طباعة هذه الصفحة

الدكتور يوسف بن يزة لـ «الشعب»:

«ما يحدث للصّحافة الورقية بالجزائر نتيجة عدم فطامها من الإشهار العمومي رغم كبر تجربتها»

حاوره: لموشي حمزة

تحتفل الجزائر بالعيد الوطني للصحافة والمصادف لتاريخ الـ 22 أكتوبر من كل سنة، والذي أقرّه رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة لتأكيد حرص الجزائر وثباتها على احترام حرية التعبير والرأي المكرسة دستوريا، في وقت تعيش فيه الصحافة الورقية في الجزائر مرحلة عصيبة ومفصلية منذ فترة بسبب تراجع المبيعات وشح مصادر الإعلانات الحكومية والخاصة على حد سواء، نتيجة الأزمة الاقتصادية التي ألقت بظلالها على البلاد منذ 3 سنوات خلت، وهو الأمر الذي يهدد باختفاء المزيد من العناوين الصحفية من الساحة الإعلامية بالجزائر.
وقد كشف جمال كعوان وزير الاتصال، مؤخرا، عن توقف 26 جريدة  و34 أسبوعية عن الصدور منذ بداية الأزمة المالية في الجزائر عام 2014، فيما قدّر عدد العناوين الناشطة في الساحة الإعلامية بـ 140 عنوان، تواجه تحدي الصحافة الالكترونية وانتشار المعلومة بشكل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي.
لتشريح الموضوع ومن عدة زوايا، سألت جريدة»الشعب» الأستاذ بكلية العلوم السياسية بجامعة باتنة 01، الدكتور يوسف بن يزة عن هذه الإشكالية التي باتت تؤرق الصحفيين ومسؤولي الجرائد على حد سواء، فكان معه هذا اللقاء.
❊ الشعب: كأستاذ جامعي، كيف ترى واقع الصّحافة المكتوبة في الجزائر في ظل الأزمة المالية؟
❊❊ الدكتور يوسف بن يزة: بصفتي كقارئ ومتابع للساحة الإعلامية يمكنني أن ألاحظ أن أغلبية الصحف أصبحت تئن في صمت تحت وطأة الضائقة المالية، كما أن الأكشاك أصبحت تفتقر للعديد من العناوين التي اتّضح أنها توقفت لذات السبب، وتمّ إحالة طواقمها على البطالة.
 هذا الواقع يمكن اعتباره تقهقرا لتجربة الصحافة في الجزائر بعد المكاسب الكبيرة التي حققتها منذ الانفتاح الإعلامي قبل ثلاثة عقود، لكنّني أعتقد أنّ ما حدث تحصيل حاصل باعتبار أن أغلب هذه العناوين لم تستطع الفطام عن ضرع الإشهار العمومي رغم بلوغ كثير منها سن الرشد في بيئة اقتصادية مفتوحة على كل الاحتمالات، فحكمها في النهاية هو حكم كل الشركات الخاصة أو العمومية التي فشلت في التكيف مع المتغيرات الاقتصادية ومقتضيات الأزمة المالية.

❊ ما رأيك في هواجس ومخاوف المجتمع المدني والصّحفيّين من تقلّص الحق في الإعلام العمومي؟
❊❊ هذه المخاوف طبيعية ولها ما يبرّرها لأنّ الصّحافة في أي مجتمع هي قناة تتولّى نقل انشغالات المجتمع إلى السلطة السياسية وتعود بمخرجات السياسة العامة إليه، فهي إذن أداة وصل وواسطة بين الطرفين، غير أنّه ينبغي التذكير بأن جودة الخدمات التي تقدمها هذه القناة لا تتوقف على عدد الصحف، وإنما على مدى انتشارها وتأثيرها في المتلقّين وتمكّنها من تأدية الوظائف المنوطة بها، أما من جهة تخوف الصحفيين فالأمر أكثر من واضح باعتبار الصحافة مهنة متعبة وغير مجزية ماديا تتولى استيعاب الآلاف من خريجي كليات الإعلام، وبالتالي من حق الإعلاميين القلق على مصير مصدر رزقهم.

❊ هل فعلا الصّحافة الورقية مهدّدة بالاختفاء إذا لم تتدخّل الحكومة؟
❊❊ اختفاء الصّحافة الورقية مسألة وقت فقط فالكثير من الصحف العالمية العريقة بدأت تتحول من ورقية إلى إلكترونية، الأمر يتعلق فقط بتغيير التقنية والأداة، وهذا الأمر لا دخل للحكومات فيه، فلكل زمن أدواته، في الجزائر بدأت الصحف تتكيف مع المستجدات التقنية لكنها ما تزال رهينة الأنماط التسييرية القديمة المعتمدة على الإشهار العمومي، وفي حالات قليلة على الإشهار الصناعي أو التجاري الذي يعاني هو أيضا من التخلف. البيئة الاقتصادية توفر بدائل عديدة للإشهار العمومي، لكنها ليست ناضجة بما يكفي، وتتطلّب آفاقا غير محدودة للإبداع وهذا ما قصدته بضرورة التكيف مع المستجدات. مع ذلك تنتظر الصحف دائما دعما من الحكومة لأنّها تعتقد بأنّها تقدّم خدمة عمومية وتساهم في التنشئة السياسية ونشر الثقافة والوعي وهذا صحيح.

❊ وما طبيعة هذا الدّعم وكيف يتم تقديمه في رأيكم؟
❊❊ هناك أشكال عديدة من الدعم غير أنّ الجميع يتحدّث فقط عن الدعم المادي، غير ذلك الحكومة مطالبة بضمان بيئة ملائمة للعمل من خلال فتح المجال للصحفيين والانفتاح عليهم، وتمكينهم من مصادر الخبر من جهة وحمايتهم من تعسف الناشرين وحماية الناشرين من سطوة رجال المال خشية انحراف العمل الإعلامي عن أهدافه الحقيقية. الحكومة مطالبة أيضا بتوفير أجواء الحرية في إطار القوانين واحترام ثقافة وقيم المجتمع، وإذا كان هناك دعم مادي للصحف فأنا أدعو لتوجيهه لتكوين الصحفيين وتحسين أوضاعهم الاجتماعية، وتمكينهم من بعض الامتيازات كاعتبار الصحافة مهنة شاقّة وتفعيل الامتيازات التي جاءت بها بطاقة الصحفي المحترف.

❊ هل أنت مع الرّأي القائل بضرورة إدخال الصّحفيّين كمساهمين في الجرائد عبر قانون الإعلام؟
❊❊ بالتأكيد سيضمن ذلك عدم سيطرة رجال المال على وسائل الإعلام، لكنّني أعتقد أنّ الأمر صعب في الجزائر بالنظر إلى الأوضاع المادية المتدهورة لأغلب الصّحفيّين، ولو تجتهد الحكومة ونقابات الصحفيين لإيجاد سبل بديلة لتمليك الصحف للصحفيين عبر إعطائهم قروضا بنكية أو شراء أسهم في الصحف باسمهم عبر البنوك أو بأي صيغة أخرى تمّكنهم من الحفاظ على وجود واستقلالية مؤسساتهم الإعلامية.

❊ الصّحفيّون يطالبون بإرجاع المادة 11 من قانون الإعلام 90 – 07 لحماية حقوقهم..ما رأيك في الأمر؟
❊❊ تلك المادة جاءت في سياق مختلف وفي ظرف سياسي واقتصادي مختلف، كما أنّها تتحدّث عن تحويل ملكية وسائل إعلام عمومية لصالح عمالها المحترفين في إطار سياسة الدولة لخصخصة القطاع العام، الأمر يختلف الآن وأعتقد أن الضوابط التي حملها قانون الإعلام الجديد وتلك التي ستحكم القطاع بعد تنصيب سلطة الضبط للصحافة المكتوبة ستراعي هذا الجانب، وفي ظل الفوضى التي تسود هذا القطاع من الصعوبة بما كان الحديث عن فك الارتباط بين الجوانب التجارية والجوانب المهنية التحريرية للمؤسسة الإعلامية.