طباعة هذه الصفحة

الصومام .. من نظام الثورة إلى ثورة النظام

أمين بلعمري

لم يكن اجتماع شهر أوت 1956 بمنطقة افري بواد الصومام ببجاية اجتماعا عاديا و لكن اللقاء الذي جمع قادة ثورة نوفمبر المجيدة لوضع معالم طريق عمل مسلح منظم يبدأ بتوحيد قيادة جيش التحرير الوطني وتحديد المناطق والولايات وغيرها من الإجراءات التي تساعد على تنظيم العمل السياسي والعسكري للثورة والتنسيق بينهما مما يثبت أن قادة الثورة كانت لديهم نظرة استشرافية مكنتهم من الاطلاع على حقائق موضوعية وهو أن الإدارة الاستعمارية عدو قوي على جميع الأصعدة  وكان لا بد من الاستعداد للمواجهة معها بما تمتلكه من خبرة في الحروب العسكرية و الدبلوماسية .
يبدو أن الهدف من عقد مؤتمر الصومام هو الانتقال من ثورة المتطوعين والعمل الحماسي العشوائي إلى عمل عسكري محترف ومنسق ينفذه جيش تحرير وطني يسيره سلم تصاعدي ومنطق الرتب العسكرية مما يضمن التنسيق التام والتطبيق الصارم للتعليمات وفق تحديد دقيق للمسؤوليات ومعاقبة التجاوزات مهما كان حجمها ومصدرها.
إن اتساع رقعة الثورة وازدياد عدد الملتحقين بالجبال كلها معطيات فرضت إيجاد تنظيم بديل للتنظيم البدائي للثورة في أيامها الأولى وبالتالي كان من الضروري التفكير في عقد اجتماع من هذا النوع وبهذا الحجم لمواكبة تلك التطورات لكي لا تفلت الأمور وفي الوقت نفسه قطع الطريق أمام كل الطموحات الفردية للأشخاص وأمام كل المناورات الاستخبارية الاستعمارية التي يمكنها أن تستثمر في تعدد مراكز القرار لبث الارتباك و شق وحدة الصف لهذا كان من أهم مكاسب هذا المؤتمر توحيد قيادة جيش وجبهة التحرير الوطني والحسم في الأولويات التي طالما ظلت غير واضحة في العامين الأولين من الثورة التحريرية .
يمكن اعتبار مؤتمر الصومام اجتماع ترتيب الأوراق، فبعد سنيتن على انطلاق العمل المسلح ضد الاستعمار الفرنسي كان لا بد من وقفة لتقييم نتائج هذا العمل والتفكير في كيفية زيادة فعاليته ونجاعته وبالفعل استطاع المؤتمرون في هذا الاجتماع التاريخي الخروج بنتائج مصيرية سمحت باستمرار حرب التحرير الوطني في كل ربوع الوطن وجنبت الشعب الجزائري تكرار سيناريوهات المقاومات الشعبية.