 55 لعيد الاستقلال واسترجاع السيادة الوطنية والذي أبرز لزواره مختلف وحداته الصناعية المنتشرة عبر التراب الوطني التي تعزز قرارها السياسي وصيانة أمنها الوطني، عبر اكتساب المعارف العلمية والتكنولوجية التي تمكنها من إرساء قاعدة صناعية صلبة تتلمس بها دروب المستقبل بكل ثقة وتحفيز وحماس تعمل على تمتين أسسه وتعزيز قدراته القتالية والعملياتية.
في هذا الإطار قال المقدم حمامي عز الدين ممثل عن مديرية الإيصال والإعلام والتوجيه أن المعرض فرصة للتعرف عن كثب على المنتجات العسكرية الوطنية والمتنوعة التي تعكس التطور الكبير والمستوى الذي بلغته الصناعات العسكرية بمختف فروعها سواء في ما تعلق بالمصانع المتخصصة في تكنولوجيات الميكانيك والإلكترونيك والكهرباء، أو مصانع النسيج التي تم عصرنتها.
مؤسسة الألبسة ولوازم النوم... استجابة للحاجيات العسكرية
  تترجم هذه الوحدات الصناعية الخطوات الفعلية للجزائر في تعزيز قاعدتها الصناعية من خلال تطوير إمكاناتها في القطاع الاقتصادي» تحت شعار صنع بالجزائر»، والبداية كانت بمؤسسة الألبسة ولوازم النوم بالخروبة والتي تأسست في سنة 1962، بقرار من الرئيس الراحل هواري بومدين، وذلك بعدما رأى معاناة المجاهدين إبان الثورة في التزود بمختلف الأغطية والألبسة والذي كان يعتمد على عطايا وتبرعات المواطن البسيط من خلال جمعها لصالح جيش التحرير، أو عن طريق خياطة ألبسة تعبر عن هويتهم الجزائرية وذلك بالدول الشقيقة كتونس والمغرب تحت إشراف وزارة التسليح والاتصالات العامة آنذاك.
 جاءت هذه المؤسسة كشركة متخصصة في إنتاج الألبسة العسكرية ومعدات التخييم الموجهة للجيش استجابة فعالة لاحتياجات القوات العسكرية وشبه عسكرية بلوازم معتمدية، حيث أضحت تتمتع بخبرة طويلة في مجال الميدان الصناعي والتجاري، و عرفت تطورا ملحوظا ومستمرا وكل مرة من مراحل تطورها تمثل دلالة قطعية على تطلعها لتجسيد أهدافها المتمثلة في تنويع الإنتاج، تقديم أحسن العروض نوعية وسعرا، وشعارها في ذلك احترام آجال التسليم والبحث المتواصل للاندماج في النسيج الصناعي الوطني والقدرة على إدماج احدث التكنولوجيات من أجل التطور.
  استعرضت المؤسسة بجناحها مختلف منتجاتها من ملابس أحذية لوزام النوم والتأثيث وقدمت نماذج عن البذلات العسكرية سواء تلك المتخصصة للخروج والاستعراضات أو بذلة القتال المزركشة أو الموجهة للحماية من المطر، بذلة التدخل، بدلة مزيل الألغام بالإضافة إلى لواحق القتال واللوازم البلاستيكية والخوذة وأغراض التمويه، وآخرها شبكة التمويه التي ابتداء من سنة 2012 بدأت المؤسسة تصنّعها 10 بالمائة بقدراتها وإمكاناتها الإنتاجية.
  غير بعيد نجد جناح كل من المؤسسة الجزائرية للأنسجة الصناعية والتقنية، مؤسسة إنجاز أنظمة المراقبة بواسطة الفيديو، مركز البحث والتطور للعتاد الخاص بالأمن، ومؤسسة قاعدة المنظومات، وهي مؤسسات تبرز وتؤكد الاعتماد الكلي على التكنولوجيات الحديثة لارتباطها الوثيق ببلوغ الاحترافية المنشودة.
 « AMS-MB»..  نموذج للشراكة الواعدة وآفاق للتصدير
 في سياق آخر وبجناح مؤسسة العربات العسكرية الثقيلة لإنتاج سيارات رباعية الدفع ومختلف الشاحنات لتغطية احتياجات الجيش، يضع جناح الشركة الجزائرية لصناعة المركبات بعلامة مرسيدس بنز « AMS-MB» أمام التكنولوجيا الألمانية في مركبات مصنوعة وطنيا بأيد جزائرية، وتعتبر هذه المؤسسة امتدادا للمؤسسة الجزائرية لإنتاج السيارات ذات الوزن الثقيل بالرويبة.
أنشئت هذه المؤسسة في إطار الشراكة الجزائرية -الإماراتية-الألمانية بموجب توقيع القوانين الأساسية الخاصة بها في 29 جويلية 2012، وتتكوّن من ثلاثة مساهمين رئيسيين، حيث يمتلك الطرف الجزائري 51 % من الأسهم «34 % لشركة تطوير صناعات السيارات التابعة لمديرية الصناعة العسكرية بوزارة الدفاع الوطني و17 % للشركة الوطنية للعربات الصناعية».
 أما المساهم الثاني فيتمثّل في صندوق الاستثمار الإماراتي» أعبار» بنسبة 49 % من الأسهم، فيما يعتبر الطرف الألماني المتمثل في شركة «Daimler» شريكا تكنولوجيا، لتتوج هذه الشراكة بـمصنع أو وحدة تركيب السيارات من علامة «مرسيدس بنز» بعين بوشقيف بتيارت، والتي بدأت ثمار نتائجه تتجسد على أرض الواقع عبر إنتاج العديد من المركبات التي هي قيد الاستغلال، فيما ينتظر التوجه نحو التصدير لدول إفريقية، ما سيعزز انفتاح الجزائر الصناعي على الأسواق الأجنبية لاسيما الإفريقية منها.
عزز هذا الاتجاه إلى التصنيع العسكري المحلي مصنع آخر بولاية خنشلة دخل حيز الخدمة في ديسمبر 2014، من خلال إنتاج السيارات المصفحة «نمر»، وذلك في إطار شراكة بين وزارة الدفاع الجزائرية وشركة «توازن» الإماراتية، بالإضافة إلى مجمع ترقية الصناعة الميكانيكية بـ «السمارة» بقسنطينة.
  كان مدير الصناعات العسكرية في وزارة الدفاع الجزائرية، اللواء رشيد شواقي، قد أعلن نهاية مارس الفارط عن تسيير10 شركات صناعية متخصصة في تكنولوجيات الميكانيك والإلكترونيك والكهرباء، وإعادة بعث 9 مصانع للنسيج وعصرنتها، وذلك بهدف تلبية طلبيات الجيش الوطني بـ 15 ألف شاحنة من مختلف الأنواع وصناعة 25 ألف محرك ثقيل بوادي حميميم بقسنطينة ما سيوفر توظيف أكثر من 30 ألف منصب مباشر.
مؤسسة البناءات الميكانيكية بخنشلة... قطب امتياز
 بجناح مؤسسة البناءات الميكانيكية بخنشلة التي أنشئت في 1990 ودشّنه الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد بالرغم من أن الفكرة كانت موجودة من قبل إلا أنها لم تكن قد تبلورت معالمها، والذي جاء بهدف تلبية الحاجيات الخفيفة للجيش الوطني الشعبي من خلال تقديم منتجات صناعية 100 بالمائة جزائرية الصنع، ويتمتع بتجربة طويلة وكفاءات بشرية مؤهلة وجد عالية تتحكم في تكنولوجيات متطورة.
 شرع هذا المجمع خلال السنوات الأخيرة في إنتاج معدات متقدمة بفضل الورشات التي تم تطويرها على غرار ورشة الحدادة، السباكة بعد تجهيزها بروبوتات تجعل من السباكة آلية، ورشة التصنيع والتركيب والتي تمثل أكبر ورشة بالمؤسسة، ورشة الحقن بالمعادن تتمتع بتكنولوجيا عالية الدقة، إلى جانب آلات تصنيع ذات تحكم تقني.
 تتمثل المنتوجات التي تصنع في هذا المجمع في مختلف الأسلحة الخفيفة من بنادق ورشاشات ومسدسات ولواحقها، ناهيك عن قطع الغيار والأدوات وكذا أدوات القياس، وهي موجهة لتزويد المؤسسات الأمنية الجزائرية بما فيها الجمارك، وكذا بعض المؤسسات المدنية من خلال تزويدها بقطاع الغيار التي تحتاجها على غرار مجمع سوناطراك، سونلغاز، الجزائرية للمياه... و غيرها، ما يجعل منها قطب امتياز في الصناعة الميكانيكية بالجزائر.
مؤسسة الانجازات الصناعية بسريانة.. خبرة ورؤية مستقبلية
كجزء مكمّل لهذا المجمع هناك بالموازاة معه مؤسسة الانجازات الصناعية بسريانة، وهي الأخرى مؤسسة عسكرية ذات طابع صناعي وتجاري متخصصة أساسا في صناعة الذخيرة بكل أنواعها ذات العيار الصغير والكبير، مواد وخردوات حديدية، أوسمة ميداليات شارات علب الهدايا، منتوجات السباكة، زرافات الإضاءة نصب تذكارية.
  إلى جانب المؤسسة لها منتوجات فرعية ذات استعمال مدني وعسكري على غرار العتاد شبه طبي، مثبتات العظام، مولدات الطاقة الكهربائية، سواء تلك المعتمدة على الوقود، أو الطاقات المتجددة كالشمسية وطاقة الرياح، ما جعلها أيضا تستثمر في إنتاج الألواح الشمسية وتطوير استعمالها خاصة بالمناطق المعزولة لتزويد مختلف الوحدات القتالية للجيش الوطني الشعبي بالطاقة المطلوبة، و هي منتجات موجهة إلى تلبية الحاجيات الوطنية المدنية والعسكرية ما يجعل منها لبنة أخرى ومكسبا للصناعة الوطنية ككل.
أما الديوان الوطني للمواد المتفجرة الذي أنشئ سنة 1979 متخصص في إنتاج المتفجرات ولوازم التفجير ولديه عدة فروع بالجزائر العاصمة ببئر مراد رايس، عين الدفلى، مليانة، تيجلابين وسيدي موسى، فهو الآخر يحمل على عاتقه مهمة إنتاج جميع أصناف المتفجرات ذات الاستعمالات العسكرية والمدنية كالجيلانيت،المرمانيت، التيماكس الذي يستعمل في المقالع، الأشغال العمومية، حفر الآبار، الأشغال الباطنية كالاستعمالات الجوفية، حفر الأنفاق، بالإضافة إلى أشغال الموانئ، إلى جانب منتوجات أخرى كالفتيل البطيء، الفتيل الصاعق، والصواعق.
و تبرز أهمية هذه المؤسسات في عدم تقوقعها وانحصار عملها على تلبية احتياجات الوحدات القتالية للجيش الوطني الشعبي فقط بل تعدت ذلك إلى الاحتياجات المدنية ما يكرّس تبنيها لمقاربة المساهمة في عجلة التنمية الوطنية بشقيها المدني والعسكري، وهو أمر ليس بالغريب خاصة وأن هذه المؤسسات التابعة لمؤسسة ولدت من رحم الشعب الجزائري إبان الثورة التحريرية ممثلة بجيش التحرير الوطني وأبرزت قوة التلاحم العفوي والتضامن الشديد بين الجيش والشعب.
هاهي اليوم تسير بخطى ثابتة بقواتها القتالية وقطاعها الاقتصادي لتشاركه في إحياء تفاصيل ملحمته الخالدة والعالقة في ذاكرته الجماعية لتشد على ذلك التواصل العميق والمتجذر، وتنظر لمستقبل مشرق بكل ثقة مهما كانت شدة التحديات وعظمة الرهانات، لتكون القاطرة الصلبة للصناعة الوطنية.