طباعة هذه الصفحة

تحفّظات غير مبرّرة

جمال أوكيلي
23 سبتمبر 2017

ما زال ملف الاعتداء على الأئمة يثير نوعا من الحساسية وحتى التحفظ لدى الكثير من إطارات هذا القطاع، نظرا لربطه المباشر بأفكار مذهبية متاخمة للحدود السياسية.
وانطلاقا من هذه المعاينة المتداولة في هذه الأوساط، فإنّ العديد من هؤلاء يرفضون الحديث عن الحالات التي تعرّضوا لها من قبل البعض من الأشخاص تفاديا لصب الزيت على النار، وعدم الخوض في هذا المجال، وشعارهم في ذلك طي الملف وحتى نسيانه وكأن شيئا لم يحدث في الوقت الذي يطالب فيه ممتهنو الإمامة بإطار قانوني واضح يحميهم من كل هذه الملاحقات والمطاردات.
والمشهد الأكثر حضورا في ذهنية الأئمة ومساعديهم ما مرّ على الجزائر خلال التسعينات حين وجد هؤلاء أنفسهم في عين الإعصار ممّا كان يهب على البلاد من أفكار بتلك السّرعة الفائقة، تجاوزت الجميع وتركتهم في موقع الترقب لقدوم سباق آخر.
وهذا التّأثّر يتفاعل بداخل الذّات تحوّل مع مرور الوقت وترسّخه في اللاّشعور إلى ممنوعات ترفض تناول مثل هذه القضايا خوفا من تداعياتها تجاه كل هذا الزّخم الحاصل في منظومة الفكر الديني. وفي هذا الإطار، أبدى أحد الأئمّة الذين كانوا عرضة إلى اعتداء من قبل شخص في ولاية من الولايات غير الساحلية، امتغاضه وتردّده من الحديث عمّا لحق به من ضرر مادي جرّاء الحادثة المؤلمة التي مسّته، بالرغم من تواصلنا معه وشرحنا له الهدف من محاورته ألا وهو طرح الملف للسّلطات العمومية قصد التكفل به وفق قوانين الجمهورية المعمول بها، وإيجاد الحلول المناسبة حتى لا تتكرّر مثل هذه السّلوكات غير أنّه تردّد كثيرا في إجابته، وامتنع بطريقة غير مباشرة عن الاستمرار في الكلام.
ومن خلال ما استشفناه، فإنّ محاورنا يعتبر ما حدث له “عملا مفتعلا ومقصودا” يستهدف ممارسة المزيد من الضّغط على الإمام للتّنازل عن أشياء معيّنة، وما يفهم من هذا الكلام هو أنّ صاحبه يوجّه رسالة مفادها بأنّه فعل معزول لا علاقة له بالمسجد بمعنى قضية بين اثنين لا ثالث لهما قد لا تكون حول الهدف المعني أي الإمام وما يتبع ذلك.
وإن كان الأمر على هذه الشّاكلة، فإنّ الأصوات المتعالية من هنا وهناك والمحذّرة من تفاقم المشكلة واتّساع مداها، يجدون أنفسهم أمام محاولات الطّمس والتمّويه، وحتى التّحايل عمّا يحدث لهؤلاء الأئمّة، وهذا بتركهم لحالهم يواجهون وضعا صعبا يتطلّب مرافقة للسلطات العمومية، التي تعتبر الحامي لهم.
وسعينا جاهدين من أجل أخذ آراء نخبة من روّاد المساجد الذين يؤمّون الناس غير أنّنا لاحظنا عدم تحمّسهم لفتح نقاش مثل هذا بعد حديث طويل وعريض معهم، الكل يريد تجاوزه والقفز عليه حتى لا يسبّب أي إحراج للبعض وللبعض الآخر، لم نستسغ هذا الصّمت غير المقنع إلاّ أن هؤلاء الأشخاص المعنيّين جلّهم عاشوا عن قرب أحداث التّسعينات، لا يريد التقرب من إثارة كل ما له علاقة بالعنف مفضّلا عدم التكلم زيادة على إبعاد كل الشّبهات تجاهه حتى لا تردعه الإدارة التّابع لها بحكم المهنة.
كما أنّ البعض لا يرى بأنّها ظاهرة معمّمة سجّلت في البعض من الولايات، وإنما وقائع تشهدها من حين لآخر مناطق معيّنة لا تستدعي كل هذا التّهويل والتّضخيم، إن كان الأمر كذلك فلماذا تحرّك المعنيّون للمطالبة بالكف عمّا يحدث لهذه الفئة؟