طباعة هذه الصفحة

اختتام المهرجان الدولي التاسع للموسيقى السيمفونية

سوريا نجم الحفل.. وروسيا ضيف شرف العام القادم

أوبرا الجزائر: أسامة إفراح

 إبداع وإمتاع وكثير من العاطفة، هي الأحاسيس التي خرج بها كل من حضر حفل ختام المهرجان الدولي التاسع للموسيقى السيمفونية، سهرة الأربعاء بأوبرا الجزائر، حفل أبدع فيه الفنانون الإسبان، وأبهر فيه الروس، وبكى فيه السوريون فأبكوا جمهورهم.. حدث ذلك في قاعة غصت بالحضور، من محبي الموسيقى إلى الرسميين والدبلوماسيين، يتقدمهم وزير الثقافة عز الدين ميهوبي والدبلوماسي الأخضر الإبراهيمي، وعدد من السفراء المعتمدين بالجزائر. فيما ضرب موعد مع الطبعة العاشرة التي ستكون روسيا ضيف شرفها.
«روسيا الفدرالية هي ضيفة شرف الطبعة العاشرة من مهرجان الجزائر الدولي للموسيقى السيمفونية».. هو ما أعلنه عبد القادر بوعزارة محافظ المهرجان، خلال السهرة الختامية التي احتضنتها أوبرا الجزائر.. ووعد بوعزارة أن تكون العاشرة في المستوى، واصفا جمهور المهرجان بأنه «من ذهب».
موعد للعرفان.. والاكتشاف
قبل ذلك، كانت السهرة قد بدأت السهرة بتكريمات، رُفع أولها إلى رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة، عرفانا له على عنايته بالثقافة والإبداع، تسلمها عنه وزير الثقافة ميهوبي، الذي كُرّم هو الآخر، رفقة عدد من أساتذة المعهد العالي للموسيقى، على غرار صانع الآلات الموسيقية عبد القادر ترسان، وعبد الحميد بلفروني، وأحمد بويفرو، إلى جانب سميرة أم السعد.. كما نال سامي بن شيخ رئيس الديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة حظّه من التكريم.
افتتح الحفل الثلاثي الإسباني «فورتوني»، المتكون من «باو كودينا» على الفيولونسيل، «جويل باردوليت فيلارو» على الكمان، و»مارك هيريديا تريكس» على البيانو. وقدّم الثلاثة معزوفات من الموسيقى التجريبية، التي صفّق لها الجمهور على الرغم من طابعها ما بعد الحداثي.. والمثير في الأمر هو أن الجمهور بات يتقبل هذا النوع من الموسيقى، وهو ما لاحظنه بشكل أكبر في العرض الياباني.
فنانو سوريا.. الغناء من القلب
أما سوريا فحضرت بكورال الحُجرة التابع للمعهد العالي للموسيقى، تحت قيادة المايسترو ميساك باغبودريان. افتتح الكورال برنامجه الفني بمختارات لبرامس، ثم موشّح «لمّا بدا يتثنى»، وأغنية «بلو مون» التي صاحبها عرض فيديو مرافق، ثم أغنية فلكلورية أوكرانية حمّست الجمهور، الذي غنّى بعد ذلك مع الكورال على أنغام «حلوة يا بلدي» لمروان سعد وبليغ حمدي، قبل أن يفاجئ السوريون جمهورهم الجزائري بأداء رائعة «يا الرايح» لدحمان الحراشي، ثم نشيد «عليك مني سلام» موصولا بـ»الحمد لله ما بقاش استعمار في بلادنا» لعميد أغنية الشعبي محمد العنقة.. عرض رافقته الزغاريد والمشاعر الجياشة والهتاف لسوريا، في لحظة يصعب على الكلمات وصفها.
توجهنا بالسؤال للمايسترو ميساك باغبودريان، عن دور الموسيقى في الحرب، فأجاب بأن الموسيقى هي استمرار الحياة، وإرادة الحياة، وإذا كانت الحرب تسعى إلى القضاء على الإنسان والإنسانية، «فإننا عن طريق الموسيقى ننشر الإنسانية في العالم». سألناه أن يعبّر عن إحساسه وهو يرى جمهور القاعة واقفا ويهتف بصوت واحد من أجل سوريا، ولكن دموع التأثر حالت دون أن يجيبنا المايسترو ميساك باغبودريان.
هذه الأحاسيس حملها معه ميساك الذي كتب على جداره بفايسبوك صبيحة اليوم: «عندما تسافر أكثر من 14 ساعة، تصل وتذهب مباشرة إلى القاعة للتدريب، وبعد ساعتين تقدم أمسية موسيقية، وفي نهاية الأمسية تجد الجمهور الذي فاق 1500 مشاهد يقف ويهتف: سورية، سورية، سورية.. حينئذ تعرف أنك وصلت إلى هدفك، وأنك في بلد يحبك، مع شعب متعاطف معك بكل عواطفه.. إنك في الجزائر».
وفي ذات السياق، جاء كلام عضو الكورال مرفت رافع، التي نشرت على فايسبوكها: «حفلة قدمناها على مسرح دار الأوبرا بالجزائر.. بمحبة وسعادة غنينا، فما كان من الجمهور الرائع إلا الهتاف لسوريا.. زغاريد صدحت في المكان واسم سوريا كانت على لسان الشعب الرائع.. فرحتنا أبكتنا وأبكت الجمهور حبا.. دموع سنحملها معنا لننثرها مطرا في وطننا الغالي.. شكرا مايسترو.. شكرا لكل فرد منا بكورال الحجرة.. شكرا لأن علم سورية رفرف عاليا في بلدنا الثاني الجزائر».
أما السوبرانو سناء بركات، فأجابت عن سؤالنا حول سرّ إتقان كلمات الأغاني الجزائرية التي أدتها الفرقة، بقولها إن المجموعة أحست بكلمات الأغاني الجزائرية التي أدتها، لأنها «كلمات معبرة وخُلقت عن ألم».
الروس يؤكدون مرة أخرى
ختام الحفل كان نوعيا، بمشاركة الموسيقى الروسية ممثلة في مجموعة حجرة «سوليست سان بترسبرغ»، تحت قيادة المايسترو «ميخائيل غانتفارغ». أدت المجموعة ببراعة فائقة مقطوعات لتشايكوفسكي وسيبيليوس، كما أبدع الثنائي الأوبرالي السوبرانو كريستينا بيزنوسوفا، والتينور أندري ماكسيموف، اللذان تألقا في أدائهما لأعمال تشايكوفسكي، ريمسكي كورساكوف، وسيرغي راخمانينوف.
قبل ذلك، كنا قد التقينا بالمايسترو ميخائيل غانتفارغ، وأكد لنا بأن الأعمال الكلاسيكية لكبار مؤلفي الموسيقى السيمفونية لا تحتاج إلى ترويج، ولا إلى توظيف موسيقى الأفلام لحمل الشباب على الإعجاب بها، بل الجمهور هو من يبحث عنها.. وأعرب ميخائيل عن سعادته البالغة بالعزف أمام جمهور أوبرا الجزائر، سعادة يبدو أنها ستتضاعف باختيار روسيا ضيف شرف الطبعة العاشرة من المهرجان السنة المقبلة.
يذكر أن مهرجان الموسيقى السيمفونية قد جمع 14 دولة، إذ إلى جانب البلد المنظم الجزائر وضيف الشرف إيطاليا، كلا من تونس، سوريا، جمهورية التشيك، فرنسا، تركيا، النمسا، جنوب أفريقيا، المكسيك، اليابان، ألمانيا، إسبانيا، وروسيا. وقدمت هذه الدول، على مدار 5 أيام، برنامج تنوع بين الكلاسيكيات وموسيقى الأفلام والموسيقى التجريبية، والغناء الأوبرالي والبوليفوني.. ويبقى المكسب الأهم هو الجمهور الذي أظهر اهتماما كبيرا بهذا النوع من الموسيقى، واستعدادا حقيقيا على تقبل كل ما هو جديد من أشكال الإبداع.