طباعة هذه الصفحة

كلمة العدد

أبعاد استراتيجية

جمال أوكيلي
16 أكتوير 2017

تحرص السّلطات العمومية على إدراج مفهوم التّهيئة العمرانية في نشاط الوزارات المعنية بذلك نظرا لما يحمله هذا الملف من أبعاد استراتيجية حيوية على الصّعيد المتمثّل في إحداث التّوازنات الكبرى في توزيع وانتشار التجمّعات البشرية.
وهذا هو التوجه القائم حاليا لدى الجهات المسؤولة التي تسعى من أجل العمل وفق هذه النّظرة بعيدة المدى والصّارمة في آن واحد، ألا وهي تصحيح الاختلالات في النّسيج العمراني ومراعاة الاقامة للسكان في شريط لا يستند لأي تناقضات والحفاظ على النّسق في التصور والتّطبيق.
ومفهوم التّهيئة العمرانية لا يعني أبدا تلك الأشغال البسيطة التي نراها هنا وهناك أو إعادة ترميم العمارات وترقيع البنايات أو التكفل بهياكل ومنشآت قاعدية أوخدماتية ليس الأمر هكذا.
ما يقصد بذلك هو تفكير معمّق إلى أقصى حدود أعلى درجة من أجل إعادة النّظر في كل هذه التّحركات البشرية من داخل الجزائر العميقة إلى الساحل أي الشمال برؤية هادئة ترمي فيما ترمي إلى السعي من أجل تغيير هذا الاتجاه نحو الجنوب الجزائري.
نقول هذا الكلام من باب أنّ هناك تشبّعا بشريا في الشمال، لا يمكن لهذا الشّريط الساحلي أن يحتمل أكثر ممّا هو عليه من الضّغط البشري، إلى درجة أصبح الجميع يشتكون من نقص العقار والأراضي والمساحات، هذه الفضاءات أضحت اليوم مشغولة، والأدهى والأمر أنّ سعر المتر المربع الواحد يعد خياليا أما الكراء فحدّث ولا حرج.
وفي مقابل  ذلك، فإنّ جنوبنا الكبير مازال فضاء شاسعا قابلا لاستقبال المزيد من السكان من كل الجزائر كي نصل الى المخطّط المتعلّق بالتّهيئة العمرانية يكون التّوافد عكسيا من الشّمال إلى الجنوب.
هذا لا يعني بأنّ الشّريط السّاحلي يتوافد عليه من الجنوب، لا يفهم الأمر هكذا، بل أنّ الشّغل الشّاغل للملاحظين هو كيفية الوصول إلى تسوية هذا الوضع وسدّ هذه الثّغرة مستقبلا لأنه منطقيا لا يمكن استمرار الحال على هذا المنوال غير المتوازن في مجال التّهيئة العمرانية، والمراد هنا هو سعي السّلطات العمومية إلى اعتبار هذه المسألة من ضمن أولوياتها المسطّرة في برامجها الاستشرافية في قطاع النّسق العمراني الآهل بالسكان، لأنّ العمل يجب أن يتركّز على قاعدة أو مبدأ التّوازن البشري المناطقي الحديث، الذي لا يبنى على التجمّعات القديمة وإنما التوجه إلى تصوّر جديد في جنوبنا كما هو الحال بالنسبة للمدينة الجديدة بحاسي مسعود، هذا نموذج يمكن تعميمه خلال الآفاق القادمة، وهناك أمثلة أخرى لكنها توجد في الشمال  كسيدي عبد الله، بوينان وعلي منجلي، كان بالإمكان أن تكون هذه الانجازات في الجنوب.
علينا أن نعيد النّظر ليس فقط في برامجنا وإنما كذلك خطابنا، الذي للأسف يتجاهل هذه النّقطة بالرغم من أنّ هناك مؤشّرات في هذا الشّأن، منها ما يعرف بالولايات المنتدبة التي تفسح المجال واسعا لهذا التوجه.