طباعة هذه الصفحة

خلفيات حـالات الاعتـداءات علــى الأئمـّة

صراع فكري «مكبوت» لمحاولة فرض «مرجعيات» معيّنة

جمال أوكيلي

الإمــــام فـــي الخـــــط الأمامـــــي للتّصـــــدّي لأي غلــــو

الأستاذ سعدودي: مـــا يرفضــه الإمـام يعتبره البعض مجرّحا

المطلوب من الإمام أن لايتغيب عن المسجد و يترك الفراغ

هذه المؤسّسات حرصت كل الحرص على احتواء هذا المشكل، وهذا من خلال السّعي الجاد لإثارة الموضوع ونقله بكل تفاصيله إلى السّلطات العمومية، ويتراوح القاسم المشترك بين كل هؤلاء في المطالبة بالحماية والحالات المعزولة وإحصاء الحوادث التي قدّرت بـ ٥٠ حالة.
ولأول وهلة فإنّ المعاينة جاءت نتيجة تفاقم أسبابها التي تعد أعمق ممّا نتصوّره في الواقع ليست سطحية أو مجرد أمزجة تؤدي إلى ملاسنات، وإنما هناك صراع غير معلن حول فكر مذهبي يبلغ بتلك الأساليب المتاحة.
يترجم الرّفض لما يقف عليه هؤلاء في المساجد تجاه المنهج المتبع في إدارة شؤون الجامع ومخاطبة الناس، بالاضافة إلى عدم الرضى على هيئة الامام كأن تسجّل عليه ملاحظات تجعل البعض في خلاف دائم معه إلى درجة القطيعة أحيانا.
وبحكم أنّ الامام هو المسؤول بصفة رسمية، ومتابعته الدقيقة لكل صغيرة وكبيرة يتحفّظ عن أشخاص معيّنين في تكليفهم بمهمّات معيّنة، هذا ما يولد ذلك الشّعور بالاقصاء لدى البعض في حين أن مقرّبين منهم يديرون نشاطات كالاشراف على المدرسة القرآنية، إدارة المكتبة والمسابقات وتحصيل الزكاة والتبرعات، مثل هذه الأمور يراها البعض بأنّها أخرجتهم من دائرة الحضور في خضم هذا الفضاء ممّا يولد عندهم حتى عقدة تلازمهم في يومياتهم، وتتربّى لديهم بذور ردود فعل قوية.
وشخّص الأستاذ بالمركز الثّقافي الاسلامي علي بومنجل بالعاصمة السيد عبد الكريم سعدودي ظاهرة الاعتداء على الأئمة وفق مقاربة ذات الصلة الوثيقة بالحراك الاجتماعي، الذي له تأثير مباشر على سلوك الأفراد يظهر في شكل ردود أفعال عنيفة تثير حقّا الدّهشة نظرا لعدم تعوّدنا على مثل هذه الأفعال الغريبة عن الجزائريّين.
وبحكم تجربته في الاحتكاك بالواقع اليومي ومعايشته للأحداث بخصوص هذا الموضوع، وإلمامه الكامل بخباياه وإحاطته بخفاياه، قدّم لنا شرحا دقيقا لحيثيات القضية مقترحا في نفس الوقت الحلول المطلوبة لتجاوز هذا الوضع المقلق.
الأستاذ سعدودي يعتبر أنّ ظاهرة الاعتداء لا تقبل التّجزئة، بمعنى حصرها في فئة معيّنة كالأئمة مثلا وإنما تحمل ذلك الطابع العام غير مقتصرة على صنف معين من الأفراد، بدليل أن هناك عيّنات في المجتمع يتعرّضون لهذا العمل النساء، الأطفال المسنّون، هذا لم يمنع بأن يكون الأئمّة ضمن هذه القائمة.
وهنا يحمّل الأسرة مسؤولية ما يحدث في الوقت الراهن، واستقالتها من مهمّة التّربية المنوطة بها، هذا ما أدّى إلى بروز النّزعة الانفرادية ضمن الخلية الأساسية للمجتمع أفرادها لا يلتقون حول مائدتي الغذاء أو العشاء، كل واحد في زاويته يتواصل مع أناس خارج عن هذا الاطار، ومع مرور الوقت انفرط عقد ما يعرف بالرّابطة الأسرية.
وقد اختصر الأستاذ عبد الكريم ما يجري بقوله: «أجسادهم مجمّعة وعقولهم متفرّقة»، وذلك دلالة واضحة عن غياب تلك اللّحمة بين أعضاء الأسرة الواحدة والانضباط المتعارف عليه في مثل هذه المواقف الحسّاسة ذات الأبعاد الانسانية، ولا يستثني في هذا الاطار تأثير المخدرات في الفرد كذلك.
وضمن حديثه أوضح لنا بأنّ طيلة مساره الخاص بتدريس الأئمّة لمئة ١١ سنة، كان يقول لطلاّبه بأنّ أوّل إمام اعتدي عليه هو الرّسول ــ صلّى اللّـه عليه وسلّم ــ ولا نبدي استغرابنا إن سجّلنا مثل هذه الاعتداءات على أئمّتنا اليوم.
هذا التّفاعل الحاصل في المجتمع أدّى إلى انبثاق ظاهرة الجرح والتجريح من لدن بعض الشباب.
وهنا عين الإشكال، ما لا يوافق عليه أي إمام يعتبره هؤلاء مجرحا، لذلك لا يؤخذ عنه وليس إماما في الدين، وفي كثير من الأحيان تندلع الصّدامات نظرا لهذا الرّفض الوارد من الآخر، الذي يريد فرض رأيه، وفي هذه الحالة تذهب الأمور إلى ما نسمعه من حين لآخر.
يضاف إلى كل هذا الجانب المصلحي، ويرى هنا الأستاذ بأنّ الإمام الجديد الذي يعين في مسجد لأول مرة يكتشف ٣ أصناف، الأول يفيد، الثاني لا يفيد ولا يستفيد والثالث هم المستفيدون، وهذه الثلاثية تولد أحيانا نزاعا خفيا دائرته ضيّقة لكن سقفه محدود في الديمومة، قد يأتي اليوم الذي ينفجر إلى العلن، والمستوى الأكثر بروزا يكون في لجنة المسجد التي توحي لبعض أعضائها بأنّهم فوق الإمام.
في كثير من الأحيان، يعتقد البعض من أعضاء اللّجنة بأنّهم أصحاب القرار وأهل الحل والعقد، لا صوت يعلو فوق أصواتهم، هذا ما يثير غضب الإمام الذي يريد فرض سلطته مهما كان الأمر، واسترجاع صلاحيته المستولي عليها من قبل هؤلاء الأعضاء.
وهذه القبضة الحديدية لها آثار فورية منها مطالبة هؤلاء بتنحية الامام، وفي حالة فشلهم في ذلك يضطرون إلى استعمال العنف ضدّه، وهناك عيّنات حيّة ممّا أوردناه من قول.
ومن الحالات التي قد تؤدّي الى هذه التشنجات قيام الإمام باختيار فريق عمله بداخل المسجد من خلال تقسيم المهام في حين تقصى البقية، هذا ما يخلق ذلك الجو المكهرب إلى درجة عدم الاستقرار.
والأجدر أن يكون الإمام جامعا لا يلتف إلى مثل هذه الأشياء التي تسبّب له عداوة أو توتّرات مع محيطه لا يفي بالغرض المنشود أو المبتغى المطلوب.
ولا يكتفي بهذا التّشخيص وإنما اقترح حلولا منها ما هي بيد الإمام، الذي بإمكانه أن يكون محبّبا لدى الجميع، وهذا بإيجاد المنزلة المأمولة في وسط عائلات الحي الذي يشتغل فيه يتحوّل فيه الأبناء الذين يتعلّمون القرآن إلى محامين يدافعون عن هذا الرجل في حالة تناول شخصه.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى يجب أن يكون الإمام حاضرا في كل الأوقات بالمسجد حتى لا يترك الفراغ أو يحل محلّه شخص آخر والاهتداء إلى خيار المعاملة العادلة لكل الناس.
وآثار الأستاذ عبد الكريم مسألة في غاية الأهمية تلك المتعلّقة بالضّمانات القانونية في تسيير المسجد، وحماية الإمام من كل التجاوزات، فمن صلاحيات هذا الأخير أن يحرص على هيبة هذه المؤسّسة، لا يسمح لأي كان أن ينشط دون أن يحوز على رخصة من الجهات المسؤولة مرجعيتها مديرية الشؤون الدينية والأوقاف، وهذا باستشارة الامام الذي يعد عين الوصاية، ولابد أن يحظى بكل الثّقة، وتبعا لكل هذا لابد من سن قانون خاص للإمام يحميه أثناء تأدية الخدمة، يخوّل له صلاحية الاستعانة بالقوّة العمومية  في حالة تعرّضه لأي طارئ.