طباعة هذه الصفحة

الملتقى الوطني الأول حول العلاّمة صالح بن مهنا بسكيكدة

نفض الغبار عن دوره الاصلاحي ورد الاعتبار لها

سكيكدة: خالد العيفة

صادر الاستعمار إصداراته وتعرّض لمساومات رفضها جملة وتفصيلا

دعا الأساتذة المشاركون بالملتقى الوطني الأول بسكيكدة، حول جهود العلامة صالح بن مهنا التعليمية والاصلاحية، العمل من أجل نفض الغبار عن هذه الشخصية الإصلاحية، ورد الاعتبار لهذا العلاّمة، كما جاءت التوصيات التي خرج بها الملتقى الاهتمام بمؤلفات المصلح بجمع وطبع مؤلفات العلامة قصد تعريف الأجيال القادمة بأعلامها، وتمكين الباحثين من هذا المنتوج الفكري الإصلاحي، دعوة المسؤولين إلى تسمية بعض المؤسسات الثقافية او الجامعية باسم العلامة، وإدراج الشيخ صالح بن مهنا ضمن علماء الجزائر بالمقررات الدراسية.
كما ألحّ الأساتذة المشاركين بهذا الملتقى الأكاديمي في دعوة من لديه تراث الشيخ ووضع نسخ منه بمديرية الثقافة او مديرية الشؤون الدينية بولاية سكيكدة، وإقامة الملتقى في طبعته الثاني بمسقط راسه ببلدية كركرة، كما طلبوا من الجهات المسؤولة الاعتناء بزاوية سيدي يوسف وهي زاوية مسقط رأسه بكركرة.
صالح بن مهنا حسب مداخلات الأساتذة المحاضرون، يعدّ واحدا من أعلام الإصلاح والتعليم في الجزائر خلال الفترة الاستعمارية، تابع تعليمه في جامع الزيتونة بالبلاد التونسية ثم انتقل الى الديار المصرية، حيث واصل تكوينه في جامع الأزهر، وبعد عودته إلى الجزائر استقر بحاضرة قسنطينة التي كانت وقتها منارة علمية في ليل الاستعمار الرهيب، واشتغل إماما بالجامع الكبير ومدرّسا بالزاوية الحنصالية، لمدة جاوزت العقدين، أبان خلالها عن روح إصلاحية، ومنهج دعوي جريء، لا يتوانى في توجيه النقد الهادف البنّاء لما ابتلى به عصره من مظاهر الانحراف عن جادة الحق، الدروشة ودعوى الشرف، وبدع المتصوفة، صادحا غير مجار ولا مهادن، فجر عليه ذلك انتقاد مخالفيه.

معلّما ومدرّسا خاض حياته في ظلال العلم والدّين

كرّس الشيخ صالح بن مهنا حياته لتعليم الناشئة، ونشر علوم الدين، مؤمنا بأن العلم وحده كفيل بالقضاء على الاستعباد والاستعمار، فسخّر قلمه للتأليف في شتى علوم الدين من شرح المتون التعليمية والرحلات، الى التوحيد والحديث، والعقيدة والفقه والأصول، وأولى العناية بإبراز مظاهر التثقف العربي لدى أبناء بلده الجزائر، حرصا منه على تمتين وشائح الترابط وأواصر الانتماء الحضاري الإسلامي، من منطلق وعيه بما يحاك في الدوائر المعرفية والثقافية الاستعمارية، ما عرضه لغضب سلطات الاحتلال التي فصلته عن الوظيف وصادرت مؤلفاته بتهمة معاداة الحكومة والتأليب على سياستها، ويقول الأستاذ مالك بن نبي في كتابه “شروط النّهضة”: “وإنّه لمن الواجب أن ننوّه ببعض ما كان من أمر مناجاة الشيخ صالح ابن مهنّة الضميرية الفردية – إن صحّ التعبير– فإن صوت مناجاته كاد يوقظ أهل قسنطينة كلها حوالي 1898”.
وجاء هذا الملتقى الأكاديمي لأنّ العلاّمة صالح بن مهنا لم يحظ باهتمام تاريخي معتبر يعرف به وبنشاطه في التعليم والإصلاح، رغم إشراقه الفكري في ظروف اشتد فيها ظلام الاستلاب الثقافي، ليساهم بجهوده في انفراج صبح الإصلاح في أوائل القرن العشرين، وبقيت صورته مغيبة في الذاكرة التاريخية الوطنية، ويسعى الملتقى للتصالح مع الذاكرة المحلية والوطنية عبر التعريف بأحد شيوخ الجزائر واعلامها الكبار، وتفاعلهم ضمن السياق الثقافي والسياسي في فترة فارقة من تاريخنا الوطني.

مشاركة نوعية ومداخلات  أبانت الوجه الخفي للعلاّمة

الملتقى الوطني الأول حول العلاّمة صالح بن مهنا نظّم من قبل مديرية الثقافة وبالتنسيق مع مديرية الشؤون الدينية بمناسبة الذكرى المزدوجة لعيدي الاستقلال والشباب، حول جهود العلامة التعليمية والاصلاحية على مستوى قصر الثقافة والفنون، بمشاركة العديد من الدكاترة والأساتذة من مختلف جامعات الوطن على غرار الدكتور هارون باشا من جامعة جيجل، الذي شارك بمداخلة حول حياته وآثاره، والدكتور سناني عبد الكريم أوضح منهج العلامة في عرض المسائل العقدية من جامعة جيجل كذلك. أما الدكتور علي بوالدفع من جامعة سكيكدة فقد قدّم الفكرة الإصلاحية عند العلامة، والأستاد توفيق صالحي من الجامعة قدّم ملامح الحياة الثقافية والتعليمية في عصر صالح بن مهنا، والدكتور رابح طبجون من جامعة قسنطينة، كانت له قراءة في كتاب فتح القدير للعلامة.

 نبدة عن مسيرة العلاّمة صالح بن مهنا “1836 - 1910م”

صالح بن مهنا، من روّاد الحركة الإصلاحية الذين حاربوا البدع، ولد في قرية العشرة ببلدية كركرة غرب سكيكدة بالقرب من القل، وفي قريته هذه قرأ القرآن الكريم وتلقّى مبادئ العلوم الأولى ونشأ بقسنطينة حتى بلغ سنّا تؤهّله إلى الالتحاق بجامع الزيتونة سنة 1856 م، وكان له من التحصيل العلمي ما يؤهله أيضا لذلك، بعدما أخذ الشيخ ابن مهنا نصيبا من العلم في وطنه خرج في طلبه إلى الزيتونة في تونس، فتتلمذ على الشيخ الجربي، والشيخ الأديب محمود قبادو، الشاعر التونسي المشهور، والشيخ صالح النيفر، والشيخ محمد النيفر، والشيخ محمد الطاهر المازري، وبعد بضع سنين توجَّه للقاهرة، فأخذ عن علماء الأزهر كالشيخ الباجوري، ومصطفى العروسي، ومحمد عليش الطرابلسي، ومن أساتذته في الأزهر أيضا الشيخ المرصفي، والشيخ العدوي، والشيخ الرفاعي، والشيخ الشرقاوي، والأشموني، وغيرهم.
في 1887 رجع الشيخ ابن مهنا إلى الجزائر، واستقرَّ فترة من الزمن بزاوية بوحجر، قرب عين البيضاء، وهناك أكمل نصف دينه، ورزقه الله بنتا، ثم توفى الله زوجه، وانتقل الشيخ ابن مهنا في تاريخ لاحق إلى مدينة قسنطينة، بطلب من الشيخ محمود الشاذلي، وعين إماما في الجامع الكبير، الذي بقي فيه عدة سنوات إلى أن عزلته السلطات الفرنسية.
في قسنطينة كان يلقي دروس الوعظ والإرشاد، ويدرس بعض الفنون للطلاب، إلى جانب تدريسه في الزاوية الحنصالية، وقد أفاد كثيرا من الطلاب والعامة، حيث اعترفوا له بالكفاءة، وأشادوا بتفانيه وإخلاصه في نشر العلم، وقد دفع ثمن موقفه الشريف فعُزل من الإمامة، وصودرت مكتبته “الثمينة” كما يقول الأستاذ ابن نبي، قبل أن تعيده السلطات إلى منصبه، وتعيد إليه مكتبته التي ضاعت فيما بعد.
خاض الشيخ ابن مهنا حربا ضروسا ضد البدع والخرافات، وخاض حربا أخرى ضد “عصاة الأشراف” الذين جادل عنهم الشيخ عاشور بكتاب سماه “منار الإشراف”، وقد أيَّد الشيخَ ابن مهنا علماء آخرون، أشهرهم الشيخ محمد ابن عبد الرحمان، المشهور بـ “الدّيسي” نسبة إلى بلدة “الديس” قرب مدينة بوسعادة، وبعد رحلة طويلة من التدريس فإنه لا بد أن يكون للشيخ صالح عدد لا يحصى من التلاميذ نذكر هنا بعضا منهم الشيخ رودسلي عبد الكريم بن عمر، الشيخ المختار بن صلح الشيخ يوسف بن بروال الشيخ علي بن اليسري الشيخ محمد بن مسعود حماني والد الشيخ أحمد حماني ،الشيخ عبد المجيد بن بريك وغيرهم ممن سار على درب شيخه في طريق الإصلاح.
خلف الشيخ صالح بن مهنا 60 مؤلفا شملت مناحي الدين وإصلاحه منه، البدر الأسمى في بيان معاني نظم الأسماء الحسنى، السر المصون على الجوهر المكنون، أقرب الوسائل في الصلاة على النبي وجمع الشمائل، تنبيه المغترين والرد على إخوان الشياطين، الفتحات الأزهرية في الخطب المنبرية، الرحلة الأزهرية، تحقيق للدعوى في الرد على أعداء أهل التقوى، وغيرها من المؤلفات في الفقه والتوحيد والتفسير والردود على أهل الشبه، وأغلب هذه الكتب ما تزال مخطوطة، ولم يطبع منها إلا القليل، وتوفي في سنة 1910 م ودفن بمقبرة قسنطينة.