طباعة هذه الصفحة

أفارقة ولاجئين سوريّين يغزون الشّوارع والمساحات

التسول.. يضرب بأمن قسنطينة والجهات الوصية في حالة سبات

قسنطينة: مفيدة طريفي

مشاهد تعكّر يوميات سكان مدينة الصّخر العتيق  
مخاوف من انتشار العنف المهدّد للتّماسك الاجتماعي ترصدها «الشعب»

تعرف العديد من أحياء وشوارع مدينة الجسور المعلّقة وضواحيها انتشارا واسعا للمتسولين والمتشردين وحتى المتخلفين عقليا، بمختلف الأجناس والأعمار منهم نساء، رجال، شيوخ، أطفال يفرشون أرضية الأرصفة والشوارع ليلا ونهارا، ويأخذون من التسول مهنة لهم ومصدر رزق مضمون. الظاهرة التي تفاقمت مؤخرا إلى حد احترافهم النشل و السرقة، الاحتيال والنصب، تتوقف عندها «الشعب» في هذا الاستطلاع.
إنّها مناظر شوّهت مدينة الصخر العتيق، إذ تشهد ظاهرة التشرد تزايدا ملحوظا وانتشارا رهيبا يدعو إلى القلق، لما تحمله من مآس اجتماعية خطيرة على غرار إدمان الأطفال على المخدرات، ناهيك عن الانحراف الأخلاقي وتفشي ظاهرة الأفعال المخلّة بالحياء، ما زاد الطين بله خاصة توافد العديد من المتشردين والمتشردات من خارج الولاية ليعيشوا تحت جسور قسنطينة العتيقة ويحفرون لزوالها، هذا فضلا عن تشرّد المختلّين عقليا التي تعتبر ظاهرة خطيرة لها تبعياتها السّلبية، والتي تطرح مشاكل عديدة وتطورات ملموسة خاصة في الآونة الأخيرة، وما يلحقها من اعتداءات جسدية خطيرة تلحق بالمواطنين بصفة متكررة تصل أحيانا إلى حد الموت.
المدينة وبمجرّد حلول الليل تتحوّل إلى مرتع آمن للمتشرّدين، الذين صاروا بفعل قسوة العيش بالشوارع إلى منحرفين ومجرمين، هذا في ظل استفحال البطالة وتزايد نسبة الفقر اللذان يعتبران العاملان الأساسيان في انتشار ظاهرة التشرد التي تساعد على تنامي الانتحار و فقدان التوازن العقلي، فالإدمان يفتك بالبعض فيما يتكفل الجنون بالبعض الآخر، على حد قول المثل.
المدينة تغرق في فوضى المتسوّلين الأفارقة
صور المأساة تترجمها تسوّل رعايا أفارقة أمام أبواب المساجد والمحلات ومن مختلف الأعمار منهم شباب وأطفال يفترشون أرضية المساجد والساحات العمومية، حيث كانت مجموعة من الشباب والأطفال يتسوّلون المارة بوسط المدينة من اجل مساعدتهم ماليا في بداية الامر، لكن المشهد تغير وتحولت الشوارع بفعل هذه السلوكات إلى مفارغ عمومية تحولت بمختلف جهات المدينة، شوارعها وطرقاتها الثانوية والأساسية إلى بيئة ملوثة لا تمث للنظافة بصلة.
دخل على الخط الرعايا السوريون الذي يعيشون من التسول، وافتراش أرضية المساجد طلبا لاستعطاف للمصلين.
التّشرّد والتّسول وجهان لعملة واحدة
الظّاهرة ولدت ظواهر أخرى فمن التشرد إلى التسول هاتان اللتان يعتبران وجهان لعملة واحدة، هذا في ظل غياب القوانين الرادعة لمثل هذه السلوكيات التي لا تنفك أن تتفاقم ضاربة بجمال وأمن المدينة عرض الحائط.
كل قاطن قسنطينة يتكلم عن هذه الظاهرة ويقول لك كلما سألته عن الحالة: «أنّ ظاهرة التشرد تطوّرت بفعل الحاجة للعيش إلى ظاهرة أخطر قد تفقد المجتمع توازنه، ألا وهي التسول الذي استقطب إليه مختلف الشرائح صغار كبار مرضى وأصحاء، الذين يستعملون العديد من الأساليب لكسب ود وعطف المواطنين لمنحهم نقودا يسترزقون منها».
 بحسب العديد ممن استطلعت يومياتهم «الشعب» خلال تجولها بين الشوارع الكبرى لمدينة سيرتا العتيقة، فإن أغلب المتسولين يرتدون نفس القناع ويستعملون ذات الوسائل لكسب الأموال يتلفظون نفس الأدعية والعبارات التي قد ترق لها أصحاب النفوس الرحيمة.
 هنا استخلصنا من أغلب المتسوّلين لاسيما الانتهازيين منهم أن الذي يدفع يحصل على دعوات  فريدة من نوعها «الله يفتح عليك»، «الله يسترك»، والذي لا يدفع أو الذي لا يتأثر بدعاويهم واستمالاتهم ينال اللعنات والشتائم. هذه هي الحقيقة التي وقفنا عليها في العديد من الأماكن التي تستأجر حسب من لهم أعين على هذه الفئة التي أصبحت تمتهن هذه الحرفة بدلا من العمل أو الكد لكسب قوت أولادهم خاصة الرجال منهم.
رضع رفقة نساء وأمّهات في مخارج ومداخل المساجد
لعل المتمعّن في هذه الظاهرة التي تعرف انتشارا أكثر في فصل الصيف، أنّ هناك العديد من النساء اللّواتي يخترن أبواب المساجد وأوقات الصلاة رفقة رضع لا ندري فعلا إن كانوا أطفالهن، فهناك عائلات بأكملها تفترش الأرصفة وأطفال يمتهنون كل الأساليب لكسب بعض القطع النقدية. هذا على غرار شارع «لابراش» وسط المدينة، الذي يكتظ  بالأطفال الصغار معظمهم إناث رفقة أمهاتهم يقال عنهم أنهم من أصول تونسية جاؤوا منذ زمن كلاجئين والبعض الآخر يقول أنهم يعملون لصالح عصابات.
 لكن الأمر الذي يدعونا للتساؤل عن دور المؤسسات الاجتماعية، وعن القوانين التي بإمكانها ردع هؤلاء عن ابتزاز كل من صادفهم في الطريق.
 فهذه الظاهرة تختلف باختلاف الفئات وتتنوع مصادر الكسب حسب الكيفية التي تليق بمن يريد دخولها من الباب الذي يراه مناسبا، فها هي فئة الشباب غيرت الطريقة والأسلوب لكن كل الطرق تؤدي إلى كسب القطع النقدية مثلما أكّده بعض المواطنين لـ «الشعب»، أنّ الشباب يستغل توقف السيارات على حواف الطرقات أو بالقرب من الأحياء السكنية التي يقطنوها وبعد الانصراف يفاجئون بشاب يطلب مبلغ التوقف وكأنها حظيرة سيارات السائق المسكين لا يمانع في دفع ما يطلبه سواء كحق قانوني أو خوفا من الدخول في أمور أخرى.
 لكنّنا تأكّدنا بأنّ البلدية لم تمنحهم لا رخصة ولا غيرها، ليبقى المواطن الضحية الأولى لمثل هؤلاء الانتهازيين، فإلى جانب شارع «لابراش» نجد أيضا شارع العربي بن مهيدي المعروف بـ «طريق جديدة» تحول هو الآخر إلى مرتع للمشردين والمتسولين على حد سواء، حيث تراهم أمام المحلات التجارية والعمارات بشكل يومي على جوانب أرصفة الشارع وافتراشها رفقة أطفالهم الرضع.
 والغريب في الأمر أن جماعة المتسولين هؤلاء يتقاسمون الشوارع والأمكنة، حيث لكل متسول مكان خاص به ولا يمكن تقاسمه مع أحد آخر، خاصة إذا كان جديدا بالمهنة، حيث أكد لنا أحد الباعة بذات الشارع أنه شهد عراكا عنيفا بين امرأتين من أجل المكان.
وعليه فإنّ عاصمة الشرق تحوّلت مؤخرا إلى مجرد شارع كبير يكتظ بالمتسوّلين، حيث تكاد صور التسول بالأطفال لا تغيب عن شوارعها، أطفال رضع، معاقون وأمهات لا يتوقفن عن طلب المعونة لاقتناء الحليب لأطفالهن أو لشراء الخبز لمن هم أكبر سنا قليلا.
 ومن العيّنات التي التقيناها صدفة كانت لإمراة في الأربعينات من العمر لا تكاد أن تبرح مخرج سوق «سانجان» بوسط المدينة جالسة تتوسل كل من مر بها، فاقتربنا منها لتقول لنا أنها أرملة ولديها 3 أطفال، وهي مجبرة على إعالتهم لوحدها، لكن الأمر الغريب هو لدى عرضنا لمساعدتها بإيجاد مكان آمن لها ولأولادها، رفضت وقالت لنا أنها لا تريد منّا شيئا غير المال.

الأفارقة يفترشون الشّوارع والمواطن يتساءل...؟

لم يعد منظر المتسولين الأفارقة يثير استغراب المواطنين، حيث وبعد أعدادهم التي فاقت المئات بالولاية، والذين يتسوّلون وفق طوابير بشرية بالطرق الرئيسية على غرار الطريق المؤدية لزواغي والمدينة الجديدة، ويتخذون من نفق زواغي مكانا للتجمهر والتسول وفق مجموعات، وهو ما يثير خوف وتذمر مستعملي الطريق.
تمّ تسجيل في عدة مراحل اعتداءات خطيرة تأتي في مقدمتها السرقة تحت طائلة التهديد، أين تعرض شيخ طاعن في السن بحي الشالي إلى السرقة، إلا أن تدخل بعض من مستعملي الطريق أعاد الهدوء إلى عين المكان.
 المواطن الذي تعوّد رؤية مناظر جديدة لأشباه المتسولين كل يوم، فمن دخول الأطفال حديثي الولادة إلى الميدان إلى الشيوخ والعجائز الطاعنين في السن لم يعد يثير دهشة المواطنين ولا حتى شفقتهم، هذا نتيجة الكم الهائل لأعداد المتسولين خاصة منهم النساء، حيث أكد لنا عدد من المواطنين أنهم أصبحوا غير قادرين على التفريق بين المحتاج الحقيقي والمزيف، كما أكّدت لنا مصادر مطّلعة أنّ التسول بالأطفال يندرج ضمن نشاطات عصابات مختصة بتأجير الأطفال بغية تحقيق الربح المادي عن طريق عرضهم بالشوارع بصورة مأساوية ملفتة للانتباه، وأنّ هذه الظاهرة استفحلت بشكل كبير بكافة ولايات الوطن دون استثناء أين أصبحت تستدعي تدخلا فعليا وردعا صارما من طرف السلطات والجهات المعنية لمثل هذه السلوكات التي أصبحت شوارعنا وأبواب مساجدنا مسرحا لها.