طباعة هذه الصفحة

التّحليل الأسبوعي

مؤشّرات.. وتحدّيات

سعيد بن عياد
12 أوث 2017

يلاحظ أن بعض الأطراف منها خارجية تسعى للتشويش على مسار مجابهة تداعيات الصدمة المالية الخارجية في وقت ترصد فيه مؤشرات، على محدوديتها بالنظر إلى ثقل التحديات، تشجع على الدفع بعجلة النمو التي تبعدنا عن أخطبوط الـ«أفامي”.
يسجل انتعاش نسبي لسعر برميل النفط متجاوزا عتبة الـ50 دولارا، وهو السعر الذي اعتمد عليه في قانون المالية، إلى جانب توّقعات بمحصول جيّد للحبوب مقارنة بالعام الماضي، وعقلانية في التعاطي مع إعادة تصويب الاستيراد مع آنية في معالجة الوضعية من خلال الحرص على تقليص الإنفاق وتأمين ديمومة نشاط الاقتصاد الإنتاجي وتفادي عودة شبح الندرة.
إنّ هذا التحول يتطلب نفسا جديدا وعملا محكما ومنسجما يتناول المسائل ذات الصلة في العمق برؤية سوف توضحها بشكل أدق جلسات الثلاثية المقبلة بغرداية والمقررة في 23 سبتمبر الداخل، من أجل تجاوز المرحلة نحو أفق أكثر أريحية للاقتصاد الوطني الذي يحتاج إلى متعاملين مستثمرين واقتصاديين أكثر بكثير من مجرد رجال مال وأعمال يسعون للربح بأنانية مفرطة.
لعلّ أول المؤسسات التي تبرز في هذا المشهد هي البنوك التي تقف على عتبة إعادة التموقع ضمن النموذج الجديد للنمو، ومن ثمة مواجهة امتحان استرجاع القروض وفقا لقواعد السوق في وقت لم يعد فيه مكان “للبايلك” خاصة وان الدولة أكدت في أكثر من مناسبة “العزم على ضبط عقارب إدارة المال العام على ساعة الأزمة”.
في ظل الوضعية الراهنة أصبحت المؤسسة الاقتصادية الجزائرية، عمومية وخاصة بالأساس، تواجه مصيرها المحتوم، وليس من خيار أمامها سوى مواصلة السير على درب النمو بكل مشاكله ومتطلباته، ولكن بكل ما يتيحه أيضا من فرص للإفلات من دوامة الصدمة، وذلك بالرجوع إلى أصول التسيير المناجيريالي وجعل إنتاج الثروة هدفا مركزيا.
وفقا لهذا المنهج، على المؤسسة الجزائرية أن تنخرط في ديناميكية المساهمة في تنمية الموارد، بدءا من الالتزام الطوعي بتسديد القروض التي حان أجلها، دفع اشتراكات الضمان الاجتماعي والتصريح بالعمال، تحسين معدلات الإنتاج والإنتاجية، الاستثمار في عصرنة جاهز الإنتاج وتأهيل العنصر البشري ودفع الضرائب (ضرورة تحديث النظام الضريبي لتعزيز الثقة لدى المتعاملين) مع الحرص على اقتصاد النفقات غير الضرورية أو التي تصنف في خانة البذخ والرفاهية الزائدة.
للأسف، برز مؤخرا لدى بعض الأوساط، خاصة إعلامية منها، خطاب يسوق  الإحباط وفقدان الثقة في القدرة على تجاوز الجزائر لما تمر به من متاعب، علما أن مكافحة الفساد، التي تكتسي أهمية في التحول الشامل، ليست عملية ظرفية إنما تندرج في صميم إستراتيجية النموذج الاقتصادي الجديد للنمو، بعيدا عن أي ميل لتصفية حسابات أو ابتزاز أو عرقلة لمبادرات ناجحة أو مطاردتها.
 يتعلق الأمر في هذا الشأن بالمصلحة الوطنية العليا في ظل خطر يلوّح في الأفق يستدعي من كافة الشركاء الالتفاف حول خيار العمل المشترك ضمن معادلة شفافة يلتزم بموجبها كل واحد بإطاره وجعل مصلحة الاقتصاد الجزائري، وبالتالي تأمين مستقبل الأجيال، الهدف المحوري الأول الذي تستمد منه مصالح الجميع المشروعة.
 بالفعل تقتضي المرحلة تطوير تكتيكات مواجهة تداعياتها دون المساس بالخيار الاستراتيجي الذي أكده رئيس الدولة في أكثر من مناسبة ويحمله مخطط الحكومة، أي تعزيز مسار اقتصاد السوق الاجتماعي المنسجم مع روح بيان أول نوفمبر، بمعنى توسيع نطاق حرية المبادرة أو الفعالية الاقتصادية مع الحرص على العدالة الاجتماعية.
لا يوجد من سبيل اليوم سوى أن يتوجه الجميع للتصدي للازمة بثبات وإيمان لا يتزعزع بقدرة بلادنا على تجاوز الظرف بأقل كلفة، خاصة من الجانب الاجتماعي الذي يحتاج إلى إدراجه في صلب البرامج الاستثمارية والتنموية، مثلما لم يتوقف رئيس الدولة عن التأكيد والإلحاح عليه، وجعل الأزمة مصدرا للنهوض من جديد خاصة وان الأرضية القاعدية توفر الفرص.
لقد حققت المصالحة الوطنية انجازا لفائدة الاقتصاد والمؤسسات جميعها بعد أن أخرجت المجتمع من أتون دوامة إرهاب كلّف البلاد والعباد الكثير ولا تزال أثاره بادية على الأقل في نفوس المواطنين الذين يتوفر لديهم اليوم إجماع صريح على نبذ تلك المرحلة السوداء.
 لعلّ عظمة الشعب الجزائري تكمن كذلك في تشبّعه بقيم التسامح والتطلع للمستقبل في كنف الوحدة والشعور بفخر بتميّزه، وقد عرف كيف يتفادى الوقوع في مخطط الخراب العربي أو “الربيع” المزعوم، بعد أن أدرك منذ الوهلة الأولى درجة الخطر المحدق لتلك المشاريع الهدامة التي تطبخ في مخابر أجنبية يجنّ جنونها كلما فشلت، وتفشل دائما، مشاريعها في الجزائر.